-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الداعية‮ ‬بالإحسان‮ ‬قبل‮ ‬اللسان

الداعية‮ ‬بالإحسان‮ ‬قبل‮ ‬اللسان

فئتان من الناس علِم اللّه – عز وجل- فيهما خيرا فأعلى منزلتهما وأغلى قيمتهما فكرّمها تكريماخاصا بعد التكريم العام الذي تفضل به على بني آدم جميعا، حيث يقول في كتابه الكريم: “ولقد كرمنا بني آدم…”.

  • إن‮ ‬الفئتين‮ ‬اللتين‮ ‬أعنيهما‮ ‬هما‮:‬
    – ‬فئة‮ ‬العلماء‮ ‬العاملين،‮ ‬فقد‮ ‬جاء‮ ‬في‮ ‬شآن‮ ‬هذه‮ ‬الفئة‮ ‬قوله‮ ‬سبحانه‮ ‬وتعالى‮: “‬يرفع‮ ‬الله‮ ‬الذين‮ ‬آمنوا‮ ‬منكم‮ ‬والذين‮ ‬أوتوا‮ ‬العلم‮ ‬درجات‮..”‬،‮ ‬وجاء‮ ‬أيضا‮: “‬هل‮ ‬يستوي‮ ‬الذين‮ ‬يعلمون‮ ‬والذين‮ ‬لا‮ ‬يعلمون‮”..‬؟
    -وفئة‮ ‬المجاهدين‮ ‬الصادقين‮ ‬الذين‮ ‬يقاتلون‮ ‬في‮ ‬سبيله،‮ ‬لا‮ ‬طمعا‮ ‬في‮ ‬مغنم،‮ ‬ولا‮ ‬رغبا‮ ‬في‮ ‬مأرب‮.. ‬وفيهم‮ ‬يقول‮ ‬الله‮ – ‬عز‮ ‬وجل‮ – “‬وفضّل‮ ‬الله‮ ‬المجاهدين‮ ‬على‮ ‬القاعدين‮ ‬أجرا‮ ‬عظيما‮”.‬
    ويبدو لي أن الصفة الجامعة بين الفئتين التي جعلتهما محل تكريم الله – عز وجل- هي أن أولئك العلماء العاملين يجادلون عن الحق بالقلم واللسان، وأولئك المجاهدين الصادقين يدافعون عنه بالسّنان، فكلتا الفئتين من جنود ربك، توحّدت غايتهما، واختلفت وسائلهما وأساليبهما.
    وقد أكرم اللّه فئة ثالثة تكريما أخصّ من التكريم الخاص؛ أعني تلك الفئة التي جمع فيها صفتي العلم والجهاد، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء من عباده، وهو أعلم حيث يجعل فضله، “وربك يخلق مايشاء ويختار”، و”لا يسأل عما يفعل”.
    من هذه الفئة التي جمع لها الله – سبحانه وتعالى – المجدين؛ مجد العلم ومجد الجهاد فضيلة الشيخ محمّد الطاهر آيت علجت، الذي نحسب – ولا نزكي – أن حديث الصادق الأمين – عليه السلاة والسلام – القائل: “خيركم من طال عمره وحسُن عمله” ينطبق عليه، فهو قد أتمّ القرن بالحساب‮ ‬القمري،‮ ‬و‮”‬ما‮ ‬علمنا‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬سوء‮”.‬
    من‮ ‬أجل‮ ‬ذلك‮ ‬رأي‮ ‬شُبّان‮ ‬مؤمنون،‮ ‬قلوبهم‮ ‬معلقة‮ ‬بالمساجد‮ ‬أن‮ ‬يتشرفوا‮ ‬بتكريم‮ ‬هذا‮ ‬العالم‮ ‬المجاهد‮ ‬تكريما‮ ‬معنويا‮ ‬في‮ ‬مسجد‮ ‬الإمام‮ ‬علي‮ ‬بن‮ ‬أبي‮ ‬طالب‮ ‬في‮ ‬مدينة‮ ‬بوفاريك،‮ ‬وقد‮ ‬تم‮ ‬ذلك‮ ‬يوم‮ ‬الخميس‮ ‬الماضي‮..‬
    عرفت‮ ‬فضيلة‮ ‬الشيخ‮ ‬محمد‮ ‬الطاهر‮ ‬آيت‮ ‬علجت‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1963،‮ ‬عندما‮ ‬قدمت‮ ‬من‮ ‬مدينة‮ ‬جيجل‮ ‬الصغيرة‮ ‬إلى‮ ‬مدينة‮ ‬الجزائر‮ ‬التي‮ ‬كنت‮ ‬فيها‮ ‬كفتى‮ ‬المتنبّي‮ ‬في‮ ‬شعب‮ ‬بوان،‮ “‬غريب‮ ‬الوجه‮ ‬واليد‮ ‬واللسان‮”..‬
    دخلت في ذلك العام إلى ثانوية ابن خلدون في حي محمد بلوزداد، وانجذبت إلى فتى تبدو على مُحيّاه الوداعة والطيبة فجاورته في الطاولة، واتخذته زميلا، وكان ذلك الفتى صاحب الخلق النبيل، والحسن التحصيل هو عبد الحميد آيت علجت، نجل الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، وهو الآن أستاذ في مادة الرياضيات في المدرسة العليا لتخريج الأساتذة.. وعن طريقه تعرفت على الشيخ محمد الطاهر.. وعرفت سرّ لطف زميلي – عبد الحميد – ودماثة أخلاقه، ونبل سلوكه، فقديما قيل: “إذا طاب أصل المرء طابت فروعه” وقيل: “ومن يشابه أبَه فما ظلم”، وقطع قول الله – عز‮ ‬وجل‮- “‬ذرية‮ ‬بعضها‮ ‬من‮ ‬بعض‮..” ‬قول‮ ‬كلّ‮ ‬قائل‮..‬
