-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تنقل وقائع محاكمة المتهم الرئيسي بالإفلاس الممنهج للمؤسسة العمومية

.. أسرار “تحطيم” النقل البحري!

نوارة باشوش
  • 16480
  • 0
.. أسرار “تحطيم” النقل البحري!
أرشيف

التمس وكيل الجمهورية لدى محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد، أقصى عقوبات في حق المتهمين المتابعين في ملف الفساد الذي طال الشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، إذ طالب بتوقيع عقوبة 10 سنوات حبسا نافذا في حق المدير العام للشركة “اسعد كمال”، و8 سنوات في حق المدير التجاري للشركة “بوزناد كريم”، و5 سنوات في حق كل من “إ. كمال” رئيس دائرة التشحين، ومسؤولة خلية التطوير والتسيير لنظام الحجوزات بالشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين “ش. إقبال”، ونائب مدير عام للشركة، “ع. ف”، مع غرامة مالية نافذة قدرها مليون دينار جزائري لكل متهم، ومصادرة جميع المحجوزات التي كانت تم تجميدها من طرق قاضي التحقيق الغرفة الأولى للقطب الاقتصادي والمالي.

كما طالب ممثل الحق العام بتوقيع عقوبة 10 سنوات في حق المتهمين الفارين من العدالة ويتعلق الأمر بكل من حموش أغيلاس وفار مليكة، مع تثبيت الأوامر بالقبض الدولي الصادر عن قاضي التحقيق.

وفي مرافعة قوية لوكيل الجمهورية، وصف وقائع الحال بـ”المخطط الممنهج لتحطيم الشركة العمومية ومن ثم الاقتصاد الوطني” مع الدوس على كرامة المواطن الجزائري الذي تعرَّض للإهانة والضرب في الخارج أمام مرآى وعدسات كاميرا العالم بسبب مطالبته بحق المشروع في الدخول إلى أرضه وأرض آبائه وأجداده.

واستهل ممثل الحق العام مرافعته بالقول “سيدي الرئيس، اليوم اتّضحت الرؤية وحُدّدت المسؤوليات، فالقضية المتابع فيها المتهمون اسعد كمال ومن معه، تم إحالتهم على محكمة الحال عن جنح  التبديد العمدي والاستعمال على النحو غير الشرعي لممتلكات وأموال عمومية واستغلال النفوذ وإساءة استغلال الوظيفة والمنصب، ومنح منافع غير مستغلة للغير، يضاف إليها جنحتي عدم التصريح بالممتلكات والإثراء غير المشروع بالنسبة للمتهم اسعد كمال”.

وكيل الجمهورية يلتفت إلى المتهمين، ثم يخاطب الرئيس قائلا “قضية الباخرتين القادمتين من مرسيليا شبه فارغتين يعلمها العامّ قبل الخاص، لقد وصل إلى مسامعنا ومسامع جميع الجزائريين أن الباخرة الأولى برج باجي مختار 3 أبحرت وعلى متنها 72 مسافرا و25 مرْكبة فقط، مع أن قدرة استيعابها محددة بـ1800 مسافر و600 مرْكبة، ونفس الشيء بالنسبة لباخرة طاسيلي 2 التي انطلقت من فرنسا بـ39 مسافرا و21 مركبة مع أنّ قدرة استيعابها هو 1300 مسافرا و270 مركبة”.

وعادت النيابة إلى الأزمة الصحية التي اجتاحت العالم “سيدي الرئيس، نعود إلى تاريخ غير بعيد.. نعم، خلال جائحة كورونا من لا يتذكر ذلك الرعب والهلع الذي ضرب أطنابه في كل أنحاء العالم، وكل الدول حاولت تقليص حجم الكارثة على مستواها، ودولتنا أول ما قامت به هو إجلاء المسافرين الجزائريين العالقين في أقطار العالم مجانا، وأكثر من ذلك قامت بكراء فنادق لمدة 15 يوما كفترة للحجر الصحي احتراما للتقارير الطبية وحفاظا على سلامة وكرامة المواطن الجزائري تحت الشعار المعهود والأصيل لبلادنا: “ما نخليش ولادنا مرميين في بلاد الناس”، وهي صور خالدة ستبقى راسخة في الأذهان وهنا يكفي، لأنّ الحديث ذو شجون”.

