الرأي

51% في السياسة.. تكفي!

محمد سليم قلالة
  • 722
  • 7

ما دمنا نُفكِّر بطريقة الإجماع في السياسة، لن نتمكن من بناء ديمقراطية حقيقية. ليس فقط لأن الإجماع لا يمكن أن يَحدُث في المسائل السياسية، بل لأنه غير ممكن أصلا وهو تحايلٌ واضح على الممارسة السياسية السليمة. لأن السياسة في جوهرها إنجازٌ ورقابة، وبقدر ما كانت الرقابة قوية بقدر ما كان الإنجاز متينا، وإلا كان كل شيء شكليا ومُصطنَعا.
في كل تجارب العالم الناجحة اليوم، دائما يحصل المكلف بالإنجاز في حدود النصف أو الزيادة بقليل من أصوات الناخبين، ويتوزع الباقي على المكلفين بالرقابة الحقيقية أي المعارضة. فلا يكون لدى الحاكم أيُّ مجال للاستبداد، أو لتبديد المال العام أو العمل على هواه.. أما في التجارب الفاشلة فغالبا ما يَدَّعي الحاكم فيها أنه حصل على إجماع الشعب، وفاقت نسبة الراضين عن سياسته التسعين في المائة وأحيانا قاربت المائة في المائة.. مما يُلغي كل أمل في بقاء مَن يراقبه أو يحاسبه، إلا نفسه طبعا، أو الهيئات الشكلية “المعارِضة” التي يُنشئها برضاه وعلى عينه، مِمَّا يمكِّنه من فعل ما يشاء وادِّعاء ما يريد…
لذلك، نحن اليوم أمام خيار صعب بشأن المستقبل: إما أن نستمر في إيهام أنفسنا بالحل عن طريق الإجماع المزعوم، أو نُباشر بشجاعة تجربة تعددية حقيقية عن طريق الاحتكام إلى قاعدة أغلبية غير مُزيّفة تتولى مهام الإنجاز ومعارضة فعلية تتولى مهام الرقابة والنقد إلى حين الاحتكام مرة أخرى للشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة.
والخيار الثاني بلا شك هو الأصعب، ولكنه هو الأصح، وعلينا التحلي بالشجاعة الكاملة للأخذ به إذا ما كُنَّا بالفعل نريد أن نجعل من السياسة مرادفا لبذل مزيد من الجهد والعطاء لأجل تحقيق الرفاه للآخرين، وليس كما يراها اليوم كثيرٌ من أشباه السياسيين مرادفة لتحقيق المكاسب والامتيازات ومزيدا من المتاعب للآخرين.
في تركيا، فاز الرئيس طيب رجب أردوغان بـ52.59% وتحصل معارضه الأساسي محرم إنجه على 30.64%، وفي ماليزيا تحصل تحالف المعارضة بقيادة مهاتير محمد على 51% فقط من مقاعد البرلمان ليعود إلى الحكم، وفي تشيكيا لم تزد النتيجة على 51.4 بالمائة وفي الدور الثاني، وفاز الرئيس الفنلندي بـ62.7% والقبرصي بـ56% وفي الدور الثاني. ولم يفز أي حزب بالأغلبية المطلقة في كوستاريكا، وفي سيراليون فاز الرئيس بـ52.6 بالمائة وفي الدور الثاني أيضا… وهكذا في سنة 2018 كل العالم بدأ يتوجه نحو النسبية إلا أقلية منه مازالت تؤمن بديمقراطية الإجماع، على الطريقة المصرية التي يفوز فيها المترشح “الحر” بـ97.1% من الأصوات، وما كان ليرضى دونها نتيجة لتحقيق الرفاهية والاستقرار لشعبه زعمًا.
هكذا هي الخيارات وعلينا أن نكون: إما من فصيلة الـ51% تكفي لعلنا نُعيد الأمل للناس، أو من فصلية الـ90 بالمائة فما أكثر.. التي بلا شك تجعل الحاكم محبوب الجماهير وملهمهم الذي لا يُشق له غبار ولكن، نفاقا وكذبا وتزلفا حتى لا نقول أكثر.

مقالات ذات صلة