    إن العلامة اللائحة في الشيخ محمد الطاهر آيت علجت ليس علمه الذي هو ليس بالقليل؛ ولكن الذي يحببه إلى الناس ويجذبهم إليه هو خلقه الكريم، وصدره الحليم، ومعاملته السمحة، فهو يألف ويؤلف بسرعة، لأنه ليس ممّن يصعّرون خدودهم للناس، وليس ممن يمشون في الأرض مرحا ويودّون خرقها، وليس ممّن يحاولون أن يبلغوا الجبال طولا؛ بل هو ممّن إذا رأيتهم ذكّروك ببعض صفات عباد الرحمان الواردة في آخر سورة الفرقان “الذين يمشون على الأرض هوانا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.. والذين لا يدعون مع الله إله آخر، ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق، ولا يزنون.. والذين لا يشهدون الزور، وإذا مروا باللّغو مروا كراما، والذين إذا ذُكروا بآيات ربهم لم يخزّوا عليها صمّا وعميانا..”. ذلك ما لمسته بيدي، ورأيته بعيني، وسمعته بأذني من أخلاق الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، ومن أجمل ما سمعته ما حكاه الأستاذ‮ ‬الزبير‮ ‬طوالبي،‮ ‬وهو‮ ‬من‮ ‬تلاميط‮ ‬الشيخ‮ ‬محمد‮ ‬الطاهر‮ ‬في‮ ‬زواية‮ ‬تاموقرة‮ ‬في‮ ‬نهاية‮ ‬الأربعينيات‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬الماضي،‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬بعض‮ ‬الطلبة‮ ‬كانوا‮ ‬يتساءلون‮ ‬عندما‮ ‬يرونه‮ ‬يغدو‮ ‬ويروح‮: “‬هل‮ ‬هذا‮ ‬بشر؟‮”.‬
    وأما من أحسن ما قرأت عن الشيخ محمد الطاهر فهو ماكتبه أستاذي محمد الصالح الصديق، وهو أنه “فقيه قرآني، يجذبك إليه سمْت الوقار، ووداعة الأخلاق، وتواضع العلماء، إذا نطق فكأنما ينطق عن وحي الفضيلة، وإذا صمت فكأنما يقرأ في سقر الحكمة، راحته في التعب، وسعادته في سعادة‮ ‬الآخرين،‮ ‬كنا‮ ‬معا‮ ‬في‮ ‬إدارة‮ ‬البعثة‮ ‬الجزائرية‮ ‬في‮ ‬ليبيا‮ ‬خلال‮ ‬الثورة‮ ‬فراعتني‮ ‬أخلاقه‮ ‬وفضائله‮ ‬وصبره‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬الجزائر‮ (‬1‮)”.‬
    وبالرغم من أن الشيخ محمد الطاهر آيت علجت هو ابن عائلة صوفية، أسس جدها الأعلى، الشيخ الصالح يحيى العيدلي، زاوية في تاموقره، وفيها تعلم الحفيد وعلّم، وأعاد تأسيسها بعدما هدمتها فرنسا الصليبية في فترة جهادنا؛ بالرغم من ذلك فإن شعار الشيخ الجليل فهو: “لا نتخرّف ولا نتطرّف”، أي أننا ننبذ الخرافات التي ألصقت بالدين الإسلامي الحنيف من جاهلين أو ماكرين، من مثل زعم أحدهم من أن “بقرة الشيخ الثعالبي أكلت أسد الشيخ أحمد بن يوسف الملياني”، وننأى عن الغلوّ في الدين من مثل ما يفعله بعض الذين يعلّمون الله بدينهم، فيضيقون ما‮ ‬وسعه‮ ‬الله‮ ‬ورسوله،‮ ‬ويعسرون‮ ‬ما‮ ‬يسره‮ ‬الله‮ ‬ورسوله،‮ ‬يراءون‮ ‬الناس‮ ‬بأنهم‮ ‬أشد‮ ‬حرصا‮ ‬على‮ ‬الدين،‮ ‬وأكثر‮ ‬غيرة‮ ‬عليه‮..‬
    إن الشيخ محمد الطاهر آيت علجت “مدرسة” في الدعوة إلى الإسلام، فهو يدعو إليه بالإحسان قبل اللسان.. وما أحوج المسلمين إلى هذا النموذج من الدعاة، لأن كثيرا منهم فيهم غلظة، مما يجعل بعض الناس يصدون عن دين الله، ظنا منهم أن أولئك “الغلاظ” “الجفاة” يمثلون الإسلام‮ ‬الصحيح‮.‬
    حفظ‮ ‬الله‮ ‬الشيخ‮ ‬الجليل‮ ‬محمد‮ ‬الطاهر‮ ‬آيت‮ ‬علجت‮ ‬في‮ ‬سمعه،‮ ‬وبصره،‮ ‬وقوته،‮ ‬وجعله‮ ‬كأسمه‮ ‬محمّديّ‮ ‬الشمائل،‮ ‬طاهر‮ ‬الجوارح‮ ‬هاديا‮ ‬الخلق‮ ‬إلى‮ ‬الحق‮.‬
    ‭————‬
    1‮) ‬محمد‮ ‬الصالح‮ ‬الصديق‮: ‬رحلتي‮ ‬مع‮ ‬الزمان‮. ‬ج2‮. ‬ص‮ ‬273‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • سليمان أبو الربيع

