-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جمعية العلماء… وروح الوطن

عبد الرزاق قسوم
  • 1993
  • 14
جمعية العلماء… وروح الوطن

عندما تعرج إلى السّماء، إلى عالم الطهر والصفاء، روح زكيّة طاهرة، هي روح عالم ما، يحدث بذلك العروج، في الوطن رجّة، وبين صفوف المواطنين ضجّة.

فالعلاقة بين الرّوح والطهر والسّماء، هي نفس العلاقة بين العالم، والوطن، والنّماء وأقول هذا، والأرض العربية المسلمة، تميد بنا، فتهتزّ الأرض من حولنا، بسبب الحروب الدموية الدائرة في وطننا العربي الكبير بدء بليبيا بجانبنا، إلى اليمن من حولنا. إنّها كلّها مظاهر عنف تودي كلّ ساعة بالأرواح البريئة، من كلّ الفئات، وكلّ الأعمار.

لقد كان حري بي أن أتناول في هذه الافتتاحية، واقع الأمّة الدموي المتأزّم، ولكنّ قناعتي الخاصّة أنّ داء الوطن العربي، قد أصبح من التعقيد والتأزّم بحيث لم تعد تكفي فيه مقالة في ورقة، ولا موعظة أو خطبة أو صدقة.

فشل السّاسة والعسكريين في وطننا العربي والإسلامي في الرّسو بالوطن والمواطن على مرفإ الأمن والسّلام، لأنّهم فقدوا جميعًا مقوِمات روح هذا الوطن، واستبدّ بهم هاجس الحكم، ولو على أجساد الأبرياء.

لقد كان الأمل يحدونا في أنّ العلماء في هذا الوطن العربي الإسلامي  _وهم روح الوطنأن يكونوا من الحضور الفاعل والمؤثر في السّاحة، بما يؤهلهم من فرض حكمهم على السياسيين والعسكريين، والمواطنين على حدّ سواء، إلى الحدّ الذي يجعلهم دعاةً صادقين عادلين. غير أنّ اشتغال العلماء في بعض البلاد العربية بالسياسة والاحتماء بجناح السلطة فيها، وتحوّلهم إلى أبواق نافخين في كير السياسيين والعسكريين قد ضيّع عليهم المكانة التي بوّأهم الله إيّاها حين قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} الحجرات11، وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}الزمر9.

إنّ هذه المعاني _كلّهاقد حضرت وأنا أهّم بكتابة هذه الأسطر، واستعراض عوامل الخطورة في السّاحة السياسية لأطِّل من خلال تشخيصها ومعالجتها على القارئ الكريم عساني أقدّم له ما يمكن أن يخفف من روعه، وأن يكون بردًا وسلامًا على قلبه وعقله.

غير أنّ اليأس دأب إليَّ في جانب الواقع العربي، فأثرت أن ألوذ بالواقع الجزائري من خلال واقع العلماء، لعلّنا نجد في هذا الواقع ما من شأنِه أن يطفئ اللّوعة ويهدي الرّوعة، ولعلّه يشعل شمعة.

فعلى العكس مما يسود الوطن العربي والإسلامي من حيرة، ويأس، نجد في الجزائر الجذوة التي  وضع معالمها الماهدون الأوّلون من العلماء المجاهدين، هي التي ما تزال تمثّل الملهِم لنا في تجاوز عتمة الظلمة، والتطلّع إلى بناء مستقبلبالرّغم من كلّ الضبابيةالتي تسوده يتسّم بالحكمة والنّعمة.

فلقد علّمنا ابن باديس والذين معه أنّ العالِم هو روح الوطن، فهو الذي ينفخ في الوطن من روحه، معنى الذود عن الحق الوطني، وبثّ الوعي الظاهري والباطني، والجهر بالحكم الديني، ضدّ كلّ ظلم واستبداد خفي وعلني.

لقننا هذا، الإمام عبد الحميد بن باديس حين صاح في وجه الجميع: “لو قالت فرنسا قل لا إله إلاّ الله ما قلتها“. وأوحى إلينا الإمام محمد البشير الإبراهيمي حين ألّح على حكمه قائلاً: إنّ الاستعمار شيطان و{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} فاطر6.

من وحي هذه الدروس والعبر، ندرك أننا، عندما نفقد عالِمًا جزائريًا في الساحة العلمية، إنّما نحسّ بفجوة كبيرة يصعب ملؤها، وبصدع خطير يصعب ردعه، فكيف إذا كان المفقود في مستوى عالمين جليلين هما الشيخ محمد الأكحل شرفاء، والشيخ عمار مطاطلة.

فالشيخان الجليلان نهلا من معين ابن باديس وينبوع جمعية العلماء، فظلا، كلّ بأسلوبه ومنهجه، وفيين لروح ابن باديس، التي هي روح الوطن، ينفخان بها في إنهاض الشعب من سباته، ومحاولة الحيلولة دون مماته، والعمل على تعزيز مكوناته ومقوّماته.

