-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يعد بكيان لبعض الفلسطينيين يؤمن حدود دولة لكل اليهود

حبيب راشدين
  • 4983
  • 2
يعد بكيان لبعض الفلسطينيين يؤمن حدود دولة لكل اليهود

ربيع الثورات العربية أفلح أخيرا في تهيئة الأجواء، وتسريع ظهور أشراط الساعة لقيام شرق أوسط الدجال، بشراكة ومقاولة الإسلاميين من الباطن، وساعد في إخراج الأعراب من الشعور بالإحباط، بالقدر الذي يسمح اليوم بتسويق مشروع تصفية القضية الفلسطينية، عبر قيام دولة لبعض الفلسطينيين تمنح لأول مرة شرعية كاملة لدولة كل اليهود، ووضع ما بقي من سفهاء العرب تحت وصاية الأعاجم من بلاد فارس والأناضول.

.

أشراط قيام الساعة لشرق أوسط الدجال ألأمريكي

قبل سنتين أو ثلاث كان الوزراء العرب يدعون كالقطيع للاستماع للسيدة كوندوليزا رايس، كان ذلك بعد احتلال العراق بالقوة الأمريكية الصلبة والعمالة العربية الرخوة، أما اليوم فإن العثماني أردوغان هو الذي تولى الدور بالنيابة عن الأخ الكبير، بعد أن فتح له الأمين العام الجديد للجامعة العربية قاعة مداولة وزراء الخارجية العرب في دورتهم الـ 136 العادية ليخاطب من فوق رؤوسهم جموع الأعراب، ليوزع التبريكات على الثوار هنا وهنالك، ويتوعد الأنظمة العربية المارقة التي لم تسلم المفاتيح لثوارها ثم ترحل، قبل أن يختطف من الجامعة العربية وعموم العرب الملف الفلسطيني، ويقدم تركيا الأردوغانية كقوة إقليمية شرق أوسطية معنية بأي ترتيب لإعادة صياغة واقع العالم العربي.
البيت العربي المخروم المتهالك لم يكن بحاجة لتوثيق حالة الخراب، لا لتقرير الأمين العام الجديد الذي أعلن الإفلاس التام للجامعة العربية، ولا لأردوغان وهو يستأسد على العرب، ولا للمخرب الأمريكي فلتمن وهو يستبق آكلات الجيف الغربية إلى طرابلس الغرب، ولا حتى إلى الإنزال البريطاني الفرنسي في العاصمة الليبية في شخص ساركوزي وكامرون، ذلك أن البيت العربي كان محكوما عليه بأن يبقى خرابة مستدامة، إلى أن نستخرج آخر قطرة من نفطه وزفته، ويعاد ترتيب أوراق بيته في قالب الشرق الأوسط الأمريكي الجديد.

.

أوصياء من العجم على ما بقي من العرب
تذكروا معي كيف بدأت الأحجية الجديدة والعبث بقبائل الأعراب. فما أن استتب الأمر للأمريكان في العراق، ليفككوا درع بوابة العرب الشرقية، حتى شرعوا في فبركة عدو خرافي للعرب من إيران الفارسية وهلالها الشيعي المتنامي، وقوتها العسكرية المتعاظمة، ومشروعها النووي المهدد لأعراب الخليج كما زعموا، وكنا قبل سنة على مشارف حرب غربية على إيران، أو هكذا أرادوا لنا أن ننقل عداءنا الموضوعي للكيان الصهيوني ولأمريكا والغرب، إلى عداء للجارة إيران.
وتذكروا معي كيف بدأ وقتها تصنيع الدور القادم للعثمانيين الأتراك، وهم يمنعون حليفهم في النيتو من استعمال الأراضي التركية لضرب العراق، ثم تذكروا ذلك التهافت التركي الإيراني على انتزاع ورقة القضية الفلسطينية من العرب، والدخول في مزايدات على الأنظمة العربية التائهة.

.

خارطة الطريق لاستنساخ مشارقة من الأعراب
تذكروا قبل عام من الآن، أننا كنا أمام صورة لاندحار أمريكي في العراق، ومقدمات لحرب غربية على إيران، وتصفية لحزب الله في أروقة المحكمة الدولية. لقد اختفى كل ذلك، وجرف مع الربيع العربي بعد أن أدى وظيفته الترويعية، وسوف نكتشف بعد أيام أو أسابيع بيت القصيد في هذه الأحجية، في ما يرافق ملف الطلب العربي الفلسطيني للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، كمقدمة للاعتراف الكامل بدولة اليهود، والشروع في بناء فضاء جديد يرحل منه العرب المشاكسون، قبل توطين مشارقة مدجنين، يتخلون عن هوية العروبة، قبل مساومتهم بالتقسيط المريح على العقيدة بعد حين.
الولايات المتحدة والغرب يعلمون علم اليقين، أن مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد مرتهن بإيجاد تسوية دائمة للقضية الفلسطينية، ليس عبر مسار أوسلو، الذي كان مجرد تسلية وشراء للوقت طوال ثماني عشرة سنة، وقاد إلى انتزاع تنازل عربي استراتيجي وخطير في ما سمي بالمبادرة العربية، كانت تحتاج إلى قوة جديدة، قادرة على تسويقها في الشارع العربي، وكان ينبغي أن تجرف من المشهد العربي بعض المواقع الممانعة، أو المتهمة بالممانعة في ليبيا وسورية، وأيقن الغرب أنه بحاجة إلى فتح الأبواب الموصدة منذ عقود أمام القوة السياسية الوحيدة، القادرة على التسويق لخارطة الطريق الجديدة، ومنح شهادة الميلاد الحقيقية والدائمة لدولة اليهود، وأعني هنا بلا تردد القوى الإسلامية، وتحديدا ”الإخوان المسلمين” ومن يفترض أن لهم قدرا من التأثير على حركات المقاومة حتى تحرير كل فلسطين.