    الشيخ آيت علجت علم وإيمان إحسان قبل البيان رجل من زمن الصحابة وطينة الأنبياء أدام الله في أنفاسه وابقاه ذخرا لوطننا الحبيب

  • سهيل

    السلام عليكم أستاذنا الكريم :
    جديدك دوما يثلج الصدور ، وينير العقول ، ويهدي إلى سبل الرشاد ، فوقفاتك مع العظماء من هذه الأمة فهي من الأفضال التي تحسب لك ، فلا تحرمنا منها كلّما سنحت لك الفرصة ، فالجيل يجهل الكثير منهم ، والقليل من يدلّ عنهم ، فأطال الله في عمرك وعمر الأحياء ممن ذكرت وتذكر ، ونفعنا بما تجود وتمطر.

  • cherif

    مع كل الاسف الشديد لا نعرف علماء الجزائر الا ابن باديس والبشير الابراهيمى رحمهم الله ,لو ان الدولة اعتنت بعلمائنا لجنينا خيرات كثيرة وما اتجه جل شبابنا الى علماء الخارج قبل الداخل ,اليتيمة دائما تعرض علينا الافلام والطرب والبرامج التى لا تغنى ولا تسمن من جوع وادا قدمت لنا برنامجا دينيا تأتى لنا بدعات ليس لهم باع فى الحقل الشرعى وهدا ليس تنقيسا من شأنهم ولكن الواجب تقديم العلماء الكبار لكى يعرفهم الناس وان الجزائر لديها علماء افداد مثل باقى الدول الاسلامية حتى نتمسك بهم وتكون لنا مرجعيتنا .

