-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

6 يوليو.. أليس فيكم رجلٌ رشيدٌ؟

6 يوليو.. أليس فيكم رجلٌ رشيدٌ؟
ح.م

تفاعلاً مع دعوات الجيش والرئاسة للحوار الوطني، من المرتقب التئام شمل الأحزاب والجمعيات الجزائرية السبت القادم في اجتماع جديد، لتدارس الوضع القائم وبحث مخارج الأزمة السياسيّة والمؤسساتيّة، وهو ما نأمل أن يشكّل فرصة للتقدّم بالنقاش العام في اتجاه التقارب مع السلطة الفعليّة، من خلال بلورة ورقة تفاوضيّة، بدل السكون ضمن رؤية مطلبيّة، لا تتناغم مع طبيعة الفعل السياسي المرن.

إن اللقاء المنتظر لتكتل المعارضة والمجتمع المدني ينعقد في سياق حاسم بالنسبة لمصير الحَراك نفسه، بالنظر إلى التوقيت وحالة الانسداد وبروز مؤشرات غير مطمئنة حول الانقسام السياسي والمجتمعي، بفعل التباين الموضوعي (والمصطنع أحيانا) في وجهات النظر، بشأن الحلول الممكنة للأزمة، فضلاً عن تلهية الحَراك بمعارك هامشيّة تحت عناوين الهويّة والجهويّة والتاريخ والثورة، ما يعني أنّ مرور الوقت سيكرّس التآكل، برغم تفاؤل البعض بكون الشعب في القواعد، غير الافتراضيّة والنخبويّة، لا يزال على قلب رجل واحد، متشبثًا بمطالب التغيير الفعليّة، لكنّ التجارب الإقليميّة القريبة منّا مكانًا وزمانًا تفنّد الاطمئنان الزائد على مستقبل الثورة الشعبيّة.

لذلك، فإنّ المسؤولية كبيرة على عاتق “قوى التغيير” في اقتناص هذه اللحظة التاريخيّة، باعتبارها قاطرة الحَراك الأدبيّة والسياسيّة، حتى وإن تملّصت من القيادة التنظيميّة، لأنّ الآمال معلّقة على وعيها وذكائها في تضييق الخناق على مناورات السلطة، عبر طرح مقاربة عقلانيّة بديلة تتلاءم مع معطيات الواقع، تُزاوج بين الشكل الدستوري والإجراء السياسي، بما يجسّد في النهاية الإرادة الجماعية نحو التغيير الحقيقي، عن طريق العملية الانتخابية النزيهة، لأنّ ذلك هو بيت القصيد في المعركة النضاليّة القائمة.

نظنّ أنّ استهلاك أربعة شهور من عمر الحراك يفرض تحيين مقاربة “فعاليات التغيير” للحلّ، للانتقال من المنطق المطلبي صوب نزعة أكثر براغماتيّة تنسجم مع حقائق ميزان القوى السياسي، بين المنشود والممكن، دون تصلّب قد يضيّع كل شيء.

بمعنى أوضح، لقد حان الوقت لتُشهر المعارضة أوراقا جديدة للتفاوض التوافقي، لتثمين المكاسب المنجَزة وإحراج السلطة في اختبار النيّات، وأهمّها طرح مسألة بقاء رئيس الدولة المؤقت على طاولة الحوار من دون شروط مسبقة بالرحيل، مقابل انتزاع ضمانات عمليّة ناجعة لإنجاز الاستحقاق الرئاسيّ، تنطلق من إسقاط الحكومة وتعويضها توافقيّا، مع ضبط “السلطة الوطنية للانتخابات” بتركيبتها البشريّة وصلاحياتها القانونيّة، بما يعزل الإدارة العامّة نهائيا عن التدخل في مجريات الاقتراع بكل أطواره إلا على سبيل الإسناد اللوجيستي.

