”مئة متر” جرداء في ”مليوني كيلومتر مربع” خصبة؟
لننسى لبعض الوقت وليس لكله هذه الثورات المندلعة لدى جيراننا، ولننسى معها ثوراتنا الداخلية التي حوّلت الحياة العامة كلها إلى احتجاجات ونعود إلى الحقنة المخدّرة التي صنعت على الدوام ابتساماتنا وأيضا حسراتنا وهي كرة القدم، حيث ستشهد الجزائر نهاية الشهر الحالي مباراة أشبه بالأفيون الذي سينسينا مشاكلنا ولو لتسعين دقيقة رغم أن مسرح التسعين دقيقة هو صورة أخرى من مآسينا.
- تصوروا أن الجزائر التي هي أحد أكبر البلدان العشرة في العالم مساحة، وأحد أغنى بلدان المعمورة من حيث الثروات الباطنية وأهمها الغاز والبترول، والأكثر تهاطلا للأمطار واختزانا للمياه الباطنية لا تمتلك شبر ملعب معشوشب طبيعيا بمقاييس عالمية .. تصوروا أن الجزائر التي يقال إنه لا يوجد شعب في العالم يعشق الكرة مثل الجزائريين الذين يشدّون لأجلها الرحال في مشارق الأرض ومغاربها والتي سبق لها وأن شاركت في كأس العالم في ثلاث مناسبات لم تنجح عبر تاريخها الحديث في إنجاز أرضية لا تزيد عن المئة متر من العشب الطبيعي، وهي التي لعبت منتخباتها الكروية في كل بلاد المعمورة في جفاف مالي والتشاد وصقيع بريطانيا والدول الأسكندنافية على بساط من العشب الطبيعي، بينما مازلنا عاجزين عن فك طلاسم أرضية من العشب الطبيعي في بلد أينما تولي وجهك فيه، فثمة حقول ومروج بديعة الاخضرار لم يمسسها إنس.. خيبتنا في عالم الكرة التي نعشقها جميعا وننسى بها همومنا وتُسكرنا الدولة من كأسها حتى الثمالة هي مقياس لخيبات أخرى في عوالم رياضية واقتصادية وثقافية لا أحد يلتفت إليها .. فإذا كان حال ملعب الخامس من جويلية الذي يعرفه كل الجزائريين وتابع كل الجزائريين ما صرفت الدولة لأجله من أموال دخلت جيوب الهولنديين والبرازيليين والجزائريين أيضا بهذه الصورة القاحلة، فكيف يكون حال المخابر الجامعية والمخازن الصناعية بل دعونا نقول بألم الحقول البترولية حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت أحوالها على بال أحد أبدا..
- عجزُنا عن تحقيق إنجازات عادية في مجال نحبه جميعا، وعجزت السلطة عن محاسبة الذين صرفوا الملايين من العملة الصعبة على أرضيات تحولت إلى أدغال من الكلأ الذي يصلح لرعي الماشية هو صورة عامة لبلد لا أحد يضمن أن الأموال التي ضخها لأجل إسكان المواطنين وتشغليهم ستلقى مصيرا مختلفا عن مصير الأموال الذي ابتلعها العشب الطبيعي بصورة غير طبيعية، وإذا كنا نتفق جميعا على أن المحترفين الذين وُلدوا في فرنسا ويلعبون حاليا في أوربا بعد أن تعلموا الكرة في الميادين الأوربية الراقية هم أبناء الجزائر ومن حقهم أن يدافعوا عن العلم الجزائري، فإننا بالتأكيد لن نتمكن في المستقبل القريب أمام هذا الإهمال من تكوين لاعب كرة واحد بالمقاييس العالمية مادامت الأراضي المعشوشبة طبيعيا غائبة .. ولأن الكرة ليست إلا جزءا مجهريا من الحياة فإن الذي يعجز عن تكوين لاعب كرة بالتأكيد سيعجز عن تكوين مهندس وطبيب واقتصادي وسياسي يُخرجنا من النفق الذي دخلناه وعجزنا عن الخروج منه .
-