يُخرجون “حياتهم” من الميّت
ما قام به المدعو فرحات مهني، عندما طار إلى سويسرا، وحاول أن يُلقي خطابا تأبينيا “لا دين فيه ولا لغة عربية ولا وطنية”، على جثمان الراحل حسين آيت أحمد، هو حلقة من مسلسل طويل “قنطنا” من انتظار نهايته.. وهو استغلال كل المناسبات بما فيها الجنائز، لأجل بلوغ المآرب الدنيوية الرخيصة جدا.
فالرجل الانفصالي، الذي حوّلوه إلى فنان وإلى أستاذ، والفن والعلم بريئان منه، وما زال حلمه أن يقدّم جزءا من الجزائر، التي أعطى آيت أحمد تسعين سنة من عمره لأجلها، إلى فرنسا، بعد أن لفظته الولائم ومختلف التجمّعات داخل الوطن وخارجه، استغل وفاة السيد حسين آيت أحمد، وحاول بوقاحة “غير جزائرية وغير إنسانية أيضا”، أن ينهش في تاريخ الرجل من خلال نفث “كيره”، لولا وقوف نجل الراحل في وجهه وطرده بالطريقة الحضارية، التي عاش بها آيت أحمد، وورّثها لأبنائه الذين يحملون كل الأسماء العربية والأمازيغية والإسلامية الخالدة، من صلاح الدين إلى يوغورطا.
وأمثال فرحات مهني في الجزائر كثيرون جدا، من الذين حاولوا أن يصنعوا حياتهم من موت الآخرين. ويوجد في الجزائر، من يمتلك بطاقة مجاهد يبتغي بها خيرات البلاد، على جثة شهيد أعطى من نفسه لينال غيره من نفيس الدنيا، من سيارات وعقارات. وكما كان منظر فرحات مهني بشعا ومُذلا، ويده الممدودة إلى نجل آيت أحمد تعود إلى جيب سترته باردة، مثل قلبه، ومحاولته أن يقول ما لا يقال في مقام جلل، تبوء بالخزي والهوان، سيكون منظر الآلاف من الذين سيشيّعون الراحل إلى مثواه الأخير مؤسفا، بعد أن كان الرجل يقول ولا أحد يستمع إليه، ويمشي ولا أحد يرافقه، ويكتب ولا أحد يقرأ له، ويشقّ المسالك الجبلية المؤدية إلى عين الحمام، لوحده على مدار عقود من الزمن، من دون أن ترافقه مصالح البلدية أو الولاية، لتعبّد له الطريق وتنيرها، وهو حيّ يرزق، كما فعلت في الأيام الأخيرة وقد فارق الحياة.
لا نريد أن تبقى جنائزنا المهيبة، وتعازينا المؤثرة، هي كرمنا الوحيد، تجاه من صنعوا جزءا من تاريخنا في أي مجال، ولا نريد للذين فشلوا في أن يعيشوا في قلوب الناس، أن يستعملوا موتانا الأعزاء، جسرا، لتحقيق أهدافهم الذليلة.
وإذا كنا نشعر بالخجل، ونحن نذكر موتانا بخير، بعد أن بخسناهم حقهم وهم بيننا، فإننا لا نفهم من أي كوكب سقط هذا الـ”فرحات مهني” الذي اعتبر دائما فرنسا أمّا وحيدة له، وزار فلسطين المحتلة، واقترح تبادل الجزائر مع فرنسا الاعتراف بـ”جرائمهما” معا، وتضامن مع رسامي الكاريكاتير الدانماركيين وصحافيي شارلي إيبدو، ليحاول الآن أن يجرّ إلى “مستنقعه” روح رجل شارك في كل الصفحات المضيئة التي عاشتها البلاد في زمنها الجميل، ولم يشارك في كل الصفحات المظلمة التي عاشتها البلاد في زمنها القبيح.