  • بدون اسم

    الخطأ مطبعي- لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا - فكأنّما يقرأ سفر الحكمة

  • hamoudi

    inna ma razakana bihi ellahou mina el3oulamai la ahada youmkinou lahou ene yahjouba nourahoum fawka hadhihi elbilade ettayiba.. elyawma kountou ked zourtou medrassata elfeylassouf essini koun fou sahab elfelsafa elma3roufa bilkounfouchioussia, iltakaytou bi ahadi ikhwanina elmouslimina eltajakistaniyina fi madrassati koun fou ta3arrafna 3ala ba3dhina wa kal inna ledaykoum 3oulamaou la yastati3ou ahadene ene yakifa amamahoum illa biljalali wa dhakara minhoum ibnou badis hettta wala

  • عبدالرحمن

    نرجو تصحيح الايات القرانية ،وبعض الاخطاء ،فهل من مجيب ؟
    اما لاستاذنا الجليل ،فكل التحية والتقدير ،أرجو أن تواصل على نفس المنهج ،وتعلي من شأن علمائنا ،بما حباك الله من فصاحةفي اللسان وصدق في القول ،وصدع بالحق ،نحسبك كذلك ،ولانزكي على الله أحدا .....

  • أبوبكر

    بارك الله في علمائنا ومشائخنا وفي سيدي الهادي الحسني صاحب اللسان الفصيح ليذكرنا

  • محظوظ

    جازاك الله عنا خيرا وبارك في أنفاسك مثلما بارك في أنفاس الشيخ الفاضل آيت علجت ،

  • احمد عزاوي

    السلام عليكم استاذنا محمد الهادي .تحية عطرة ملؤها التجلة والاحترام لكم ولشيخنا الجليل .لا أدري هل سوف تقرأ تعليقي هذا أم لا ولكن دعني أفصح عن حبي الخالص لوجه الله لك .لقد تعلمنا منك حب لغة القرآن وحب الحزائر وعشق الشموع التي تحترق في صمت أو بالأحرى في إصمات وأقصد هنا هؤلاء العلماء الربانيين الذين يعلّمون الكتاب والحكمة اقتداء بسيد المعلّمين صلى الله عليه وسلم . نسأل الله القدير أن ينفع به وبجميع علماء الجزائر.

  • يوسف

    اطال الله في عمرك استاذنا الكريم الهادى الحسني دائما تغوص في كهوف المجهول لتخرج لنا درّة براقة نستنير بها في ظلمات هذا العصر الشديد الظلام ما وصفت به عالمنا الجليل ايت علجت يجعلنا دائما نفخر ببلادنا التي خرّجت علماء أجلاء كابن باديس و التبسي وال خليفة وغيرهم

  • عبد الحليم

    والله صدقت يا شيخنا الهادي أنا زرته مرة في بيته و لمست الأخلاق التي ذكرتها فنعم العالم هو و ما قام به هؤولاء الشباب بتكريمه (جزاهم الله كل خير) قليل بالنسبة لعالم مثله. للأسف لو سألت غالبية الشباب المتدين هل تعرف الشيخ ربما لأجابوك بلا فتجد الواحد يستفت علماء هم بعيدون عنا بألاف الكيلومترات و يتركون علماء الجزائر (وكم هم كثر) نحتاج إلى إبرازهم إعلاميا.

  • محمد الغرداوي

    الأستاذ عودتنا التعر يف بالرجال والعظماء والعلماء ، وما أكثرهم في هذا الوطن العزيز ، ما أجدر الشباب والجيل القادم أن يتعرف على من يقتدى به ، في إيمانه وعمله ، وخدمته لوطنه .
    فشكراً جزيلا لك ، وحفظ الله لنا الشيخ الفاضل ، وأبقاه ذخرا لهذا البلد .