“دولة” يعترف بـ”دولة”
في كثير من بلدان العالم، يُطلق إسم دولة الرئيس على رئيس البرلمان، لأنه مُشرّع حقيقي وشريك في السلطة ما دام يمثل الشعب، لكنّه في بلدنا لا هو دولة ولا هو شعب، بدليل أن غالبية الجزائريين لا يعلمون بأن لبرلماننا دورتين ربيعية وخريفية، فكل الفصول سيّان في المجلس الشعبي، إن لم نقل كلها شتاء قاتم اللون، والجزائريون يعرفون اسم رئيس برلمان لبنان وفرنسا مثلا، ولا يعلمون بأن السيد ولد خليفة، هو الجالس على المقعد الثالث من حيث الأهمية في البلاد، وربما تهيأت – عن غير قصد- لرئيس المجلس الشعبي الوطني الدكتور العربي ولد خليفة، وخاصة للمجلس الشعبي الوطني فرصة تذكير الناس بشم نسيم ربيع البرلمان، بعد الهفوة الكبيرة التي لو ارتكبها أستاذ جامعي أو طبيب لاعتبرت جريمة، عندما سمّى الكيان الصهيوني بالدولة وراح يدرجه في مقارنات لا طائل منها عن دور المرأة في العمل السياسي، وهو أعلم الناس بأن تواجد المرأة في البرلمان الجزائري مثل تواجد الرجال، لا عمل فيه ولا سياسة.
يحفظ الجزائريون الكثير من أسماء الرياضيين الجزائريين الذين تورّطوا في مواجهة الإسرائيليين في ألعاب أولمبية، أفنوا أعمارهم لأجل بلوغها، ومنهم المصارع عمر مريجة، ولاعب الكرة إسحاق بلفوضيل، ويحفظون أسماء الفنانين الذين تورّطوا في الغناء مع المطرب الصهيوني أنريكو ماسياس، ومنهم مامي وخالد وحسين الأصنامي، ويحفظون أسماء الساسة الذين اعترفوا بالكيان، ومنهم فرحات مهني، وأسماء الأدباء الذين دعوا للتطبيع مثل بوعلام صنصال، ومن دون أن يطلب منهم أحد قاموا بإنجاز قائمة سوداء رفضوا عبرها فن ورياضة وسياسة وأدب هؤلاء الذين ارتكبوا”زلاتهم” بعيدا عن الأنظار، رغم أن الكثيرين قدموا اعتذاراتهم وشرحوا الظروف التي أحاطت بما اقترفوه، لكن أن يخطئ رئيس المجلس الشعبي الوطني وفي الجزائر، وهو الرجل الذي يُجمع الجزائريون على ثقافته الواسعة ومؤهلاته، وهو المطالب بالديبلوماسية مع الداخل قبل الخارج، وبأن يزن الكلمات والكتابات، فتلك مفاجأة لا يمكن سوى إدراجها ضمن أمرّين وليس أمرين، إما أن تكون أطراف من الدولة تدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهويني وهذا مستبعد جدا، رغم أن حزب جبهة التحرير الوطني انضم منذ أسبوعين إلى الأممية الاشتراكية، التي تضم حزب العمال الإسرائيلي بقيادة موفاز وريث إيهود باراك، وإما أن الأداء السياسي في البلاد قد انتقل من قول ما لا يفهمه الشعب، إلى قول ما لا يفهمه القائل، وتلك أخطر درجات السياسة التي تصل إليها الدول، في بلد لم يرق فيه رئيس البرلمان إلى رتبة “دولة” الرئيس، كما هو الحال في دول عربية وغربية كثيرة.
عندما يتمنّى الكثير من الجزائريين بأن يغلق المجلس الشعبي الوطني أبوابه نهائيا، ما دامت كل جلساته أشبه بشطحات الزردات، فإنهم لا يستكثرون على الذين بلغوا هاته المناصب بالطريقة المعروفة، ما ينالونه من مرتبات وامتيازات وحصانة، وإنما رحمة بأنفسهم من خرجات لا تخطر على البال، فالاحصاءات التي تفضل بها البرلمان حول مشاركة النساء في السياسة، موجودة في مواقع الأنترنت بإمكان أي جزائري أن يُبحر فيها عبر غوغل، وليس في حاجة لأن ينقلها له البرلمان بكل جملها بما فيها (دولة إسرائيل).. ألم نقل لكم أن الصوم عن الكلام والعمل أحسن؟.