-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

‮”‬الاستسلام‮.. ‬الثّقافي‮”‬

محمد عباس
  • 1541
  • 0
‮”‬الاستسلام‮.. ‬الثّقافي‮”‬

طبّلت‮ ‬الصحافة‮ ‬الفرنكوفونية‮ ‬في‮ ‬الآونة‮ ‬الأخيرة‮ ‬أيما‮ ‬تطبيل‮ ‬لياسين‮ ‬كاتب‮.. ‬ما‮ ‬دفعني‮ ‬إلى‮ ‬التساؤل‮: ‬لماذا‮ ‬كاتب‮ ‬بالذات؟‮ ‬ولمَ‮ ‬لا‮ ‬مولود‮ ‬فرعون‮ ‬أو‮ ‬مالك‮ ‬حداد‮ ‬مثلا؟‮!‬

  • في معرض البحث عن جواب، بدا لي أن »النخبة الفرنكوفونية« عندنا ربما تبحث عن رائد، يرفع عنها حرج »التجنّس الفكري« -حسب تعبير الشيخ الإبراهيمي- الذي يبدو أنها رضيت به اختيارا استراتيجيا لها. ويبدو كاتب في هذا الصدد مناسبا تماما للريادة المنشودة، عكس فرعون وحداد‮ ‬اللذين‮ ‬يتحليان‮ ‬بقدر‮ ‬من‮ ‬النزاهة،‮ ‬جعلهما‮ ‬يعترفان‮ ‬بوضعهما‮ »‬كفرنسيين‮ ‬بالثقافة‮«‬،‮ ‬ويرفضان‮ ‬في‮ ‬نفس‮ ‬الوقت‮ ‬إسقاط‮ ‬حالتهما‮ ‬تلك‮ ‬على‮ ‬جزائر‮ ‬الحرية‮ ‬والاستقلال‮.‬
  • ولم‮ ‬يكن‮ ‬كاتب‮ ‬على‭ ‬نفس‮ ‬القدر‮ ‬من‮ ‬النزاهة‮ -‬وربما‮ ‬على‭ ‬نفس‮ ‬القدر‮ ‬من‮ ‬الوعي‮!- ‬لا‮ ‬سيما‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬أخذته‮ ‬العزة‮ ‬بـ‮ »‬التجنس‮ ‬الفكري‮«‬،‮ ‬كما‮ ‬تؤكد‮ ‬ذلك‮ ‬مقولته‮ ‬الشهيرة‮ »‬الفرنسية‮ ‬غنيمة‮ ‬حرب‮«!‬
  • ويحق‮ ‬لنا‮ ‬أن‮ ‬نتساءل‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الصدد‮: ‬ترى‮ ‬من‮ ‬الغانم‮ ‬ومن‮ ‬المغنوم؟‮! ‬أليس‮ ‬كاتب‮ ‬هو‮ ‬الذي‮ ‬استسلم‮ ‬ثقافيا‮ ‬فأصبح‮ »‬غنيمة‮ ‬حرب‮«‬؟‮!‬
  • والمفارقة‮ ‬هنا‮ ‬أنه‮ ‬أصبح‮ »‬غنيمة‮ ‬حرب‮« ‬للطرف‮ ‬المهزوم‮ ‬في‮ ‬حرب‮ ‬الجزائر‮ ‬وهي‮ ‬فرنسا‮ ‬الاستعمارية‮!‬
  • ويجدر‮ ‬بنا‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬السياق‮ ‬أن‮ ‬نذكر‮ ‬ببعض‮ ‬الحقائق‮ ‬التي‮ ‬توضح‮ ‬ما‮ ‬نذهب‮ ‬إليه‮.‬
  • – أولا: أن المكسي بثقافة الغير لا بد أن يصبح واحدا منهم عاجلا أو آجلا.. وبعبارة أوضح: إذا اتخذ هذا الجزائري أو ذاك الفرنسية ثقافة أصبح »فرنسيا بالثقافة«، كما يعترف بذلك صراحة الشهيد مولود فرعون في يومياته.
  • – ثانيا: إن الثقافة الفرنسية الشائعة في الجزائر مشحونة بمخلفات الحقبة الاستعمارية، ورواسب الفكر الصّليبي لحركة الآباء البيض.. ولعل هذا ما يفسر بعض المنعكسات الشرطية التي نلمسها لدى بعض »المتجنسين فكريا« والتي تحمل من الحقد على العروبة والإسلام ما لا يحمله الفرنسيون‮ ‬أنفسهم‮.‬
  • على سبيل المثال، لاحظت أن كاميرا »كنال ألجيري« (القناة التي تبثت بالفرنسية) وهي تتجول في معرض الكتاب الخريف الماضي تجاهلت تماما الكتب العربية المعروضة.. ويقينا لو أن فرنسيا تجول بالكاميرا في نفس المعرض لكان أرحم بالكتاب العربي، ولكان أقرب إلى احترام ثقافة ‮»‬الغير‮«!‬
