-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاشتباك السلفي الشيعي و نداء للجزائريين!؟

عدة فلاحي
  • 2707
  • 0
الاشتباك السلفي الشيعي و نداء للجزائريين!؟

إن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، كما عبّر عن ذلك أحد المفكرين ولكن في كل الحالات تبقى السلطة الدينية المطلقة أخطر من السلطة السياسية أو العسكرية لأنها تتعلق بالمقدس وتمس بالأفراد والجماعات في حياتهم الدنيوية والأخروية، كما وأنه أصبح من السهل افتكاك هذه السلطة التي أضحت مستباحة من الجميع وتوظف في كثير من الحالات لحسابات شخصية وفئوية ومذهبية ضيقة، كل ذلك على حساب وحدة الأمة وسعادتها وسيادتها.

 وهنا إذا سمحنا للسلفيين وقلنا إنه من حقهم الاعتراض على من يتحدث عنهم أو ينتقد أفكارهم ومراجعهم بصفة التعميم، مفضلين استخدام عبارة”بعض السلفيين” أو”بعض المنتسبين للسلفية”، فمن باب أولى أن ينتصحوا بهذه الموعظة ويطبقونها على أنفسهم، قبل أن يلزموا غيرهم بهذه القاعدة التي نحرص عليها، حرصنا على الموضوعية والإنصاف دون أن نكون بالضرورة مع هذا الطرف أو ذاك في كل ما يعتقده أو يؤمن به، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في أحاديثه الشريفة العديد من مزايا النصارى، بل وأقر بأنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق بمعنى أن هناك قيما وأخلاقا كانت من قبله لدى أمم سبقوا ظهور رسالة الإسلام ولم نر منه صلى الله عليه وسلم موقفا متطرفا ناكرا لكل التجارب الإنسانية الجميلة التي لا نتردد في الاستفادة منها بحجة أنها غريبة عن ديننا أو ثقافتنا وعاداتنا وتبقى التفاصيل بعد ذلك غير مهمة إذا تكفل بعظيم الأمور أهل الهمة.

إن الحقيقة المرة التي يسجلها التاريخ هي أن عدد الذين قتلوا من الطائفة الشيعية على أيدي الشيعة هو أكثر ممن قتل من طائفة الشيعة على أيدي أهل السنة، ومن أن عدد الذين قتلوا من الطائفة السنية على أيدي السنيين هو أكثر ممن قتل من طائفة أهل السنة بأيدي الشيعة، والمؤسف أن ضحايا المسلمين الذين سقطوا بأيدي المسلمين أنفسهم هو أكثر من عدد قتلى المسلمين الذي كان على أيدي اليهود والنصارى وغيرهم من الملل المنتشرة في العالم، وبالتالي كيف يمكن لنا التفاخر بأننا خير أمة أخرجت لنا، ونحن بذلك نكون بحق قد ضربنا عرض الحائط وصية الرسول عليه الصلاة والسلام التي تركها لنا في خطبة الوداع والتي جاء في مقطعها “… إن دماءكم عليكم حرام…”، كما وأنه لم نلتزم بوصايا أخرى لا تحصى ومنها “لا ترجعوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”، فهل بأفعالنا القبيحة هذه والمستنكرة التي استحللنا فيها دماء بعضنا البعض لمجرد خلافات غذاها علم الكلام ووسائل الإعلام نكون قد دخلنا في دائرة الكفر بإرادتنا ونحن لا ندري، وهل بعد هذه الخطايا التي نرتكبها في حق النفس البشرية التي خلقها الله نصلح أن نكون رحمة مهداة وقدوة للإنسانية وهل إذا بقينا على هذا المنهج الصدامي يكون مستقبلنا خير من حاضرنا، لا شك إن الإجابة تكون على كل هذه التساؤلات بالسلب؟

حينما تحرك ما يطلق عليه بزعيم”جبهة الصحوة السلفية” في الجزائر لمحاربة التشيّع الذي أضحى يهدد البلاد حسب زعمه، فإنه بذلك يريد أن يخلق لنفسه ولتنظيمه عدوا يضمن له الوجود والبقاء في الساحة وبالخصوص الإعلامية منها التي سحرته، ولكنه في هذا الموضع قد يكون يدري أو لا يدري بأنه قد تحوّل إلى آلة في يد المخطط الغربي الذي يريد استخدام ورقة الاختلاف المذهبي لدشين محرقة أخرى للاقتتال بين أبناء الوطن والأمة الواحدة.

 هذا ولا داعي للتذكير بما قلته في مقالات سابقة حول الموقف السلبي للسلفيين من إخوتنا الإباضية، فما بالك مع غيرهم، قلت حينما تحرك زعيم الصحوة المفقودة فإن تحركه بالتأكيد نابع من عقل فارغ وبصيرة غائبة ونفس مريضة وإلا لكان تحركه من أجل الحوار والتناصح ونشر الخير والتراحم بين الناس بعيدا عن احتكار الحق والحقيقة، وحينما نقول من عقل فارغ فهذا يعني أن ملفه الذي يتاجر به يفتقد لدراسة علمية تأخذ بمعطيات الواقع الحقيقية من مصادرها التي تتوفر على الإمكانيات اللازمة لمثل هذه المسائل الاجتماعية المعقدة التي عجز أمامها للأسف حتى أهل الاختصاص الأكاديمي من علماء الاجتماع، هذا سبق وأن حذر من انتشار”دين الروافض” حسب تعبيره في الجزائر الدكتور ربيع المدخلي في رسالة كتبها بتاريخ 21 جمادى الآخرة 1432 هـ، والتي اتهم فيها إيران الفارسية على أنها هي التي ترعى مخطط انتشار التشيّع في الجزائر، وفي غيرها من بلدان المسلمين للهيمنة عليها وهدم عقيدة التوحيد.

