-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد قرار السلطات الانتقالية الانسحاب من اتفاق السلم

3 رسائل في موقف الجزائر من الوضع في مالي

الطاهر فتاني
  • 2407
  • 0
3 رسائل في موقف الجزائر من الوضع في مالي

عبرت الجزائر، في بيان لوزارة الشؤون الخارجية، عن أسفها لقرار الحكومة الانتقالية المالية الانسحاب من اتفاقية السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، موجهة في نفس الوقت عدة رسائل للشعب المالي أولا وللأطراف الأجنبية التي ساهمت بطريقة مباشرة في تدهور الوضع ليس فقط في مالي، بل في منطقة الساحل.

يمكن اختصار رسائل الجزائر في ثلاث نقاط مهمة، بداية بعدم استغرابها من قرار انسحاب السلطات في مالي من اتفاق 2015، وثانيا الحديث عن تمويل دول أجنبية لبرنامج التسليح الذي اعتمدته السلطات العسكرية في مالي، وثالثا الاستعانة بالمرتزقة الأجانب في مالي.

والانسحاب من اتفاق الجزائر لا يمكن وصفه سوى بأنه مغامرة خطيرة العواقب، بسبب عدم استخلاص الحكومة الانتقالية للدروس من التجارب الدامية السابقة، والتي انتهت كلها بفضل العودة الى مسار المفاوضات بعد فشل الحلول العسكرية التي اتخذتها الحكومات المالية المتعاقبة منذ عقود من الزمن، لأن مالي لم يعرف في تاريخه مراحل استقرار طويلة المدى بسبب الانقلابات والحروب الأهلية.

ويجب على الحكومة في مالي البحث في أرشيف الاتفاقيات لتجد أن الجزائر كانت دائما ترعى مصلحة الشعب المالي، كما كان عليه الحال في الحرب بين الحركات في شمال مالي والجيش المالي سنة 2012 والتي انتهت بفضل اتفاق الجزائر سنة 2015، كما كانت الجزائر الدولة الحاضنة لمفاوضات سابقة أثمرت الإمضاء على اتفاقية تمنراست 1991، والميثاق الوطني عام 1992، بالإضافة إلى اتفاقية الجزائر عام 2006، وهذا ما يعني أن وضع اليوم شبيه بوضع الأمس وهو نفس السيناريو الذي دام لعدة سنوات وكلما اتخذت السلطات في مالي قرارا بإلغاء اتفاقيات الجزائر إلا وجاءت حكومة أخرى لتطلب وساطة الجزائر والتوقيع من جديد على اتفاقية أخرى تزرع أمل السلم والأمن بين الحكومة والحركات المعنية.

وعلى الرغم من هذه التجارب السابقة، فإن الجيش المالي يسعى إلى فرض سياسة الأمر الواقع، من خلال اقتراح إجراء مفاوضات داخلية لشرعنة الحرب ضد الحركات “المعارضة”، خاصة وأنه يحظى بدعم عسكري نوعي من دولة أجنبية تمده بالسلاح والمرتزقة، وهذا ما من شأنه أن يفتح باب العودة إلى ويلات الحروب الأهلية التي أودت بأرواح الآلاف من أبناء الشعب المالي الشقيق عبر فترات مختلفة، والعودة إلى وضع غير مستقر سيدخل منطقة الساحل في أزمة أكثر تعقيدا، واتساع الصراع في مالي إلى دول النيجر وبوركينا فاسو في حالة تشكيل تحالفات بين الحركات المتواجدة في الساحل.

والعودة إلى الحرب ليست في صالح الشعب المالي والمنطقة ككل، لأن الأوضاع الأمنية حاليا أكثر تعقيدا وتأزما مما كانت عليه في التسعينات، خاصة مع الانتشار الواسع للحركات الارهابية التي توسعت، حسب تقرير صدر في جويلية 2023، بضعف المساحة في مالي مقارنة بسنة 2022، كما أن الانتشار الواسع للأسلحة الثقيلة في الساحل عامل جديد يضاف إلى معادلة معقدة تاريخيا في الخارطة السياسية والأمنية التي يشهدها مالي منذ الاستقلال.

وفتح تشبث السلطات العسكرية بالحكم في مالي الباب لعدة دول جعلت منها حلبة صراع وهي دول تساهم في تأجيج الوضع بتمويل عمليات شراء السلاح وإرسال مرتزقة لتغذية الحرب الأهلية، كون الجيش المالي لا يملك الإمكانات العسكرية واللوجستية وحتى المالية من أجل تحقيق هدف البقاء في السلطة بدون اللجوء إلى قوى أجنبية.

وينعكس خطر تدهور الأوضاع الأمنية في شمال مالي مباشرة على الأمن القومي الجزائري، وهذا ما يتطلب من الجزائر التحرك في كل الاتجاهات خاصة مع “الدول الصديقة” المؤثرة على قرار السلطات في باماكو، من أجل العمل على تفادي سيناريو العودة إلى الحرب الأهلية، كما بإمكان الجزائر مواصلة العمل واستعمال الآليات المتاحة على غرار مؤسسات الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، وحتى مجلس الأمن الأممي بصفته الراعي لاتفاقيات الجزائر والوساطة الدولية، خاصة وأن الأمين العام للأمم المتحدة جدد دعمه مؤخرا لاتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!