درس من فلسطين 1948
لعل من الانجازات الكبيرة التي يضيفها الفلسطينيون العرب داخل الكيان الاستيطاني الصهيوني، هو هذا الذي أنجزوه في 17 مارس 2015 حيث صوتوا لقائمة أحزابهم العربية المشتركة فحصلوا على 14 مقعدا في الكنيست “البرلمان” وهو عدد يجعل لهم ثقلا مهما في تلك الهيئة السياسية الإسرائيلية، كأن يحصلوا على رئاسة بعض اللجان.
صحيح جدا أن القائمة العربية المشتركة كانت تسعى لأن تحصل على 15 مقعدا حتى يمكنها أن تكون “بيضة القبان” في أي تشكيل حكومي، لأنه منذ زرع الكيان الصهيوني عام 1948، لم يتمكن أي حزب صهيوني من تشكيل حكومة لمفرده، لأن “إسرائيل” ليست مجتمعا يهوديا متجانسا، فهو عبارة عن “طنجرة بخار” كما قال بعض الخبراء الأمريكان يمنع انفجارها شعور الإسرائيليين بالعدو العربي المشترك.
والدرس الأول المستفاد من فوز القائمة العربية المشتركة يتمثل في:
أ– أن العمل الوحدوي العربي يعطي نتائج فورية لتقوية الأداء السياسي وهي نتائج تتناسب مع درجة الوحدة، وهذا يعني أن على هذه الأحزاب أن تواصل عملها الوحدوي ليس داخل “الكنيست” فقط بل أساسا داخل المجتمع العربي الفلسطيني بالتقريب بين الأيديولوجيات والطروحات الفكرية بينها والتقدم من التشارك إلى “الائتلاف” إلى “الاندماج” وليس سرا أن “إسرائيل” ستعمل بكل قوة لمواصلة “تفتيت” المجتمع العربي ونخبته في إسرائيل.
ب– أثبت تصويت العرب في الكيان الهصوني أن ليس في إسرائيل فكر يميني أو يساري أو حتى وسطي، فالكل يمين صهيوني وأن هذا اليمين الكلي يمكن هزيمته، فهو قد خسر “بمجمله” كثيرا من الأصوات، وأن مكونات هذا اليمين بدأت تدخل في منافسات تزداد حدة بينها.
ولماذا تزداد حدة بينها؟
أمام تجمع الأحزاب العربية في قائمة مشتركة تخوفت سائر الأحزاب الصهيونية من انقسام كبير وظهر “المعسكر الصهيوني” برئاسة هرتزوغ مقابل “الليكود” برئاسة نتنياهو والفرق بينهما أن هرتزوغ يطالب “بتغيير سياسة” ونتنياهو يريد “تغيير حكومة“.
وبالتأكيد أن نتنياهو إذا تم تكليفه بتشكيل الحكومة لن يتمكن مواصلة سياسته على الأقل طوال العام القادم للأسباب التالية:
1– أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل بدأت تجهر بعد تجربتها المريرة في غزة بعدم موافقتها على سياسة نتنياهو مع الفلسطينيين ولا على سياسة صديقه عبد الفتاح السيسي.
2– أن المناخ الدولي خاصة بعد خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي تجري رياحه نحو عدم الموافقة على سياسة إلغاء الفلسطينيين سواء داخل الكيان الصهيوني أو السلطة الفلسطينية أو غزة.
3– إن أمريكا والدول الأوروبية تتجه لتوقيع اتفاقية مع إيران، وتقارب مع الأسد في سوريا وذلك ضمن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية وهي سياسة دولية لا تتفق مع سياسات نتنياهو، ويبدو أن هرتزوغ هو الأقرب إلى المناخ الدولي وبالتأكيد فإنه ليس من السهل أن يغير نتنياهو سياسته، وسيضغط عليه هرتزوغ من موقع رئاسة المعارضة المؤيدة نسبيا من الكتلة العربية ليجبره على إجراء انتخابات برلمانية مسبقة.
كيف نعزز حدة التنافس بين القوى الصهيونية؟
بالتأكيد أن الجواب هو تشجيع الأحزاب العربية على إنجاز وحدتها لتصل إلى درجة أن تكون هي “بيضة القبان” في المعادلة الإسرائيلية.
وهذا التعزيز يأتي من الدول العربية نفسها عبر
1– الدعم الاجتماعي للعرب الفلسطين لتخفيف الضغط على هذه الأحزاب وتشجيعها على التقارب بينها.
2– إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية بين الضفة والقطاع ولو على طريقة الثقافة المشتركة كما فعلت الأحزاب العربية الفلسطينية.
3– دعم السلطة الفلسطينية في المجتمع الدولي في مواجهة دولة احتلال لم تعرف حدودها الجغرافية والسياسية والأمنية رغم كل مظاهر قوتها وعلاقاتها.