ومما جاء في مقال المدخلي قوله “ومما يملأ القلب كمدا، أن ينتشر هذا المذهب الضال المدمر في الجزائر، فقد قرأنا وسمعنا أن أعدادا كبيرة من هذا الشعب قد اعتنقوا عقيدة الرفض، وأن عددا منهم اليوم يدرسون في مدينة قم الرافضية وإن كانت هناك مقاومة من الحكومة ومن بعض العلماء فإنها ضعيفة….” إلى أن ينتهي بندائه العجيب والغريب إلى الجزائريين حكومة وشعبا، قائلا بالحرف الواحد”فيا أيها الجزائريون حكومة وشعبا إن سكوتكم عن انتشار تيار هذا المذهب له والله عواقب وخيمة في دينكم ودنياكم وسياستكم وفي آخرتكم حين تلقون ربكم، لأنكم سكتم عن أكبر المنكرات وأكبر الأخطار على دينكم ودنياكم” نعم هكذا ينظر ويقيم ويحكم على الأمور في بلاد هذا الشيخ القابع في مكتبه في أقصى الشرق، مستعينا ومستدلا في ذلك كله على ما وصله وسمعه من أخبار وصلته من الجزائر، وهو في تعامله مع هذه القضية المعقدة لا يخجل في توجيه النصح حتى للحكومة الجزائرية التي يرى من وجهة نظره، بأنها مقصرة في أداء واجبها الديني في مقاومة “الروافض”، وبذلك قد تخسر دنياها وآخرتها، فهل تحوّل رجال الدين المعتكفون على الكتب الصفراء والحمراء والسوداء إلى خبراء في السياسة الدولية لدرجة تصدير خبرتهم إلينا، وهل هم وبالخصوص الذين يقيمون خارج ديارنا ولا يحملون هويتنا الوطنية أدرى بمصلحتنا منا بأنفسنا؟ وإلى متى يبقى يتساقط بعض السذج عندنا ضحية التضليل الديني ويتبنون رؤية الغير، كما فعل زعيم الصحوة الذي بلا شك قد حركه هذا النداء الذي خرج من دولة آل سعود التي يقال عنها هي كذلك ما يقال عن إيران في رعايتها ودعمها للتيار السلفي، فهل معركتنا في العصر الحديث هي استحضار خلافات الماضي والنفخ فيها من جديد أم أن معركتها هي مقاومة ثالوث “الجهل والفقر والمرض” وثالثهم الفساد؟ 

ولكن صدقوني هذه الرسالة بالتأكيد لا يقوى عليها رجال الدين المعتكفون في ظلمات الجهل والتنظير البعيد عن فقه الواقع والذين تحوّلوا إلى عبئ ثقيل على الأمة، وبالخصوص في المدة الأخيرة ويبدو أن الأمر يضيق علينا أكثر فأكثر مع مرور الأيام، وما لم تحدث ثورة ثقافية وعلمية تنظر للمستقبل أكثر مما تلتفت إلى الماضي، فإن سحابة الفتن ستطول فوق سمائنا.

إننا ضد الاتهامات المتبادلة التي لا تساعد على الحوار والتقارب وتحقن دماء المسلمين وضد دعوات التجنيد للاقتتال مع هذا الصف أو ذاك، كما فعل زعيم الغفوة وجاب الله زعيم “جعت” اللذان شجعا بالتطوع للجهاد في سوريا والنتيجة كانت سقوط عشرات من الأرواح الجزائرية هي في رقبة من زُيّن لهم الذهاب إلى بلاد الشام، كما أننا ضد الفضائيات التي تجعل من الاشتباك الطائفي مادة لبرامجها، ودون تحيّز لهذه القناة أو تلك، فلا يقبل أن تخصص

“قناة صفا” السلفية حلقات حارقة في حق إخوتنا الشيعة بمناسبة احتفالهم بذكرى أربعينية الحسين عليه السلام هذه الأيام، لدرجة التكفير وسرد قائمة من الطعون في حقهم والتركيز على دعواهم بخصوص ما يتردد أن القرآن الذي هو بين أيدينا اليوم هو محرف والصحيح هو قرآن فاطمة الذي هو عند الشيعة وغيرها من المسائل التي لا تلقى الإجماع والقبول عند كل الشيعة الذين لا يجب أن نضعهم كلهم على سكة واحدة في تفسيرهم للدين، والأحرى أن نبحث على ما يجمعنا ونجتهد في توسيع دائرته بدل العكس، وهذه هي العبقرية التي نبحث عنها، أما التشدّد والتطرف كالذي جاء في نداء الدكتور المدخلي وغيره للجزائريين وبتدخل سافر في شؤونهم الداخلية فيحسنه كل أحد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!