-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قراءة في خلفيات قرار ترامب وتداعياته

محمد بوالروايح
  • 3194
  • 0
قراءة في خلفيات قرار ترامب وتداعياته

قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ليس مجرد قرار دبلوماسي كما يظن كثيرون، بل هو اعتراف صريح بالقدس عاصمة لما يسمى “إسرائيل”، والذي سيدخل الولايات المتحدة الأمريكية في دوامة من الصراعات الداخلية والخارجية.

لقد أحدث ترامب منذ مجيئه إلى البيت الأبيض قبل عشرة أشهر هزات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية بدءا بقضية الهجرة، ثم قضية الانسحاب من اتفاقية المناخ التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في اجتماع باريس بمعية عدد قياسي من الدول، ثم محاولة  تجسيد لوعده أو بالأحرى وعيده بإقامة الجدار العازل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك لوقف تجارة المخدرات، وبتمويل مكسيسي، قبل أن تظهر عقبات حالت مؤقتا من دون تنفيذ هذا الوعيد بسبب قرار البرلمان المكسيكي الامتناع عن تمويل المشروع لمساسه بالسيادة المكسيكية، وبعد كل هذا  يخرج ترامب على المجتمع الدولي بقرار عجيب غريب، وهو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الذي يعدّ سابقة في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، فقد سعى سابقوه لتجسيد هذا القرار لكنهم أعرضوا عنه بعد ذلك خشية ردة الفعل الدولية المتوقعة وخاصة ردة الفعل العربية والإسلامية. فما هي خلفيات وتداعيات هذا القرار؟

1- لترامب حتى قبل مجيئه إلى البيت الأبيض تحيزٌ ظاهر للدولة العبرية، لأنه يصنَّف سياسيا ضمن اليمين المتطرف الذي يرى أن إسرائيل أرض يهودية، وأنه ينبغي على العالم الإقرار بهذا الحق الإلهي الأبدي وقفا كما يزعم للظلم التاريخي الذي طال الشعب اليهودي، وحسما للجدل القائم حول الهوية الدينية “لدولة إسرائيل”، وما يؤكد ذلك هو ترحيب اليمين الإسرائيلي بوصول ترامب إلى البيت الأبيض، الذي يعني بالنسبة له انتعاش المشروع الاستيطاني في القدس الشرقية والضفة الغربية، ودعم المؤسسة الدينية اليهودية الذي تجسَّد بالدعم الأمريكي لتشييد الكنيس الملحق بالمدرسة الدينية اليهودية في مستوطنة “بيت إيل” حيث تطوع سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تل أبيب “رتزي إن ديفيد فريدمان” بجزء كبير من تكاليف تشييده حسب ما أذاعته قناة “بي بي سي” العربية، والتي أضافت بأن ترامب يعول كثيرا على صهره وحافظ أسراره “جاريد كوشنر”، والمدعوم من الحركات الاستيطانية لتحقيق “اتفاق السلام” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي سيكون قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بداية لتجسيده.

“قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس سيُفقد الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها في المنطقة العربية كما يصطلح على ذلك في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أثار موجة غضب عارمة في الساحة العربية الرسمية والشعبية على حد سواء.”

2- كان دعم اللوبي اليهودي لترامب في الحملة الانتخابية للرئاسيات الأمريكية كبيرا وواضحا مقابل التزام ترامب بتحقيق مشروع “القدس اليهودية”، وهو ما أعلن عنه ترامب في لقاء تلفزيوني بمدينة لاس فيغاس بعد فوزه بولاية كارولينا الجنوبية، حيث قال إن إسرائيل هي أرض السلام، وينبغي أن تتبوأ مكانتها في الشرق الأوسط كدولة حليفة وليس كدولة معادية، وذلك بعد رأب ما أسماه الصدع التاريخي القائم في العلاقات الإسرائيلية العربية منذ سنوات، والذي حال دون تحقق حل الدولتين الذي جاء به قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب 67، الذي لقي معارضة شديدة من أنصار مبدإ الدولة الفلسطينية الواحدة لتعارضه مع الميثاق الفلسطيني القاضي بتحرير كل فلسطين، ولكن بعد مدة عادت فكرة “حل الدولتين” لتشكل موضوعا لمفاوضات أوسلو الأولى والثانية والتي لم تنته إلى نتيجة تذكر بسبب تصلب الموقف الإسرائيلي وإصراره على الحل المستحيل كما يقول المراقبون السياسيون.

3- إن قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ستكون له بحسب المحللين والضالعين من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تداعيات خطيرة على الأمن الدولي وعلى أمن منطقة الخليج بصفة عامة، وفي هذا السياق، قال “فيليب غوردون” الذي عمل منسقا لشؤون الشرق الأوسط في إدارة أوباما: “إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيكون خطأ خطيرا، فهناك خطرٌ حقيقي بأن خطوة كهذه لن تؤدي فقط إلى اندلاع احتجاجات قد تتسم بالعنف ليس في القدس فقط، بل في سائر أرجاء العالم الإسلامي، ولكنها قد تقوِّض أيضا التعاون الأمني المتنامي بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، مثل السعودية وغيرها من دول الخليج التي تشترك مع الدولة العبرية في خوفها من النفوذ الإيراني المتنامي، كما أن نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس قد يقوض العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والأردن، وأن هذا القرار، رغم أنه  سيُسعد الإسرائيليين، فإنه سيخاطر بتقويض التفاهم الإسرائيلي- السني حول إيران، وبإعادة الملف الفلسطيني إلى الواجهة في وقت لا توجد فيه أي فرص حقيقية لتحقيق تقدم نحو السلام”.

وأقول تعقيبا على ذلك لقد جاء الرد العربي صادما لترامب ومتمسكا بمبدأ مركزية القضية الفلسطينية رغم ما يميز الموقف العربي من خلافات في قضايا سياسية وإستراتيجية أخرى، لا مناص من الاعتراف بأننا غير مؤهَّلين للفصل فيها، لأنها تهمُّ الأطراف المعنية بالدرجة الأولى، ولا نملك الحق ولا المعطيات الكافية بشأنها.

4 – قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس سيُفقد الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها في المنطقة العربية كما يصطلح على ذلك في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أثار موجة غضب عارمة في الساحة العربية الرسمية والشعبية على حد سواء، كما سيؤدي هذا القرار إلى ردة فعل المجموعة الأوروبية وخاصة بعد تحذير الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” من تبعات وعواقب اتخاذ قرار أحادي الجانب في مسألة شديدة الحساسية متعلقة بالقدس. كما سيؤدي هذا القرار إلى زيادة عزلة الولايات المتحدة الأمريكية من قبل دول آسيا وفي مقدمتها الدول الإسلامية وكذا دول أمريكا اللاتينية المساندة للقضية الفلسطينية والتي تميزها علاقات تاريخية وسياسية متوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية.  

5 – قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس سيكون بلا شك انتحارا سياسيا لترامب، وسيزيد من متاعبه الداخلية ويجعله في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الأمريكي، وبالخصوص مع المجموعات الاثنية المتحالفة والمناهضة للسياسة الأمريكية الحالية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!