-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

‮”‬جزائر‮”.. “‬المطورنين‮”‬

محمد عباس
  • 4689
  • 4
‮”‬جزائر‮”.. “‬المطورنين‮”‬

“المطورني” مصطلح شعبي كان يطلق إبان الاحتلال الفرنسي على الجزائري الذي ارتد عن دينه وانسلخ عن قومه، وأصبح مواطنا من الدرجة الأولى في نظام الاحتلال الخاص بمجتمع المستوطنين الفرنسيين، نظام من هؤلاء وإليهم.

  • ومصدر المصطلح الشعبي فعل “روتورني” من الفرنسية، أي الذي تم تحويله من الجزائريين عن ثقافته ودينه إلى دين المحتل وثقافته. ويلي “المطورني” “المتوريزي”.. وهو مصطلح شعبي كذلك، مصدره من الصفة الفرنسية “نتوراليزي”.. أي اتخذ الفرنسية جنسية، وتخلى عن قانون الأحوال الشخصية‮ ‬الإسلامية‮. ‬وقد‮ ‬أفتى‮ ‬الإمام‮ ‬عبد‮ ‬الحميد‮ ‬بن‮ ‬باديس‮ ‬بردته‮ ‬عشية‮ ‬الحرب‮ ‬العالمية‮ ‬الثانية‮ ‬كما‮ ‬هو‮ ‬معروف‮.‬
  • المشكل اليوم أن فئة من هؤلاء تعود إلينا -من فرنسا- بين الفينة والأخرى حاملة شعار “الجزائر الجزائرية”، هذا الشعار الذي أبلاه الزمن النضالي الوطني، لم يعد صالحا ولا كافيا لستر عورات أصحابه وعمالتهم الثقافية.. فهذا الشعار -للتذكير- كان وما يزال مجرد غطاء “للجزائر‮ ‬الفرنسية‮”‬،‮ ‬شعار‮ ‬المستوطنين‮ ‬بالأمس‮ ‬وبقاياهم‮ ‬اليوم‮..‬
  • كان الفقيد فرحات عباس -الذي تمر علينا هذه الأيام ذكرى ربع قرن عن رحيله- كان فرنسيا بالثقافة، ومع ذلك ظل متمسكا بقانون الأحوال الشخصية الإسلامية، فما كان من “المطورنين” ولا من “المتورزين”، غير أنه ظل حتى عشية التحاقه بجبهة التحرير الوطني غامضا، في تصوره لهوية جزائر الحرية والاستقلال.. فهو الذي سبق بطرح شعار “الجزائر الجزائرية” في تصريح له بجيجل يوم 8 مايو 1955، حين قال يخاطب إدارة الاحتلاك “ما دمتم تعلنون أن “الجزائر فرنسية” لا يمكننا إلا أن نرد عليكم بأن “الجزائر عربية”. فإذا غيرت الحكومة الفرنسية موقفها، سنكف‮ ‬نحن‮ ‬أيضا‮ ‬عن‮ ‬القول‮ “‬بأن‮ ‬الجزائر‮ ‬عربية‮”. ‬وعندئذ‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬نشرع‮ ‬معا‮ ‬في‮ ‬التعبير‮ ‬عن‮ ‬نفس‮ ‬الحقيقة،‮ ‬ألا‮ ‬وهي‮ “‬الجزائر‮ ‬الجزائرية‮”!‬
  • ترى‮ ‬ما‮ ‬هي‮ ‬حقيقة‮ ‬هذه‮ ‬الجزائر‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬هي‮ ‬عربية‮ ‬ولا‮ ‬هي‮ ‬فرنسية؟‮!‬
  • كان الجنرال دوغول وهو يطرح شعار “الجزائر الجزائرية” في بداية مارس 1960 أكثر وضوحا من عباس.. وقد شرح ذلك شرحا وافيا، في مذكرة سرية بتاريخ 5 ديسمبر 1960 إلى مندوب الحكومة الجديد بالجزائر “جان موران”.. فهذا الشعار يعني في تصور الرئيس الفرنسي نوعا من الشراكة بين “الكولون” و”المتطورين” -أي الجزائريين الفرنسيين بالثقافة- تحصل الجزائر في إطارها بقدر من الحكم الذاتي التدريجي، لكن في ظل استمرار السيادة الفرنسية. ومن مضامين هذه الشراكة تشكيل هيئة تنفيذية مؤقتة، في اجتماع عام للمنتخبين من الطائفتين يرأسه الجنرال دوغول‮ ‬شخصيا‮..‬
  • طبعا‮ ‬لم‮ ‬تتوان‮ ‬الحكومة‮ ‬المؤقتة‮ ‬في‮ ‬رفض‮ “‬الجزائر‮ ‬الجزائرية‮”‬،‮ ‬مثلما‮ ‬رفضت‮ ‬دائما‮ “‬القوة‮ ‬الثالثة‮” ‬التي‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تتبنى‮ ‬هذا‮ ‬الطريق‮.. ‬رفضت‮ ‬ذلك‮ ‬شكلا‮ ‬ومضمونا‮:‬
