“الإخوان فقدوا تعاطف الشارع لكنهم لم يفقدوا أنصارهم”
الكل ضبط عقارب ساعته على الـ 23 من هذا الشهر، أماني، أحلام، تخوفات، ترقب، هدوء حذر، بعضا مما تحس به وأنت تتجوّل في ميدان التحرير، الذي شهد ثورة الـ25 من يناير.. سيفوز عمرو موسى..عفوا أبو الفتوح..بل محمد مرسي.. لن يكون رئيس مصر إلا حمدين صباحي..أنت مخطئ الرئيس الأنسب لمصر هو أحمد شفيق.. الشارع المصري يتنفس هؤلاء، يتشاجر لأجلهم، يؤلف أغان لهم، وآخرون اختاروا سلاسل بشرية دعما لمرشحهم.. الشروق تجوّلت في الميدان وعادت بهذا الاستطلاع..
“موسى، أبوالفتوح، مرسي، صباحي وشفيق .. الأوفر حظا”
بالرغم من أن عدد المرشحين ثلاثة عشر مرشحا لرئاسة مصر، غير أن الشارع المصري لا تسمعه يذكر إلا خمسة مرشحين، وكأنه حسم أمره قبل اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية، التي أعلنت مؤخرا عن الأسماء النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، حيث ضمت القائمة 13 مرشحاً من أصل 23 مرشحا، تقدموا للإنتخابات قبل ذلك، بعد أن تم استبعاد 10 مرشحين.. غابت أمساء كل من أبوالعز حسن علي الحريري، محمد عبد الفتاح محمد فوزي عيسي، أحمد حسام كمال حامد خير الله، هشام محمد عثمان البسطويسي، كما غابت أسماء أخرى مثل محمود حسام الدين محمود جلال، الدكتور محمد سليم العوا، عبد الله حسن علي الأشعل، وكذا خالد علي عمر علي المحلاوي، محمد مرسي عيسي العياط، لتحضر أسماء الأربعة وتحل محل الجميع، متمثلة في الفريق أحمد شفيق الذي اتخذ من السلم رمزا انتخابيا له في بطاقة الاقتراع، وعمرو محمود أبو زيد موسى رمز الشمس، وعبد المنعم أبو الفتوح عبد الهادي رمز الحصان، وكذا حمدين عبد العاطي صباحي رمز النسر، هذه الأسماء وصور أصحابها تملأ الشوارع، العمارات، المحلات وحتى السيارات والحافلات…كلما أدرت عيناك فثمة صورة لعمرو موسى أو أحمد شفيق، أو أبو الفتوح ومحمد مرسي وكذا صباحين..
المناوشات وسط ميدان التحرير.. لا حدث
هذا يُنزل صورة أحمد شفيق من أحد الأعمدة أو الجدران فيلتف حوله العشرات من أنصاره ويسمعونه ما لم يسمعه أيام مبارك ونظامه، ويهددونه بكل ما أتوا من قوة ومن وسائل لفعل أكثر من ذلك بمرشحه..ذاك يسب عمرو موسى أو بالأحرى صورته فقط، فلا يحمد عقبى عمله، وآخرون يلعنون الإخوان ومرشحهم محمد مرسي، وفي لمح البصر تسمع أصوات من هنا أو هناك تسب وتشتم وتستدل بآيات من القران الكريم، وأن اختيار هذا المرشح هو جهاد ونصرة للحق، وآخرون يرون أن المساس بصورة أو بسيرة حمدين صباحي، مساس بذكرى جمال عبد الناصر، وفي المقابل تجد أنصار أبو الفتوح وإن انقسموا بين إن كان بينه وبين الإخوان لعبة، أو أنه راح ضحية الجماعة، غير أن أنصاره يشتركون في أنه أكثر الإخوان اعتدالا ووسطية هو أبو الفتوح، وأنه نصير المظلومين، وأن أفضل شيئ قام به هو الإعلان عن تبرئه من جماعة الإخوان..مناوشات تحدث في ميدان التحرير كما تحدث في شوارع أخرى بين أنصار المرشحين الأكثر وجودا في الشارع المصري، غير أنها أصبحت حدثا عاديا كونها تتكرر في اليوم عشرات المرات..
معتصمون حوّلوا “التحرير” إلى ملكية خاصة..