ممثل الحق العام تطرق إلى وقائع الملف ويعود إلى تفاصيل كل واقعة قائلا “المتهم إسعد كمال باعتباره، مديرا عاما للشركة يقول إن هذه الأخيرة عند توليه منصبه وجدها في أزمة مالية خانقة وفي وضع كارثي، ثم أصبحت في حالة جيدة وتضاهي المؤسسات الدولية حسب تقديره، نحن لا نشكك في ذلك ولم نتطرق إلى خبايا الإصلاحات والجهود التي بُذلت من أجل ذلك، لكن نحن كقانونيين، حدَّدنا الواقعة عبر سلسلة مركّبة من الركن المادي والمعنوي”.

وتأسف الوكيل للمواقف التي تعرّضت لها الجالية الجزائرية في المهجر حينما قال “المتهم إسعد كمال صرح بأنه عمل من أجل الحفاظ على صورة الشركة.. والله  سيدي الرئيس نحن أمام أمرين، عندما نرى الجزائري يهان ويُضرب أمام مرآى وعدسات كاميرات العالم، مشاهد تدمع لها العين، ومع هذا وبالرغم من انطلاق باخرتين في يومين من ميناء مرسيليا نحو الجزائر فارغتين، إلا أن المتهم يتشدَّق ويتباهي بتحقيق الربح، بل ويشدد على أن الشركة لم تتكبَّد أي خسارة.. لكن كما يقال شهد شاهدٌ من أهلها؛ فالشهود الذين مثلوا اليوم أمام هيئة المحكمة دحضوا إدعاءات المتهمين وأبطلوا حججهم الواهية”.

وختمت النيابة مرافعتها بالقول “سيدي الرئيس، الضرر الذي أصاب المؤسسة العمومية ثابت، وبعيدا عن لغة الأرقام، فسياسة بلادنا واضحة في جميع الظروف وكل الأحوال، عندما يتعلق الأمر بكرامة الجزائريين تحت شعار: النيف والخسارة”.

الشركة لم تتكبد خسارة بالأدلة والأرقام

واجه القاضي، المدير العامّ للشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين اسعد كمال، بحقيقة المراسلات والاتصالات عبر تطبيقة “الواتساب” بينه وبين الشركة الفرنسية المنافسة “كورسيكا”، إلا أن هذا الأخير شدد على أن الأمر يتعلق باستشارات وتفسيرات بخصوص فتح الرحلات والجانب التجاري لا غير.

القاضي: السيد اسعد كمال، بالإضافة إلى التهمة الموجهة إليك مع بقية المتهمين، فأنت متابعٌ أيضا بجنحتي عدم التصريح بالممتلكات والإثراء غير المشروع؟

المتهم: أنفي هذه التهم جملة وتفصيلا، فأنا شغلت منصب المدير العام للمؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين وهذا منذ تاريخ 3 أكتوبر 2021 إلى غاية بداية التحقيق في ملف الحال، ففي سنة 2013 تم تكليفي من قبل المديرية العامة للمؤسسة بإنجاز مشروع يتكفل بإعادة تنظيم المصلحة التجارية بفرنسا التي كانت تحت إشراف الشركة الفرنسية “كوريسكا”، وهي التي كانت تشرف على كل شيء، إلى غاية أن تم استدعائي من قبل وزارة النقل ومنحي منصب المدير العام للمؤسسة، ونجحنا في فتح 137 وكالة في أوروبا.

القاضي: عندنا شهادة المكلف بالمبيعات والتي تؤكد أن هناك شخصا يدخل في النظام ويقوم بتوقيفه وممارسات لا تخدم مصلحة الشركة، وقد وجّه عدة مراسلات إلى المدير التجاري بوزناد كريم، إلا أن هذا الأخير لم يُحرك ساكنا؟

اسعد: نعم سيدي الرئيس، بسبب ظاهرة الحجوزات الوهمية.

القاضي: التحقيقات الميدانية أثبتت أن أبسط الأعوان على مستوى الوكالات التابعة للشركة، يمكنهم الولوج للنظام ومعرفة قائمة الحجوزات والمسافرين، أهل هذا هو التسيير؟

اسعد: سيدي الرئيس، أنا قمت بإجراءات فورية بخصوص هذه المسألة، فقد قمت بفصل المدير الجهوي لوهران، كما أحلت 3 أعوان على المجلس التأديبي، والقائمة كانت مفتوحة.

القاضي: وماذا عن الرحلتين برج باجي مختار 3 وطاسيلي 2، بتاريخ 20 ماي لم يتمّ برمجتهما؟

أسعد: الرحلات الإضافية ليست مبرمجة، لأنها موسمية وغير رسمية.

القاضي: متى مُنحت لكم الموافقة على برنامج الرحلات؟

اسعد: في 20 ماي 2022، أي بعد اجتماع مجلس الوزراء.