  • ‮- ‬من‮ ‬حيث‮ ‬الشكل‮ ‬كان‮ ‬الشعار‮ ‬محل‮ ‬سخرية‮ ‬ممثلي‮ ‬الحكومة‮ ‬المؤقتة‮ -‬على‭ ‬غرار‮ ‬أحمد‮ ‬بومنجل‮- ‬الذي‮ ‬اعتبروه‮ ‬ضربا‮ ‬من‮ ‬الأطناب‮ ‬الركيك،‮ ‬كأن‮ ‬نقول‮ “‬فرنسا‮ ‬الفرنسية‮” ‬أو‮ “‬مرسيليا‮ ‬المرسيلية‮”! ‬
  • ‮- ‬من‮ ‬حيث‮ ‬المضمون،‮ ‬رفضت‮ ‬الحكومة‮ ‬المؤقتة‮ ‬تدخل‮ ‬فرنسا‮ ‬فيما‮ ‬لا‮ ‬يعنيها،‮ ‬عبر‮ ‬مناورة‮ ‬محاولة‮ ‬تنظيم‮ ‬السلطات‮ ‬في‮ ‬جزائر‮ ‬كانت‮ ‬على‮ ‬عتبة‮ ‬الاستقلال‮!‬
  • وجاءت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 لتعزز آخر مسمار في نعش “الجزائر الجزائرية”، عندما رفض المتظاهرون هذا الشعار. وهتفوا بدله ملء حناجرهم “تحيا الجزائر العربية المسلمة”.. باعتبار ذلك مضمونا حقيقيا، لما يطرح إليه الشعب الجزائري من حرية واستقلال..
  • لم‮ ‬تكن‮ ‬الجزائر‮ ‬العربية‮ ‬المسلمة‮ ‬آنذاك‮ ‬بدعة،‮ ‬لأن‮ ‬الحركة‮ ‬الوطنية‮ ‬كانت‮ ‬تعرّف‮ ‬الجزائري‮ ‬بأنه‮ “‬العربي‮ ‬المسلم‮” ‬ثقافة‮ ‬لا‮ ‬عرقا‮.. ‬وحتى‮ ‬الاستعمار‮ ‬نفسه‮ ‬كان‮ ‬يعتبر‮ ‬الجزائريين‮ ‬عربا‮ ‬مسلمين‮..‬
  • وكان الكاتب الشهيد مولود فرعون وهو يدير مدرسة الأربعاء ناث إيراثن يتحدث في يومياته عن “القبائل”، لكن عندما انتقل إلى المدنية بالعاصمة سنة 1958 أصبح يتحدث عن “العرب”.. ويقول المناضل بالعيد عبد السلام، في شهادة نشرت أخيرا في كتاب حول “الاتحاد العام للطلبة المسلمين‮ ‬الجزائريين‮”‬،‮ “‬إن‮ ‬البربر‮ ‬ساهموا‮ ‬في‮ ‬إبداع‮ ‬وتفتح‮ ‬الثقافة‮ ‬العربية‮ ‬الإسلامية‮”.‬
  • ويتحدث عن حاله فيقول: “أنا قبائلي لكنني ضد البربرتية، لأن لغة الثقافة لدى القبائل كانت دائما اللغة العربية” فأي مضمون يمكن أن يتحلى به شعار “الجزائر الجزائرية” الذي يرفع من جديد هذه الأيام، غير مضمون “الجزائر الفرنسية”؟! وأي مضمون يمكن أن يبقى للبربرتية غير‮ ‬كونها‮ ‬مجرد‮ ‬ستار‮ ‬مثقوب‮ ‬للفرنكوفونية؟‮!‬

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • خالد

    فرحات عباس لم يكن إلا إدماجيا من هؤلاء الذين قال فيهم المرحوم عبد الحميد ابن باديس في قصيدته المشهورة التي يتحدث فيها عن شعب الجزائر حين ذكر الادماجيون أمثال هذا الفرحات عباس : أو رام ادماجا له رام المحال من الطلب.

  • فرحات

    مقال جيد واهم ميزة فيه هو التنبيه والتنويه الى هده الفئات التى تتنطع بالوطنية وماهي الا الاصل سوى امتداد للمستعمر وثقافته وتداعيات هده الثقافة التى صرنا نلمسها حتى في الاجيال الصاعدة نطقا وحتى التشيه بالاجانب ناهيك عن خرق كل المحظورات والقيم السليمة الاسلامية مع المسهلات التكنولوجية المتوفرة حاليا كالنت والهاتف النقال ويرجع طبعا
    للاهالي المطورنين. وشكرا استادنا على المقالة

  • pays en recul continu

    que des sujets rabaches depuis des siecles sans utilite,interessez vous aux vrais problemes de la societe et au devenir de ce pays noye dans toutes sortes de crises

  • Abdellah

    قلت حقا يا سيادة الدكتور شكرا