.

تأمين دولة لكل اليهود بكيان لبعض الفلسطينيين
وليس صدفة أن يدعى أردوغان إلى اجتماع وزراء الخارجية الذي خصص جانب منه لحشد الدعم العربي للمسار الجديد الذي يفترض أن ينقل القضية الفلسطينية من مستنقع أوسلو والتفرد الإسرائيلي الأمريكي بالملف، إلى أروقة المنظمة الأممية، لأن تركيا قد استلمت فعلا الدور والضوء الأخضر لقيادة هذا الشتات العربي إلى حيث يرغب الغرب أن يكون العرب وقضيتهم المركزية: أي الاعتراف الشامل بالكيان الصهيوني كجزء من الجغرافية السياسة للإقليم العربي، ومنحه فوق ذلك حدودا آمنة، وهو ليس مسارا جديدا بل إن مسار أوسلو كان قد مهد له ومن قبل للمبادرة العربية، ولم يكن الغرب بحاجة سوى لقيادات عربية قادرة على تسويقه، وإقناع  الفلسطينيين أولا، ثم الشعوب العربية بحتمية القبول بوجود كيان اسمه إسرائيل داخل حدود فلسطين 48.
وفي هذا السياق لا ينبغي لنا أن ننخدع مرة أخرى لا بالتهديد الأمريكي باللجوء إلى الفيتو، ولا بهذه العنترية التركية التي تهدد إسرائيل على طريقة ملالي إيران، ولا حتى بما يروج من أساطير حول رفض الإسرائيليين لقيام دولة فلسطينية على حدود 67، فحتى مع توقع فيتو أمريكيا، يتخذه المسوقون للمسار الجديد كشهادة حسن سيرة، فإن أكثر من نافذة سوف تترك مفتوحة للوصول، بعد بضع سنوات، إلى اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية التي تمنح الحياة الأبدية لدولة اليهود، ولن تحتاج الولايات المتحدة لأكثر من سنة أو سنتين، حتى تصل حكومة إسرائيلية جديدة، بموقف إسرائيلي متماهي مع مسار الشرق الأوسط الأمريكي.

.

دولة “رام الله” لوأد المقاومة وأحزاب الله
ذهاب العرب والفلسطينيين بعد أسابيع قليلة إلى الأمم المتحدة لانتزاع العضوية، كدولة تعترف بها المجموعة الدولية، هو أخطر ألف مرة من مسار أوسلو، الذي لم يلزم في الحد الأدنى، وفي جميع مراحله سوى جماعة أوسلو، بينما يعول على المسار الجديد، حين يحصل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أن يلزم بالضرورة جميع دول العالم بالاعتراف بشرعية دولة اليهود على فلسطين 48، ويخلق وقتها جدارا قانونيا فولاذيا أمام أية حركة مقاومة، تطالب اليوم أو غدا بتحرير فلسطين كل فلسطين، أو حتى بإعادة فتح ملف عودة اللاجئين.
 دعونا نذكر طائفة من المشككين الذين يتهمون كل قراءة نقدية لسياسات وخطوات العدو الفعلي التاريخي للشعوب العربية، وأعني الولايات المتحدة والغرب، على أنها من بنات الاعتقاد بنظرية المؤامرة، دعونا نذكرهم بما هو مسجل حتى الآن من مواقف لأهم الأطراف والأفرقاء حيال المسار الجديد:

.
من المقاومة والممانعة إلى المقاولة للمبايعة
فعلى مستوى المجموعة الغربية تم توزيع الأدوار بين دور أمريكي ممانع في ظاهره، يهدد السلطة الفلسطينية بالفيتو، بينما يشجع في السر المجموعة العربية والسلطة على المضي قدما، وبين الموقف الأوروبي الداعم بلا تردد للمسار.
إقليميا، نتابع هذا الإنزال التركي المشبوه داخل المشهد العربي الرسمي مشجعا وداعما للمسار، ومباركة إيرانية صامتة، ألجمت حتى لسان زعيم حزب الله، فيما غادر قادة حماس المشهد الإعلامي بالمرة حتى لا يتعرضوا للإحراج.
عربيا، وخارج أروقة النظام الرسمي، فإن القوى السياسية المعادية تقليديا لوجود الكيان الصهيوني بالمرة، مثل الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان، ومعهم القوى القومية التقليدية، هم منشغلون بثورات الربيع العربي وريع السلطة الذي يعد به، وقد نأوا بأنفسهم عن ذلك الحراك الشعبي الثوري الحقيقي الذي اقتحم السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وسوف نراهم في طليعة القوى التي تتكفل بإقناع ” المتطرفين” من حركة حماس والجهاد الإسلامي، وجميع ”الحالمين” بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، حتى وإن كنت أعتقد أنهم لن يضطروا إلى ذلك، بالنظر إلى تسجيل بداية تحول حقيقي في المواقف عند قيادات حماس في غزة ودمشق منذ أكثر من ثلاث سنوات.