القاضي: في 20 ماي منحوا لكم الضوء الأخضر لانطلاق الرحلات الإضافية أو العادية؟

اسعد: قبل 15 ماي لم يكن هناك أيُّ موافقة سيدي الرئيس.

القاضي فجأة يحاصر المدير العام للشركة الوطنية للنقل البحري والمسافرين ويواجهه بحقيقة الاتصالات بينه وبين الشركة المنافسة.

القاضي: من خلال التفتيش الإلكتروني تبين أن هناك مراسلات واتصالات هاتفية عبر تطبيق “الواتساب” مع مدير شركة “كورسيكا” فما هي علاقتك بهذه الشركة المنافسة وأنت كمسؤول أول عن الشركة الوطنية الجزائرية للنقل البحري للمسافرين؟

اسعد: سيدي الرئيس منذ أزيد من 40 سنة هناك تعامل مع شركة “كورسيكا” لأنها هي من كانت تشرف على عملية التنظيم وبيع التذاكر وكذا الحجوزات في فرنسا وأوروبا، إلى غاية أن كُلفت أنا شخصيا بمشروع إيجاد الحلول محل شركة “كورسيكا” التي كانت في طريق الإفلاس وهو ما نجحنا فيه فعلا، كما أن سوق الزبائن كان مقسّما بين الجزائر وفرنسا بنسبة 60 بالمائة لكورسيكا و40 بالمائة للشركة الوطنية، وبعد إشرافي على المشروع انقلبت الأمور أي 60 بالمائة للشركة الوطنية و40 بالمائة للشركة الفرنسية، أصبحنا ننافسها وفي بعض الأحيان نحقق أرباحا أحسن منها.

القاضي: نعود إلى قضية الاتصالات بينكما.

اسعد: كان فحواها حول فتح الرحلات والجانب التجاري وغيرها من المسائل التنظيمية.

القاضي: نعود إلى رحلتي 1 و2 جوان 2022، هل سمعت بهما قبل ذلك؟

اسعد: أنا “ما نسمعش.. وماشي تع قابلني ونقابلك” فأنا رجل ميدان وأعمل على أساس وثائق وأدلة وإثباتات.

القاضي: هناك مراسلاتٌ بينك وبين المدير التجاري عن عمليات الحجز، يعني ترسل له جواز سفر خاصّا بأحد الأشخاص وتطلب منه إمكانية الحجز له؟

اسعد: سيدي الرئيس أنا أدخل إلى مكتبي على السابعة صباحا، وأعلم مسبقا كم هو عدد التذاكر التي تم بيعها.

القاضي: وهل تعلم بتفاصيل رحلتي 1 و2 جوان؟

اسعد: أنا علمت في 29 ماي أن هذين الرحلتين ستكونان فارغتين.

القاضي: لماذا لم يتم إلغاؤهما إذن أو البحث عن حل؟

اسعد: من المستحيل إلغاؤهما لأن الباخرة أبحرت من ميناء الجزائر نحو مرسيليا بـ600 مرْكبة ونحو 1200 مسافر، ويجب أن تعود ولو فارغة بسبب برمجة رحلة أخرى على متنها بـ313 مركبة ونحو 85 مسافرا. وعلى هذا الأساس من غير الممكن أن ألغي رحلة من أجل أن أخسر أخرى لأن تكلفة زبون واحد تكلفنا 450 ألف أورو.

وأردف المتهم، قائلا: “إلغاء الرحلات يمسّ بسمعة الشركة ويفقدنا الزبائن، فضلا عن الفوضى العارمة التي ستعم بهو ميناء الجزائر وهذا من حق المسافرين الذين حجزوا تذاكر الذهاب”.

القاضي: لماذا بقي منصب رئيس محطة بالجزائر شاغرا؟

اسعد: سيدي الرئيس عندما استدعتني وزارة النقل لأشغل منصب المدير العامّ وجدتُ الشركة تتخبط في أزمة مالية خانقة وكانت في طريقها إلى الإفلاس، وأنا كنت على وشك الخروج إلى التقاعد، ومع هذا لبّيتُ نداء الواجب وتحملت مسؤولية الشركة، لأنه لو عملنا على أساس ومناهج القانون التجاري لأعلنّا الإفلاس.

القاضي: وماذا فعلت؟

اسعد: نعم، أنا قدّمت حلولا وعملت بكل جهدي لإيجاد مخارج للأزمة “الدراهم ما يروحوش في جيبي”.

القاضي: نعود إلى سؤالنا لماذا بقي منصب رئيس المحطة شاغرا؟

اسعد: كنت في فرنسا وعندما دخلت إلى الجزائر بعد تعييني مديرا عاما للشركة وجدت أن كل شيء تغير حتى الأشخاص، ولا بد أن أجري تغييرات.