  • ‮- ‬ثالثا‮: ‬إذا‮ ‬كان‮ ‬ليس‮ ‬من‮ ‬حقنا‮ ‬أن‮ ‬نمنع‮ ‬جزائريين‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬يكونوا‮ ‬فرنسيين‮ ‬بالثقافة،‮ ‬فإنه‮ ‬من‮ ‬واجبنا‮ -‬بالمقابل‮- ‬أن‮ ‬نطالبهم‮ ‬بالإعلان‮ ‬عن‮ ‬أنفسم،‮ ‬حتى‭ ‬تكون‮ ‬عامة‮ ‬الشعب‮ ‬على‭ ‬بينة‮ ‬من‮ ‬أمرهم‮.‬
  • – رابعا: أن »رائد الاستسلام الثقافي« -لعدو الأمس- ياسين كاتب كان تعرض في مطع الخمسينيات من القرن الماضي لهزة نفسية. وقد روى لنا ملابسات ذلك الفقيد محمد ديب سنة 2000 بمنزله في »لَسالْ سانْ-كْلو« (شمال باريس) (**)، قال لنا الكاتب الكبير في هذا الشأن، إنه ورفيقه كاتب تعرضا يومئذ في صحيفة »ألجي روبوبليكان« إلى ضغوط شديدة من زملائهم الشيوعيين، نتيجة الخلاف في وجهات النظر حول ربط هؤلاء استقلال الجزائر بوصول الحزب الشيوعي إلى الحكم بفرنسا، واعتراضه وكاتب على ذلك برفض هذا الربط، واعتقادهما بإمكانية تحقيق الاستقلال قبل استلام »البروليتاريا« مقاليد الأمور بباريس! وقد أدت تلك الضغوط إلى إصابة كاتب بنوبة عصبية، جعلت بعض رفاقه -ومنهم ديب- يسارعون بإبعاده إلى فرنسا للعلاج والاستحمام، هروبا في نفس الوقت من ذلك الإرهاب النفسي الخانق.. ويؤكد شهادة صاحب »الدار الكبيرة«، كل من‮ ‬اقترب‮ ‬من‮ ‬كاتب‮ ‬في‮ ‬تونس‮ ‬خلال‮ ‬الثورة‮ ‬التحريرية‮.‬
  • ‮- ‬خامسا‮: ‬إن‮ ‬محاولة‮ ‬صاحب‮ »‬نجمة‮« ‬التستر‮ ‬ببرنوس‮ »‬البربرتية‮« ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬محاولة‮ ‬التمويه‮ ‬على‭ ‬‮»‬الاستسلام‮ ‬الثقافي‮« -‬أو‮ »‬التجنس‮ ‬الفكري‮«- ‬تماما‮ ‬مثل‮ ‬التستر‮ ‬بالعلمانية‮ ‬والشيوعية‮.‬
  • ويزعم‮ ‬كاتب‮ ‬لتبرير‮ ‬هذا‮ »‬الاستسلام‮ ‬الثقافي‮« ‬بأنه‮ ‬هضم‮ ‬الثقافة‮ ‬الفرنسية‮ ‬ونمط‮ ‬الحياة‮ ‬الفرنسي،‮ ‬إلى‭ ‬درجة‮ ‬أن‮ ‬أصبح‮ ‬بإمكانه‮ ‬أن‮ ‬يلقف‮ ‬ذلك‮ ‬الفرنسيين‮ ‬أنفسهم‮!‬
  • وأخشى ما نخشاه أن يؤدي هذا »الاستسلام الثقافي« إلى تبلور »قوة ثالثة« -من نوع جديد- تكون حليفا طبيعيا -وموضوعيا- للاستعمار الجديد. ذلك أن خطر هذه »القوة الثالثة« سيكون مضاعفا، إذا ما دعمت صفوفها »بالطابور الخامس الاقتصادي«. هذا الطابور الذي قال عنه برنامج طرابلس‮ ‬ما‮ ‬يلي‮: »‬إن‮ ‬فرنسا‮ ‬تحاول‮ ‬أن‮ ‬تكسب‮ ‬بواسطة‮ ‬الملايير‮ (‬الجزائرية‮ ‬لسوء‭ ‬الحظ‮!) ‬فئة‮ ‬يحدوها‮ ‬الجشع‮ ‬والطموح‮ ‬الشخصي،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬ترتب‮ ‬على‭ ‬المنافع‮ ‬القذرة‮ ‬والثروات‮ ‬المتولدة‮ ‬عن‮ ‬الحرب‮ ‬الاستعمارية‮«..‬
  •  
  • ‮(‬‭*‬‮) ‬كان‮ ‬هذا‮ ‬اللقاء‭ ‬بحضور‮ ‬الفقيد‮ ‬محمد‮ ‬ڤنانش‮ ‬وزوجة‮ ‬الكاتب،‮ ‬وصديقنا‮ ‬أحمد‮ ‬يحياوي‮ ‬من‮ ‬بقايا‮ »‬حزب‮ ‬الشعب‮ ‬الجزائري‮« ‬بباريس‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!