إنّ كلاً من الشيخين شرفاء ومطاطلة قد تركا بصماتهما في العمل الإسلامي بالخطاب الديني، الدقيق والعميق، والمتصل والمعتدل، والمكافح والمنافح تشهد لهما بذلك المدارس التي كانت للجيل مغارس والمساجد التي كانت نوادي ومعاهد، ووسائل الإعلام التي كانت مبدّدة للظلام، وما كان ذلك ليتحقق لولا أنّ جمعية العلماء التي هي غرس ابن باديس قد أخذت العهد على نفسها بأن تبقى وفيّة للثوابت الحقيقية وهي الإسلام، والعربية، والجزائر العميقة.

ومهما يُقال، ومهما يُثار من لغط، فإنّ جمعية العلماء اليوم، التي فقَدت اليوم الشيخين شرفاء ومطاطلة قد أخذت على نفسها مواصلة حمل المشعل الباديسي، وهي لن تهاب ولن تلين في الدفاع عن الحق، أيًا كان الترهيب أو الترغيب.

إنّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ستظلّ هي روح هذا الوطن، نحمي روحه من كلّ آفة، ومن كلّ تلوّث، ومن أيّ داء يفقد هذه الرّوح مناعتها.

ولقد ذكرتني بهذه الحقيقة الثابتة النبيلة مواطنة صالحة مثقفة، تعمل موثقة في مدينة الجزائر. إنّ هذه الأستاذة الفاضلة التي جمعيتي بها الصدفة في مكتب من المصالح العقارية في حي بئر مراد رايس بضواحي العاصمة حين تقدّمت من بواب المصلحة أسأله عن مصلحة استخراج وثيقة ما، فصاح بخشونة جزائرية ممقوتة، وبفضاضة وغلظةإنّ هذا اليوم ليس يوم استقبال، عد غدًافأجبته بابتسامة مريرة: “وما هو الفرق بين اليوم والغد؟“.

كان هذا أمام مرأى ومسمع الأستاذة الموثقة الكريمة، فصاحت فيه قائلة: “ألا تعلم من تخاطِب بهذه الفضاضة؟ ألم تسمع بابن باديس الذي هو روح الوطن؟ إنّ هذا هو خليفته“.

 

أدركت حينها أنّ بعض الوعي قد بدأ يدّب إلى شعبنا، ولا عبرة بفضاضة البوّاب، فهو لا يعدو أن يكون مسمارًا في باب والعاقبة لأولي الألباب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • مولود

    يا عمار 6رقم .. اشكون قالك ان جمعية العلماء تحتكر الروح الوطنية ...لكن انصحك ان تقرا التاريخ بموضوعية وبدون خلفيات وخاصة اقرا التاريخ من مصادر اولاد بلادك وليس من مصادر اذناب فرنسا....هذه نصيحتي لك ولامثالك ربما تشفون من غسيل دماغ المستعمر و من غي الشيطان ....

  • بدون اسم

    للامانة الروح الوطنية حقيقة..الغاشكالية فى اليات الادراك لنستوعب يجب ان نمر على حساب 3 عوالم عالم الشيئية وعالم الافكار ثم عالم الروح فالعقل اول ما يعقل الاشياء فلا يعى الفراغ ثم يتوسع بالتمارين فيميز الفراغ والوجود فيربط بينهما وهو عالم الافكار من تم يمر الى عالم الروح "ما وراء المادة" بعد تشرب الثنائيات فيستغنى عن البينات وتكون العملية تلقائية لا ارادية "والذين يؤمنون بالغيب" ويقال ان الانسان الذى لا يصل الى المستوى الثالث الايمان بالغيب هو انسان حي حكمه حكم الميت

  • بدون اسم

    وووواو .. وضروك ثبت بان هناك صلة روحانية حميمية بين الانسان و بيئته علاقة تواصل طبعا لاواعية حسية

    انا ننصح المفسدين فى الارض والله من قلبى اذا جائهم الموت يتركون وصية بحرق جثثهم ورميها فى البحر لان شحمة التراب والله ما ترحمكم

    لاكن فى نفس الوقت الانسان ما يكون غبي الروح الوطوطنية " الطاقات الخيرة" ان لم تكن مرشدة على دراية ما تفعل ولها منهاج قبلى وبعدى شامل ذكى سوف تبتلع من طرف الطاقات الشريرة اتلك الاشباح التى سوف تسكن الروح الوطنية وتخدم اهدافها الشريرة وما اكثرهم

  • منصف

    جمعية الدراويش

  • عادل

    وهل عبارة "الجهر بالحكم الديني، ضدّ كلّ ظلم واستبداد خفي وعلني" و عبارة "شعب الجزائر مسلم" تؤدي إلى نفس المعنى ؟ آسف يا أخي و لكن جوابك غير مقنع.
    عندما ينقل أهل الثقة عن العلماء لابد من ذكر المصدر أو السند و إلا لقال من شاء ما شاء. فما أكثر ما ينسب زورا إلى علمائنا الأجلاء.