قد يرى البعض أنّ مثل هذا الرأي فيه تبسيط كبير لمعادلة الصراع مع السلطة، وأنّ الأوْلى بالفعاليات السياسية والمجتمعيّة التخندق خلف مطالب الحراك بلا تفريط، لتكون بصدق معبِّرةً عن تطلعات الشعب، ولا شكّ أنّنا نشدّ على قولهم فيما يتّصل بالدفاع عن طموحات الحَراك، لكن وجب التأكيد أيضا أن لعبة السياسة تحكمها قواعد واقعيّة، لا مجال فيها للعنتريات والأماني الطيبة، بل تخضع إدارتها لمبدأ رشيد مفاده “ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه”، لأنّ الألوان عند ذوي الأبصار ليست فقط أبيض وأسود، بل بينهما طيفٌ واسع يسمح بتنميق أجمل الألواح الفنيّة، فلا يُعقل التعطّل في موضع ساكن قد تتجاوزه الأحداث سريعًا في قادم الأيام.

وحتّى نكون على بينّة من أمرنا، على الرافضين اليوم لكلّ المبادرات التوفيقيّة أن يقدِّموا للشعب خطة عمل مفصّلة، بشأن تسيير المرحلة القادمة، لنعلم بدائلهم المتاحة في الحفاظ على مستقبل الحَراك، قبل أن تلوح نُذر التلاشي البطيء في الآفاق، فنحن لا نتخيل أبدا أن تذهب تضحيات الشعب المبهرة سُدًى في أدراج رياح الغلوّ، وإذا كنّا نأبى تسليم رقابنا لمنْ “يتعلّم الحلاقة في رؤوس اليتامى”، فكيف إن تعلّق الموقف بمصير مشترك للجزائريين؟

سيقول آخرون إنكم تطلبون التعقّل من فعاليات الحَراك، غافلين عن مسؤولية السلطة الفعلية بالمبادرة، كلاّ، فنحن نريد حشرها في الزاوية الضيّقة، لتنكشف التوجهات الحقيقيّة، ثمّ تتضّح أمام الشعب الخيارات الباقية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • أ.د/ غضبان مبروك

    أثبتت المعارضة بأنها لا تتمتع بالحكمة والرؤية السديدة وليس فيها رجل رشيد يستطيع أن يدلي برأيه ويقنع الآخرين. انها معارضة لنفسها مع السف ولم ترقى الى معارضة للنظام. هذه المعارضة العوجاء والعرجاء تحكمها مصالح ضيقة لاتستطيع التعامل مع المصلحة العليا للوطن. على الحراك الشعبي أن يتواصل حتى تتغير مواقف السلطة وحتى تقدم تنتزلات يتولى الشارع الحكم عليها ولتبقى ما يسمى بالمعارضة تراوح مكانها. الحل هو مرحلة انتقالية بفرد أوهيئة تتلولى تسيير شؤون البلاد لحين تعديل قانون اللجنة الوطنية العليا للانتخابات والتحضير لهذه الأخيرة. ألم تلجأ الجزائر الى هذا الحل في 1992 لماذا لا تعود اليه وليس بالضرورة ب

  • الجزائري

    السلام عليكم ،إلى الأخ محمد صاحب التعليق الثاني ،المتمكن زعما "من لغة سيبويه " - وإن كان لسيبويه إلا لغة واحدة و هي اللغة العربية و لانعلم أن له لغة أخراةٌ ،فهل لك أخي العزيز المتقن للغة "الكتاب" أن " تجي و تجيب لينا حكاية من ذهب بدلا من الحكاية الخشبية لصاحب المقال " وحبذا أن ترصّع حكايتك بجميل المبنى ،وتنمقها بكبير مَخبَأتِكَ وتعززها ببليغ المعنى ،مزجلا لنا في حكايتك كثير البديل و عميم الحل ،المفصحة عن دهاء و حكمة وفهم لما جرى و يجري واستشراف لما سيجري .نحن ننتظر بحول الله تعالى ،سلام .

  • المحلل السياسي

    الحل بسيط
    انتخبوا رجل اجماع (توافق) لعهدة كاملة يؤسس لدولة ديمقراطية ثم ينسحب-----(لا وجود لمرحلة انتقالية)

  • Mohamed

    من فضل الله عليّ أنّه أكرمني بإتقان لغة "سبويه" و التمكّن من أدابها، لكن أُفضّل أن أرد على مقالك الخشبي باللهجة العامية: "إدّي حكايتك و روح"...

  • علي

    فهل من مدكر