العلب السوداء.. تكلموا!
لماذا يا تـُرى فرّطت وتفرّط الحكومات المتعاقبة في وزرائها السابقين، وفي الخبراء والاقتصاديين والمختصين الذين بإمكانهم إفادتها بشهادة أو اعتراف أو تجربة أو خبرة، تساعد على اختراع منفذ نجدة، واقتراح حلّ بديل لأزمة تـُقلق الرسميين والمسؤولين قبل الباقي المتبقي من المواطنين؟
أليس من المفيد أن تدعو أو حتى تستدعي الحكومة وزراء من عيار بلعيد عبد السلام ورضا مالك ومقداد سيفي واحمد بن بيتور ومصطفى بن عمر ومراد بن أشنهو وحميد تمار ومصطفى بن بادة وسيد احمد غزالي، وغيرهم لا يعدّ ولا يُحصى، فتستمع لهم، ويستمعون لها، وفي النهاية يخرجون بحلول اختيارية أو اضطرارية بقدرتها التصدّي لأزمة البترول أو التخفيف من آثارها؟
أقول، خبراء واقتصاديين ومختصين، ولم ولن أقول سياسيين وقادة أحزاب، لأن السياسي مهما كانت كفاءته وجدارته، ستتغلب عليه في أغلب الظن، نزعته السياسية، فيحاول ويناقش ويقدم المقترحات، حسب السياسة التي تسكن رأسه، وحسب ما يراه مفيدا لهذه السياسة أكثر من الاقتصاد، حتى وإن كان بعض الاقتصاديين لبسوا برنوس السياسيين!
أعتقد أن خيطا رفيعا بسُمك الشعرة، هو الذي يفصل بين السياسة والاقتصاد، وكلاهما وجهان لعملة واحدة في أغلب الدول، لكن مصيبتنا، وقد تكون مصيبة كلّ دول “العالم الثالث” التي تأكل من “قرن الشكارة”، إذا تدخلت السياسة في الاقتصاد، فسد هذا الأخير وانحرف عن مساره!
دعوة السابقين للجلوس مع اللاحقين، فيه لغة الكبار، والرجال المحترمين، وفيه رسالة، وفيه أيضا حلول، لكن مصيبة أغلب اللاحقين أنهم يعتقدون أن فوق رؤوسهم ريشة الطاووس، فينسون ويتناسون السابقين، حتى وإن كان مفتاح “الإنقاذ” في جيوبهم وقد بلغوا من العمر عتيا!
على السابقين أن يتخلـّصوا من “عقدة” الأنا والعظمة والنرجسية، مثلما على اللاحقين من الوزراء أن يستغنوا عن عقلية “ما نحتاج حتى واحد”، والاستشارة لن تتحوّل أبدا إلى عيب وعار في جبين أيّ مستشير، فما خاب من استشار وما ندم من استخار!
الأكيد، أن جلوس نخبة السابقين مع اللاحقين الحاليين، فيه خير كثير للبلاد والعباد، شريطة أن تتوفر شروط تبتعد عن سماع كلّ متكلم لصوته فقط، وأن تكون الإفادة والاستفادة ومن ثمة التحاور وتبادل الآراء، وأن لا ينتظر لا هؤلاء ولا أولئك لا جزاء ولا شكورا!
تملك الجزائر من “العلب السوداء” و”شهود العصر”، ما يكفي حكومة 2050 أن تتجنب الأخطاء والكمائن والأزمات، ويتفادى بذلك الجزائريون دفع الفواتير التي لم تكن لا على بال ولا على خاطر!