-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أرهقت المحاكم.. ومختصون يناشدون:

جلسات الصلح لفك نزاعات الورثة والعقار والطلاق

وهيبة سليماني
  • 4287
  • 0
جلسات الصلح لفك نزاعات الورثة والعقار والطلاق
أرشيف

كلمة واحدة قد تزرع الحقد والكراهية وتتسبب في تصفية الحسابات والانتقام.. وكلمة واحدة قد تذيب جبالا من العناد والشحناء والصراعات والنزاعات بين المجموعات المتطاحنة، فكم من قضايا وصلت أروقة المحاكم وأخرى تطورت لتجر ورائها جرائم ولم تنته نتائجها السلبية لسنوات طويلة، كان بدايتها خلاف بسيط، أو “زلة لسان”، أو”تغنّانت” في الرأي والمواقف، بداعي الأنانية والكرامة والكبرياء!
“والصلح خير” قول الله تعالى الذي يبين أهمية الإصلاح بين المتخاصمين، فلقد اكتظت المحاكم الجزائرية بملفات النزاعات والطلاق، والخلافات بين العائلات حول أتفه الأشياء، ولم يعد بوسع القضاة، استيعاب الكم الهائل من الملفات المتراكمة، التي أثقلت وضاعفت مجهودهم، ما يجعل من “جلسات الصلح”، أكثر من ضرورة عن أي وقت مضى.

أرقام مقلقة تستدعي حلولا ودّية
وما يعزّز هذا الواقع تلك الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل، والمتعلقة بتسجيل 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من العام الجاري 2022، فيما أكّد محامون، أن أكبر المحاكم في الوطن تسجّل يوميا قرابة 14 قضية تتعلق بنزاعات الميراث، وتمثل الأسئلة الخاصة بنزاعات العقار التي يستفتى فيها الأئمة نسبة 50 بالمائة، حسب ما أكده الإمام جلول قسول عضو لجنة الافتاء بوزارة الشؤون الدينية، الذي يقترح إنشاء مرصد وطني لتسوية هذا القضايا العالقة التي تستدعي حلولا ودّية، بعد أن باتت مصدر تفرقة للعائلات وصراعات بين أبناء العرش الواحد.

قضايا حلّت بجلسات صلح وأخرى تطوّرت لأتفه الأسباب
وقد طالب حقوقيون ومشايخ، وأئمة، بضرورة حل النزاعات في قضايا الأسرة، وبعض الخلافات التي تحال على أقسام الجنح، من خلال جلسات صلح يحضرها الكثير من المختصين، في مقدمتهم الأئمة، وقال في ذات السياق، الشيخ جلول حجيمي، رئيس النقابة الوطنية للأئمة، إن مجالس الأعيان والشيوخ باتت أكثر أهمية حيث لا بد، حسبه، من صياغة القوانين، لتفعيل جلسات الصلح، ويقتضي ذلك تدخل الأئمة والمشايخ.
وأوضح، أنّ هنالك قضايا تدوم أحيانا 20 سنة أمام القضاء وتحل في الأخير بجلسات الصلح، مثل القتل العمدي الذي يتطوّر إلى صراعات بين العروش، حيث يصل إلى تفرّع قضايا أخرى، مؤكدا أن لم الشمل من خلال جلسات الصلح يمكن من تفادي الكثير من المشاكل.
وقال حجيمي، إن قضية الخلاف الإباضية والمالكية، تم تسويتها من خلال جلسات، وكذلك الحال بالنسبة للخلاف الذي وقع في البويرة شهر أفريل الماضي، بسبب حفل موسيقي، نظمته السلطات المحلية أمام مسجد في مشدالة ولولا تدخل مسؤولين وأئمة من خلال جلسة صلح بين الإمام والقائمين على تنظيم الحفل، لاستمرت الفتنة وقتا أطول.
وكان قد حدث تلاسن بين إمام المسجد ومنظمي الحفل، الذي قال إنها “زلة لسان”، واعتبرت الحادثة محاولة لتزييف الواقع ولتهييج الشارع، لولا جلسة الصلح.

