المطلوب تكريم شكيب خليل
عمره قارب الرابعة والسبعين، وزنه لا يزيد عن الخمسين كيلوغراما من اللحم المكوّن من الجمبري والكافيار، وطوله أقل من ارتفاع برميل نفط يسافر عبر بواخر التصدير نحو إيطاليا وكندا، وشهاداته الجامعية تحصّل عليها من جامعة وهران، حيث درس مئات الآلاف من الطلبة الجزائريين الذين منهم من أكمل دراسته في كبريات جامعات الكون، ومع ذلك تمكّن هذا الرجل اللغز شكيب خليل، من أن يشرب من كؤوس الذهب الأسود حد الثمالة في “بارات” إيطاليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وأن يترصع بالذهب الأصفر مع شركة “إينور” التي تعاملت مع الأستراليين لاستخراج الذهب من مناجم الهقار، فكان الرجل لا يدخل قرية سواء في حاسي مسعود أو في تمنراست، سواء كانت تجري من تحتها أنهار من النفط أو تحيط بها أسوار من الذهب، إلا وأفسدها، بطريقة لم يبلغها حتى “سوبرمان” وأبطال أفلام الكارتون اليابانية و”الأكشن” الهوليودية، مما يبين إما عبقرية الرجل كونه عنتر زمانه، وهذا مستبعد، وإما جهل الأمة وبلاهتها، أم أنه لم يكن وحده، وفي هذين الاحتمالين أقوال كثيرة ومتشعبة، أخفّها في منتهى القسوة.
الفساد ليس وباءا ينخر الجسد الجزائري دون غيره من الكيانات، ولكن أن يأخذ هذا التشعّب الذي يجعل وزيرا كلنا نعلم أنه أمريكي الجنسية يشرب آبار النفط، وتطول يده القصيرة كنوز الذهب دون أن نستفيق من غفوتنا إلا بعد بلوغنا درجة سكرة الموت، فتلك هي المصيبة، وإذا كانت أخبار سقوط رؤوس الفساد في كل دول العالم التي تتداولها الصحف والفضائيات، تثلج الصدور وتعني معاقبة الفاعل واسترجاع ما سُرق، فإنها عندنا أخبار تزيد من همّ ونكد قارئيها الذين صاروا مثل الذين يدخلون قاعة السينما لمتابعة حلقات أفلام رعب من إخراج ألفريد هيتشكوك، ويخرجون مسكونين بالخوف والعقد النفسية، بينما يأخذ من أرعبهم من مخرج الفيلم والممثلين مزيدا من المال، رغم الفارق الشاسع ما بين الفنان الذي يقدّم إبداعاته للناس وبين الذي حاول أن يقدم شعبه في صورة كاريكاتورية، حتى أصبح حلم ابن ورڤلة، أن تضع له كلبة من نوع “بيتبول” جراء، يتم توظيفها لحراسة الشركات الأجنبية التي زرعها شكيب خليل، ورفاقه في قلب الصحراء، بدلا من توظيف الكفاءات الجزائرية التي اختار بعضها خيار الهجرة إلى المنشآت النفطية القطرية، وقبل غالبيتها تغيير مهنتهم وجعل شهاداتهم ذكرى شبابية لا أكثر ولا أقل.
شكيب خليل هو نموذج لرجل ناجح جدا، لا يدخل مشروعا إلا وخرج رابحا منه، ولا يُدخل أصدقاءه من الطليان والكنديين والأستراليين مشروعا إلا وأخرجهم منه رابحين للدولار وال الأورو من بلاد الدينار. في زمنه عرفت أسعار المحروقات أرقاما قياسية لم يسبق وأن بلغتها، وعرفت فيه الجزائر اكتشافات هامة من الذهب الأسود والأصفر ومن كل أطياف قوس قزح، كان ملكا من دون تاج ووريثا بالقوة لكل الخيرات.. عاش قرابة العشر سنوات بيننا حوّل التراب الذي سار عليه إلى ذهب.. كنا قرابة الأربعين مليون فرد وكان فردا واحدا.. ونعترف الآن بأنه غلبنا.. ألا يستحق هذا الرجل تكريما خاصا؟ إن كان وحده طبعا؟؟