القاضي: وماذا عن المفتشية التي كانت تعد تقارير سلبية ضدك، وعندما أصبحت مديرا عاما للشركة جمدت نشاطها وحتى رُخص دخول أعضائها؟

اسعد: أولا هذه التقارير التي قاموا بها في سبتمبر 2012، رُفعت إلى مصالح الوزير الأول أين تؤكد أنني “درت ودرت” والوزارة الأولى كلفت وزارة النقل التي قامت بتشكيل لجنة خاصة انتقلت إلى فرنسا وأجرت تحقيقها لمدة أسبوع كامل، وأعدت تقريرا مفصلا موجها للوزير الأول ووزير النقل، وتم إنصافي ودحضت جميع الإدّعاءات والافتراءات الموجهة لي.

القاضي: وما هو مصير المفتشية بعد أن توليتَ منصب المدير العام للشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين؟

اسعد: أولا هذه المفتشية تشكيلها كان خرقا واضحا للقانون، وأنا جمدت نشاطها بكل روح مسؤولية بسبب النفقات الباهظة التي تكلف المؤسسة ولم تحقق الغاية التي وُجدت من أجلها.

القاضي: هل التجميد تم شفاهيا أو عن طريق قرار؟

اسعد: لا سيدي الرئيس عن طريق قرار.

القاضي: وماذا عن عدم التصريح بالممتلكات؟

اسعد: أولا، أنا أجهل ذلك، وثانيا، لا أحد قدّم لي وثيقة تُلزمني بالتصريح بممتلكاتي، إذ لم يتم إخباري أو مطالبتي من قبل الجهة الوصية أو من أي جهة أخرى.

القاضي: بخصوص الإثراء غير المشروع؟

اسعد: عندي بيت بعد 42 سنة عملاً، أين هو الإثراء غير المشروع؟

القاضي: التحقيق أثبت الفرق الشاسع بين ممتلكاتك ومداخيلك، عليك أن تثبت أن ممتلكاتك مشروعة؟ ماذا عن مسكنك الواقع بمونبولي بفرنسا؟

اسعد: ليس ملكي بل هو إيجار.

القاضي: وماذا تملك أيضا؟

اسعد: عندي فيلا في أولاد فايت وشقّة في الشراقة والتي هي محل رهن لدى بنك “كناب”.

القاضي: لديك أملاك الإرث العائلي؟

اسعد: نعم، عندي عقارات بمسقط رأسي بولاية تيزي وزو.

القاضي: وماذا عن 39 ألف أورو المتواجدة في حسابك البنكي؟

اسعد: هي مدّخرات 11 سنة من العمل، فهي أموالي الخاصّة الناجمة من مداخيلي، علما بأنني كنت أتقاضى مبلغا يفوق 5 آلاف أورو شهريا، منذ 8 سنوات التي قضيتها بمرسيليا بفرنسا و3 سنوات قضيتها بإسبانيا، ورغم كل ذلك فإنني أقدمّ لهيئة المحكمة كل ما يدل ويبرّر مصادر ممتلكاتي الشرعية.

النيابة تتدخل وتطرح الأسئلة على المتهم اسعد كمال.

وكيل الجمهورية: أنت تحدّثت عن مسارك المهني ومساعيك لتحقيق مصلحة الشركة. أنت اليوم تحاكَم على أساس إبحار باخرتين فارغتين.. وأنت تقول إنك تعمل من أجل صورة الشركة.. ألا ترى أن صورة الجزائر هي التي شُوّهت عندما تم تعريض الجزائريين بميناء مرسيليا للضرب من طرف عناصر الشرطة الفرنسية، لماذا لم تتدخل؟

اسعد: بلى، سيدي الوكيل، فقد تدخلنا لتأمين الوكالة ووفرنا حراسة مشددة.

ممثل الحق يثور ضد المتهم ويخاطبه “واش أدّخلت”؟

اسعد: الوكالة حينها سادتها فوضى عارمة.

وكيل الجمهورية يقاطعه الحديث ويقول له إذا كنتَ قد رأيت أن صورة الجزائر كانت على المحك في الخارج، ماذا فعلت لإنقاذ هذه الصورة؟

اسعد: سيدي الرئيس تدخّلت في الوقت المناسب وراسلت السلطات العليا للبلاد وقمت بجميع الإجراءات اللازمة.

وكيل الجمهورية: أنت قدّمت أرقاما ووضعيات على أساس أن الشركة ربحت مع أنها خسرت؟

اسعد: الشركة لم تخسر.

وكيل الجمهورية: يكفي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!