القتل الخطأ!
حوادث المرور لم تعد أفعالا فردية أو معزولة، وإنـّما أصبحت “صناعة” للقتل والتقتيل عبر الطرقات، وعندما تلجأ وزارة الداخلية إلى تشكيل لجنة تحقيق في أسباب تنامي “إرهاب” الطرقات، فالمهمّ في هذا القرار، ليس اللجنة، ولكن التأشير على أن الظاهرة أصبحت لا تطاق!
الحصائل والأرقام المرعبة التي تـُعلنها مصالح الشرطة والدرك والحماية المدنية، لا تستدعي فقط دقّ ناقوس الخطر، وإنـّما تتطلب أيضا، تحركا عاجلا ومدروسا، لوقف هذا “الموت”، الذي حصد ويحصد مئات الأرواح، في فترات متقاربة، وبأعداد تنافس ضحايا الحروب!
الأسباب مختلفة ومشتركة، يتحملها الكثير من الساقين، وطبيعة الطرق، وتتحمّلها نوعية بعض السيارات والمركبات، وتتحمّلها أيضا بعض مدارس السياقة التي “تبيع” الرخص، وتتحمّلها “المعريفة” التي تتدخـّل لإنقاذ وإعفاء المتورّطين في المخالفات “القاتلة” من العقاب!
لم ينفع التحسيس، ولا سحب رخص السياقة، ولا تشديد العقوبات، ولم تنفع لجان الدوائر، مثلما لم ينجح “الموت” في نقل الرعب إلى الناجين “مؤقتا” من حوادث الانتحار بالعربات الصناعية، ولهذا وجب “الانتفاضة” لوقف النزيف وإنهاء هذه المأساة التي تضرب عُمق المجتمع الجزائري!
المصيبة، أن كلّ عابر على حادث مميت، يكاد يتوقف قلبه، ويُسارع إلى إعلان توبته من الإفراط في السرعة وارتكاب حماقات قاتلة، ويلجأ راضيا مرضيا إلى قراءة الفاتحة على أرواح الضحايا، ويهزّ رأسه، ويُخاطب دواخله، وينصح نفسه الأمارة بالسّوء، لكنه بمجرّد المرور يعود إلى محاولات الانتحار بهذه السيارة الملعونة!
نعم، “الموس وصل إلى العظم”، ولذلك لا غرابة في هذه الآهات والأنين الذي نسمعه يوميا تقريبا، على أفواه معطوبين وضحايا وعائلات قتلى وجرحى هذا “الإرهاب الجديد”، الذي يستبيح دماء الجزائريين عبر الطرقات، ويقتلهم بـ “حديدهم” كسلاح دفعوا لشراء بريستيجه وخدماته الملايين!
ليس تطاولا أو تحاملا، لو قال قائل بأننا جميعا متورطون أو متواطئون في هذه “الجريمة غير المقصودة” أو “القتل الخطإ”، فالوزارات الوصيّة والمسجد والصحافة ومصالح الأمن والقضاء والمجتمع المدني والحماية المدنية، وغيرهم من الأجهزة، عليهم أن يُغيّروا “خطة المعركة” حتى إن خسرناها لن تستمرّ الهزائم بخسران الحرب!