تزايد نزاعات العقار يرفع من دور جلسات الصلح
ونظرا لتزايد النزاعات حول العقار، خاصة بعد عمليات مسح الأراضي، وتسجيلها إلكترونيا، والتحقيق في العقود العرفية، تراكمت ملفات هذه القضايا في المحاكم، في حين أن بعضها يحتاج فقط لتفاهم بين الأطراف ولا يرتقي لتسجيل هذا الخلاف في قضايا العدالة، وقد أكد في هذا الصدد، الإمام جلول حجيمي، أن بعض هذه النزاعات تطوّرت إلى خلافات وحروب عروشية، وأدت أحيانا إلى جرائم قتل.
وأشار إلى أنّ في الكثير من هذه النزاعات تدخل أعيان وشيوخ المنطقة، لتهدئة الوضع، وكانت لجلسات الصلح دورها الفعال، حيث كانت هناك جريمة قتل في خنشلة بسبب العقار، ولولا الصلح من خلال المشايخ والأئمة لتطور الأمر إلى تصفية حسابات وجرائم قتل أخرى.
وفي ولاية الجلفة أيضا استذكر المتحدث أيضا خلافا في منطقة أولاد نايل، حول عقار يبلغ مساحته 27 ألف هكتار، وكان يمكن أن يتحول إلى حرب عروشية، إلاّ أن جلسة الصلح بين المتنازعين، جاءت بنتيجة إيجابية.
وفي ذات السّياق، قال الشيخ جلول قسّول، إمام مسجد القدس بحيدرة، إن الخلافات في المجتمع الجزائري، انتشرت داخل الأسرة وبين الأقارب، وأهل المنطقة الواحدة، خاصة إذا تعلق الأمر بالميراث، أو النزاع حول العقارات، وقد تؤدي حسبه، هذه الخلافات إلى جرائم قتل، جراء الحقد والشحناء، والانتقام، مما يجعل لم الشمل بين الأطراف حلولا سريعة ودية، وتتفادى الكثير من المتاعب والفضائح.

المطلوب حماية أمنية لجلسات الصلح في القضايا الشائكة
وعن ذات الموضوع، أوضح جلول قسوم، إمام مسجد القدس بحيدرة وعضو لجنة الإفتاء، أنّ تطوّر النزاع، وتشعب الخلافات، وتعمقها، يحتاج إلى جلسات صلح، محمية ومعزّزة بالضبطية القضائية، حيث انقلبت بعض جلسات الصلح وخاصة المتعلقة بالعقار، إلى شجارات ومناوشات وتلاسنات طالت حتى الأئمة والمشايخ والأعيان.
وقال الشيخ جلول حجيمي، رئيس النقابة الوطنية للأئمة، إن تدخل الأعيان والشيوخ في قضية 27 ألف هكتار بالجلفة، كاد يعرضهم للخطر، حيث أصبحوا في قلب المعركة، دون تواجد الحماية الأمنية، مطالبا بتعزيز أمن هؤلاء الشيوخ الذين ينظمون جلسات صلح، ببطاقات خاصة، وتحديد طريقة لتعاملهم مع الضبطية القضائية، مع الأخذ بعين الاعتبار الدّور الفعال للمجتمع المدني في جلسات الصلح ولمّ الشمل.

غالبية نتائج جلسات الصلح في قضايا الطلاق سلبية
وفي سياق دور جلسات الصلح في لم الشمل بين الأطراف المتنازعة، أكد الكثير من المحاميين، أن تزايد قضايا الطلاق، والخلاف بين الزوجين على أتفه الأسباب، وخاصة مع غياب تدخل أطراف من العائلتين، يستدعي إعادة النظر في الدور الذي تلعبه جلسات الصلح في المساجد، وبين مجالس الأعيان والمشايخ، من خلال دعمها بمختصين في علم النفس والاجتماع، والدين.
وقال الأستاذ لخلف شريف، محام لدى مجلس قضاء الجزائر، إن وساطة الأئمة والشيوخ في قضايا الطلاق قد تأتي بنتيجة، بعيدا عن العرائض التي تودع لدى قاضي شؤون الأسرة، والتي قد تحمل الكثير من الكلمات الجارحة، أو التي تزيد من الشحناء والتشجيع على الطلاق.
وأفاد لخلف شريف، بأن بعض القضايا المتعلقة بالطلاق، والتي وصلت المحاكم، تم تسوية الوضع بتدخل الإمام بين الطرفين، وانتهت بعدم الطلاق، في حين أن الكثير من هذه القضايا، ورغم 3 جلسات صلح أمام القاضي، إلا أن نتيجتها كانت سلبية.

