عائد من جحيم مصراتة للشروق:شاهدت جثة جزائري مربوطة الأيدي داخل دبابة تابعة للقذافي
يروي الشاب ترير دحمان العائد من ليبيا وتحديدا من مدينة مصراتة التي قضى بها 60 يوما كاملة، يوميات الرعب والجحيم بهذه المنطقة التي كانت تحت السيطرة الكاملة لكتائب القذافي قبل أن يستولي الثوار على مداخلها فيما بقيت أطرافها بيد الكتائب، حيث عاش على مدار تلك الأيام مشاهد مرعبة لجرائم قتل كانت تتم بطرق عشوائية. الشاب دحمان الذي تناولت الشروق بالصورة والكلمة في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق لـ30 مارس2011 خبر فقدانه بمدينة مصراتة، تمكن من الوصول إلى الحدود المصرية الليبية، بعد خروجه من شارع طرابلس الذي كان القناصة يسيطرون عليه، متجها نحو جزيرة الدم الواقعة على بعد 25 كلم عن مصراتة، أين تكفل أحد الليبيين المحايدين بضمان المبيت له ولسبعة رعايا آخرين ينحدرون من جنسيات سورية، فلسطينية، وتونسية، وهذا تمهيدا لدخولهم ميناء مصراتة الذي لم تعد تفصلهم عنه سوى مسافة10 كيلومترات، وبعد 08 أيام تقدموا بمسافة07 كيلومترات، أين أمضى محدثنا برفقة رعية فلسطيني 14 يوما داخل أحد المنازل، ليتمكنوا في الأخير من الوصول إلى الميناء بعد قطعهم لمسافة 25 كلم في مدة 22 يوما. وقد اختار محدثنا التوجه نحو البوابة الثانية للميناء الواقعة على بعد كيلومتر واحد عن البوابة الأولى التي استولى عليها آلاف الرعايا المصريين المدججين بالعصي والسيوف، وقد ساعده وجود حاويات بالبوابة الثانية على تدبر أمور المبيت، وتحين الفرصة المناسبة للخروج نهائيا من جحيم مصراتة، غير أن تدهور الأوضاع وبداية القصف الصاروخي للميناء من طرف كتائب القذافي في الخامس عشر أفريل جعلته يتسلل نحو البوابة الأولى والإختلاط بالمصريين، ولحسن حظه فإن الحاوية التي كان ينام فيها فجّرها صاروخ لحظات قليلة فقط من مغادرته لها، حيث تحوّلت إلى أجزاء حديدية متناثرة، حينها “استدرت إلى الخلف” يضيف محدثنا “وتأكدت بأن للعمر بقية”. الوصول إلى البوابة الأولى مكن دحمان من ركوب الباخرة التي أرسلتها قطر لإجلاء الرعايا المصريين، ساعده في ذلك أحد أفراد طاقم الباخرة، وهو من جنسية لبنانية يحب الجزائريين، وبوصولهم إلى ميناء طبرق وقعت مناوشات بين الرعايا المصريين والثوار الليبيين داخل الباخرة أسفرت عن وقوع إصابات في صفوف الطرفين، بعد أن تمكن المصريون الذين كان يقدر عددهم بحوالي 1300 رعية من الاستيلاء على أسلحة بعض الثوار، بعدها وجدنا مثلما يضيف محدثنا القطريين في استقبالنا، حيث وفروا لنا حافلات نقلتنا إلى مركز للراحة يقع على بعد 04 كيلومترات عن ميناء طبرق أين تلقينا معاملات إنسانية في غاية اللطف من الأشقاء القطريين الذين زوّدونا بالأكل وأحاطونا بالرعاية الصحية وقدموا لنا هواتف الثريا للإتصال بآهالينا.
- بعدها ـ يضيف المتحدث ـ توّجهت بنا الحافلات إلى منطقة السلوم على الحدود المصرية الليبية، أين كان المندوبون على مستوى السفارات العربية والأجنبية في انتظار مواطنيهم الفارين من ليبيا، باستثناء المندوب الجزائري الذي لم نعثر عليه، وحتى عند اتصالنا بسكرتير السفارة نحن الجزائريين السبعة لم نجد آذانا صاغية، لنشد الرحال بعدها من منطقة السلوم نحو مطار القاهرة على مسافة700 كلم ومنه إلى مطار هواري بومدين.
وعن يوميات الجحيم التي عاشها بمدينة مصراتة وحقيقة الاتهامات الموجهة من قبل الثوار الليبيين وأعضاء المجلس الانتقالي بخصوص قيام الجزائر بإرسال مرتزقة للقتال إلى جانب كتائب القذافي، كشف محدثنا بأنه شاهد بأم عينه جثة جزائري داخل دبابة كانت يده مربوطة بالكلابشات، وهي طريقة تلجأ إليها الكتائب الأمنية لتضليل الثوار وإيهامهم بأن دولا عربية عديدة تساند في العقيد معمر القذافي، والشيء المؤكد أن هذا الجزائري المختطف بلا شك قتل من قبل الكتائب الأمنية بعد أن رفض القتال إلى جانبها.
الثوار يملكون أدلة على أن المرتزقة الأجانب مجبرون لا مخيرون
محدثنا أضاف بأنه ومن خلال إطلاعه على صور وفيديوهات يحوزها الثوار، تبين له بأن عشرات المقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية الذين أجبروا على القتال كتبوا على سواعدهم عبارة”نحن آسفون يا أهل مصراتة”، ومنهم من اكتفى بكتابة كلمة “مجبر” تحت ملابسه الداخلية، مثلما حدث مع رعايا موريتانيين تم اختطافهم وتحويلهم إلى قناصة بشارع طرابلس بمدينة مصراتة وإجبارهم على تناول الحبوب والأقراص المهلوسة، حيث تم وضعهم فوق عمارة التأمين، وعمارة بن صالح ، وفندق إفريقيا، ومستشفى بوشعالة. وفي هذا الإطار كشف محدثنا عن وجود عصابات مختصة في خطف الرعايا الأجانب الفارين عبر المسالك البرية وبيعهم لكتائب القذافي بثلاثة آلاف دولار للشخص الواحد، وهذا بعد تجريدهم من أموالهم وإتلاف شرائحهم الهاتفية، وتحويلهم إلى منطقة زليتن الواقعة على بعد50 كلم غرب مدينة مصراتة التي يسيطر الثوار على شوارعها، في حين تسيطر الكتائب الأمنية على مخارجها وأطرافها بعد أن انسحبت منها تحت الضربات المتتالية للثوار، مما أدى بقوات العقيد إلى قطع الاتصالات وشبكة الكهرباء عن المدينة ووقف تموينها بالمياه الصالحة للشرب واستبدالها بالمياه القذرة..دحمان تحدث أيضا عن الخراب والدمار الكبير الذي تعرضت له مدينة مصراتة وكيفية تحوّلها بين عشية وضحاها إلى جحيم حقيقي بعد قصفها بالصواريخ ومختلف الأسلحة الثقيلة، مما جعل شوارعها مليئة بأشلاء الموتى والجثث المتفحمة التي ستبقى محفورة في ذاكرة كل من مرّ بجانبها باحثا عن طوق للنجاة.