  • عادل

    لم يبق من هذه الجمعية إلا الإسم من الأفضل تسميتها جمعية دون علماء

  • Baki

    هل تعلم لماذ انشد ابن باديس "شعب الجزائر مسلم"
    هى فى الحقيقة اجابة على فرحاة عباس عندما قال (لم اجد لا الجزائر ولا الجزائرى فى هذا الوطن) بتصرف

    ان كان ابن باديس لم يقل ما أشرت اليه فهاهو قد فعلها
    والفعل ابلغ من القول اليس كذالك؟

  • عمار

    يعني الجزائريون الاخرون الغير منخرطون في جمعية العلماء ليس لهم وروح الوطن! ياخي عقلية ياخى.

  • sami

    صرفت وقت شبابك متملقا السلطان حتى بلغت ما تريد من الدنيا. والآن
    نصبت نفسك ناصحا وامينا على الامة؟ اين كنت وامثالك وشباب الامة
    في امس الحاجة لمن ينور طريقه !!!؟؟؟يا مسكين !!! استفزك رد انسان تساوت عنده الرؤس فلم ينتبه للدال نقطة (د.) على رأسك الجميل . ابحث في تاريخ ج.ع.م لتسلي نفسك ، لانك لا تتقن فنون النضال،ولا تحسن سلوك هدي الرجال .انظر حولك مليا هل تحسن قول
    لا !!!!!وتعمل لها ، لانه لا فائدة من قولها وتنام .....

  • مُعجب

    انت تبكي على حال الامة و ما آلت اليه من حروب ودمار و خراب وانت تعلم كذلك ان هذا الوضع كان بسبب وقفة ثم احتجاج ثم مضاهرة فحرب اهلية .... ثم نجدك تزج بجمعيتك في قضية الغاز الصخر ي وتؤجج نار الفتة في بقعة من البلاد حيث بذور الفتنة بدات تنتش .... فبدل ان يكون موقفكم من القضية حكيما يرقى الى مستوى هياتكم .... رحتم تركبو موجة العنف و الارهاب و الفتة ، ولك مني هذه الهدية لعلك تذكر:

    وطن يباع ويشترى، وتصيح فليحيا الوطن
    لو كنت تندب حظه لبذلت من دمك الثمن
    ولقمت تبني عزه، لو كنت من أهل الفطن

  • بدون اسم

    طبعا الإجابة لن تأتي كفانا كذبا على علمائنا

  • بدون اسم

    ها أنت تغتاظ يا سيادة الدكيور على البواب الذي منعك من الدخول إلى الإدارة ربما لأول مرة في حياتك . فما بالك نحن البسطاء، الدهماء، الرعاع، أمام هؤلاء البوابين الذين يحتقروننا ويذلوننا في كل حين ولحظة. اعلم أيها الأستاذ الكريم أننا نعيش عصر العبودية في أجلى صورها وأبهاها. لقد تواطأ جميع الكبراء على إذلالنا واستعبادنا إلى حد الثمالة. وخلاصة القول أيها الأستاذ اعلم أن الصخرة قد أعيدت على صدر بلال بن ر باح في وضح النهار. فحسبنا الله ونعم الوكيل، فحسبنا الله ونعم الوكيل،فحسبنا الله ونعم الوكيل.

  • عادل

    هل من الممكن أن تبين لنا مصدر القول الذي نسبته إلى العلامة بن باديس رحمه الله ؟ وخاصة عبارة "والجهر بالحكم الديني، ضدّ كلّ ظلم واستبداد خفي وعلني" فلقد كثر الكذب و التلفيق على علمائنا الأجلاء في زمن عز فيه العدول الثقات.

  • قادة

    العاقبة لاولي الالبابعند الواحد احد العزيز الوهاب.اما عندنا اليوم في جزائر الفرنكوفيل لا يعطون اهمية الا لمن يتبجح بانتمائه للفرنسيس و لا يقبلون من يقول انا حفيد بن باديس. سيدي لما يكون نظام البلاد لا نعطي اهمية لاولي الالباب ويحترم ماعندهم اسباب للنهوض بالبلاد والعباد.فلا تلمن البواب الذي وصفته بانه مسمار في باب دقه من بيدهم تسييرشعب الجزائر المسلمة الطاهرة التي تلوثت ببعض الانجاس من الذين لم يريدون ان يبعدوا علينا تبع الفرنسيس الذين كانوا يمقتون احفاد بن باديسلانهم يفضحون استعمالهم لسياسةابليس