المطلوب مكاتب صلح داخل المحاكم للتخفيف عن القضاة
وأكّد المحامي لخلف شريف، أنّ جلسات الصلح في المحاكم موجودة في الجزائي والمدني، وهي إجراءات ينص عليها القانون، حيث يقوم وكيل الجمهورية، في بعض القضايا، بجلسة صلح قبل تحريك الدعوى القضائية، مثل قضايا إصدار شيك دون رصيد، أو إذا تعلق الأمر بقضايا تكون فيها الضحية امرأة والمشتكي منه رجل، مثل الإهمال العائلي، والنفقة، وهذه قضايا الجزائي، تنص عليها المادة 331 من قانون العقوبات، والتي تسمح لوكيل الجمهورية باستدعاء الأطراف لتسجيل الصلح.
وأوضح المحامي، أن عدم نجاح جلسات الصلح في المحاكم يعود إلى الذهنيات، فمهما عزّزت الإجراءات، حسبه، تبقى الذهنيات حاجزا أمام تحقيق الصلح في الكثير من النزاعات والخلافات، كما أن في الكثير من الحالات الشاكي والمشتكى منه لا يعطيان أهمية لجلسات الصلح ويغيبان في الكثير من الأحيان.
ويرى المختص بأنّ مباشرة إجراءات الطلاق قبل جلسة الصلح، تسبب في حدوث الطلاق في النهاية، وعدم تأدية جلسة الصلح دورها، حيث يقوم الطرفان المقبلان على الطلاق من خلال كتابة العريضة، بالإجراءات، ويمكن أن لا يشجع على الصلح، خاصة إذا هاجم أحدهما الآخر بكلام جارح، وعرّى كل واحد نواياه السيئة وعيوبه، حيث هنا تصبح جلسة الصلح لا فائدة منها.
ومن جهته، أكّد المحامي والحقوقي، عمار خبابة، أن في بعض الدول تعطى أهمية كبرى للوساطة الأسرية، حيث يسمى بوسيط يقوم بعملية الصلح، وهو ينسق مع المحاكم، قائلا: “هناك مثل يقول: “صلح سيئ خير من حكم عادل”، فالقانون الجزائري من حيث المبدأ يقرّ الصلح وفي بعض الأمور يصبح الصلح حاضرا، ولكن جلسات الصلح تكرّس في مجال ضيّق، بعض الدول في قضايا الأسرة لا تسجل الطلاق إلاّ بعد جلسة الصلح”.
ودعا خبابة إلى فتح مكاتب داخل أو خارج المحاكم، خاصة بجلسات الصلح لتخفيف الضغط على القضاة، وخاصة قضاة أقسام شؤون الأسرة، على أن تعزز هذه المكاتب بمختصين في علم النفس والاجتماع، وحقوقيين.

الحكم.. مادة قانونية غير مفعّلة في المحاكم
وأشار الأستاذ خبابة، إلى أن تعديل 2005، عزّز قضية الصلح، حيث يحدث الصلح بعد عدّة محاولات، عكس القانون القديم لسنة 1984، الذي ينص على أن الطلاق لا يثبّت إلاّ بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي، دون أن تتجاوز الفترة 3 أشهر.
وأضاف أنّ تعديل 2005، يؤكد أنّ الطلاق يأتي بعد عدّة محاولات للصلح، مع الإبقاء على مدة 3 أشهر، حيث يمكن للقاضي برمجة ثلاث جلسات صلح، مضيفا أنّ المحامي يمكنه الاجتهاد في تجنّب الخلافات أملا في وقوع الصلح، وذلك بقراءة مقتصرة للعريضة الافتتاحية، والتطرّق لطلب الطلاق، بذكر السبب مع نوع من الاختصار، ودون الإصرار على ذكر أمور حميمية دقيقة.
وأوضح، أن بعض المحامين يطلبون من موكليهم تسجيل عريضة باسمهم، فيما يتدخل هو بمذكرة، إضافية، حتى لا يقطع حبل الصلح.
وفي ما يخص المادة غير المفعلة في أقسام شؤون الأسرة بالمحاكم الجزائرية، يرى الحقوقي عمار خبابة، أنّ تجربته في المحاماة، أكدت له أن المادة رقم 56 من قانون الأسرة لا يعمل به رغم أهميتها، وهي تنص على أنّه “إذا اشتد الخصام بين الزوجين، ولم يثبت الضرر، وجب تعيين حكمين، للتوفيق بينهما، يعين القاضي الحكمين، حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة، وعلى هذين الحكمين تقديم تقرير عن مهمتهما في أجل شهرين”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!