.

أشراط قيام الساعة لشرق أوسط الدجال
الصورة الكاملة قد لا تبدو واضحة بعد للجميع، لأن أجزاءها ما زالت مفككة عن قصد، واللعب بألوانها وأطيافها الرمادية ينفذ بمهارة عالية، إلا أن قليلا من الفطنة، وإساءة الظن الواجبة بكل خطوة يخطوها العدو، تسمح على الأقل بالربط بين بعض أجزاء الصورة التي بين أيدينا، ثم التعويل، ليس على ما هو معلن من نوايا ومواقف في السياسات الغربية الرامية إلى إعادة صياغة المنطقة العربية، بل التعويل على ما هو ممكن منها.
كثير منا كان يعلم مسبقا أن مشروع الشرق الأوسط، ما كان ليرى النور دون التوصل إلى حل ما للقضية الفلسطينية، ولم يكن لينفذ بالضرورة على يد نظام عربي رسمي مترهل، معوق بأكثر من حصان نافق، ولا مع شعوب محبطة مغلوبة على أمرها، ومع إقصاء متواصل لقوى سياسية مؤثرة تركت لعقود خارج اللعبة، ولا مع نخبة إسرائيلية سياسية وعسكرية متعجرفة، لم تكن قد ذاقت طعم الهزيمة، حتى تلين وتنصاع لمسار جديد، وتنسى معه أطماع الصهيونية التوسعية.

.

صيف الهنود الحمر بعد انصراف ربيع العرب
أكثر هذه الشروط الموضوعية التي تفتح الأبواب لقيام الشرق الأوسط الجديد باتت متوفرة. فإسرائيل ذاقت في لبنان وغزة طعم الهزيمة، وهي اليوم أكثر استعدادا من أي وقت مضى للقبول بحدود معلومة، ترسم لها لأول مرة حين ترسم حدود الدولة الفلسطينية الموعودة. كما أن الربيع العربي قد أمكن من عصفورين أو أكثر بحجر واحد: فقد أبعد بعض الأحصنة النافقة وتحديدا في مصر، كما ساعد على إخراج الشعوب العربية من الشعور العام بالإحباط، وأوهمها أنها كانت الفاعل الرئيس في التغيير الحاصل، ونرى انقلابا غير مسبوق في المواقف الأمريكية والغربية من وجوب فتح أبواب المشاركة دون تحفظ لقوى سياسية مؤثرة يتقدمها الإسلاميون، بل قبل الغرب حتى بمشاركة فلول القاعدة والمسرحين من غوانتنامو كما حدث في ليبيا، وقد اشترى من إيران تجميد ”حق الفيتو” والتشويش على المسار مقابل نسيان وتجاهل الملف النووي، وقبضت تركية الثمن حتى قبل أن يكتمل المشروع، وسوف تقبض إسرائيل بعملة النفوذ، وعملة الأمن والاعتراف العربي والإسلامي التاريخي بدولة اليهود، ما ينسيها أحلام عتاة المشروع الصهيوني.

.

أرض الميعاد لشعب “جيهوفا” المختار
تلكم هي العوامل الموضوعية القائمة على الأرض، التي لا تسمح لي اليوم ولكل عاقل، مشاركة المتفائلين من معسكر المقاومة والممانعة، أو ما بقي منهم، في ما أذاعوه ويذيعونه حول سقوط مشروع الشرق الأوسط الأمريكي، الذي لم يسقط مع رحيل بوش، بل وجد في إدارة أوباما، القيادة الذكية البارعة، التي تشتري اليوم من العرب، وبأموال ودماء عربية، التوقيع على شهادة ميلاد شرقها الأوسط الكبير الآمن، وغرس نهائي لكيان يهودي، يعده رب البيت الأبيض بأرض ميعاد لم يرد ذكرها لا في زبور داوود، ولا في سفر الأنبياء، وسفر الملوك من العهد القديم. 

    أضف تعليقك

    جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

    لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
    التعليقات
    2
    • najib

      سيدي شكرا جزيلا ,اريد فقط ان اسالك ان كان في وسعك
      ما هي سياسة الجزائر من هذه المسرحية لانها الدولة الوحيدة التي لم تعرف
      مع من و ضد من.
      .

    • حماني مسعود

      بارك الله في الاستاذ على هذا التحليل والذي اتمنى ان يكون في متناول كل جزائرى فخور ببلده وهذا يستلزم ياشيخ ان بكون لك موقع الكتروني وشكرا