تلاحظ وأنت تتجوّل في ميدان التحرير الجموع الغفيرة من المواطنين المصريين الذين عمدوا إلى حيلة جديدة لكسب الرزق، فقد نصبّوا خيما وأشباه الخيم، وأعلنوا عن اعتصام دائم حتى يتم اختيار الرئيس القادم لمصر وإقامة دستور، غير أن الاعتصام ليس مجاني، حيث يبيعون داخل هذه الخيم كل أنواع المأكولات والمشروبات، خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة، وتهاطل السياح الأجانب على الميدان، ولم يتوقف الأمر على استغلال الخيم للنفع المادي، بل راح الكثير منهم لوضع كتابات كثيرة، سواء ضد العسكر، أو ضد المرشحين، أو تخليدا لشهداء الثورة، كما عمد البعض للتفنن في تزيين خيمته بألوان العلم المصري، وآخرون وضعوا أسماءهم على جدرانها وأعلنوها ملكية خاصة لهم، حتى لا يقربها غيرهم..
.. وآخرون زينوه بفنهم المخلد لأحداث الثورة
عمد بعض الفنانين إلى استغلال ميدان التحرير الذي ذاع صيته عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلى نشر لوحاته الفنية في أماكن مختلفة من الميدان، خاصة وأنه يتسع للجميع ويقصده الكثيرون من داخل وخارج مصر، حيث تلاحظ العشرات من اللوحات الفنية للعديد من الفنانين، تختلف في الألوان والطريقة والنسق الفني المتبع، غير أنها تشترك في الفكرة، فهي كلها تؤرخ لأحداث شهدها الميدان أثناء الثورة، وتحكي قصصا وقعت هنا أو هنا، فمن موقعة الجمل إلى أحداث وزارة الداخلية التي راح ضحيتها الكثير من شباب الميدان، إلى النساء اللواتي شاركن في المظاهرات، تأريخ لإعلان الجيش أنه سيحمي الثورة، وأخرى تصور جلسات محاكمات الرئيس المخلوع، كما قام البعض بتتبع المحطات التي مرت بها مصر من تاريخ 25 يناير وحتى اليوم..هذه اللوحات وأخرى تستوقف المارة، البعض يأخذ أمامها صورا، والآخر يعيد الأحداث التي شارك في صناعتها..الأعلام المصرية، التونسية، السورية، الليبية واليمنية تملأ المكان، ولو أن أعلام باقي الدول العربية غائبة لاعتقدت أنك داخل مبنى جامعة الدول العربية، هذه المظاهر وأخرى كانت غائبة عن الميدان، لكنها أصبحت الآن هي الصورة الغالبة عليه في انتظار مجيء رئيس جديد قد يعيد للميدان هدوءه..
“الإخوان فقدوا تعاطف المصريين لكنهم لم يفقدوا أنصارهم”
هذه العبارة تسمعها كثيرا، وأنت تتجول في الميدان، سواء سألت عن المرشح الأكثر حظا من غيره لنيل كرسي الرئاسة، أو لم تسأل، ولعلك تستغرب هذه العبارة، غير أنه لما يتحدث معك الجميع تفهم لما يكررونها، فالكل يقول إن الإخوان وعدوا ولم يوفوا، ودخلوا انتخابات وتململوا بين هذا المرشح أو ذاك، كما قاد بعض قادتهم حملة على الصحافة، وآخرون على المرأة، فيما راح بعضهم يصور مستقبل مصر دون سينما وبغير سياحة، لكن الكثيرون يرددون عبارات أخرى، مفادها أن الإخوان أقوياء بالترسانة الشعبية من أنصارهم، وأن الشعب المصري كله كان متعاطفا معهم، غير أنه في الأشهر الأخيرة قضوا على هذا التعاطف، ولم يبقى إلا أنصارهم الذين ينتمون أصلا لتيار الإخوان..
الجميع في الميدان خبراء في السياسة
يختلف توجه المصريين في الميدان السياسي، فقد تجد أنصار التيار الإسلامي بشقيه الإخواني والسلفي، وقد تجد القومي والليبرالي، كما تجد جميع التيارات، لكن السمة المشتركة بين الجميع، رجلا أو امرأة، شيخا أو طفلا، هو الغوص في السياسة والتحليل والنقاش، وكل من تحدثت إليهم الشروق أو لم تصل إليهم، يسترسلون في الحديث عن مستقبل مصر، وعن الرئيس الأقدر على قيادة مصر في المرحلة القادمة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل راح بعضهم يسرد لك هفوات هذا التيار السلفي، وآخرون سقطات الإخوان، فيما عمد بعض منهم للتحدث عن مساوئ عمرو موسى، وآخرون يتوقعون ويفضلون بين من هو رجل الدولة الحقيقي وبين من لا يصلح لقيادة قاطرة مصر..الكل يتنفس السياسة، ويشرب ويأكل السياسة، ويستقبلك ويوّدعك بالسياسة.