-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 أين الجزائر من مراكز الدراسات؟

 أين الجزائر من مراكز الدراسات؟
ح.م

بإشراف الوزير الأول، عبد العزيز جراد، شخصيّا على تنصيب عبد العزيز مجاهد مديرا عامّا لمعهد الدراسات الاستراتيجية الشاملة في الجزائر، يطفو السؤال مجددا: أين نحن من مراكز الدراسات؟

تأكيد جراد أن الرئيس عبد المجيد تبون يولي اهتماما خاصّا لهذه المؤسسة، بالنظر إلى الدور المنتظر منها في إعطاء “دفع جديد لمجال الدراسات الاستراتيجية في تحقيق الأهداف الـمسطرة لبناء الجزائر الجديدة”، هو كذلك اعترافٌ ضمني أنها كانت مغيَّبة تماما طيلة سنوات وربما عقود ماضية، على غرار مؤسسات دستورية لم يكن لها من تأثير في صياغة السياسة العامة في ظل الحكم الفردي التسلطي الذي شخْصَن الدولة برمَّتها وفق منطق “ما أريكم إلا ما أرى”.

تصفّحٌ سريع للموقع الإلكتروني لمعهد الدراسات الشاملة في الجزائر يشكل لديك الانطباع النهائي بأنها مؤسسة افتراضية، فهو مجرّد نافذة بدائية غير محيَّنة تمامًا، ولا أثر فيها لأيِّ منشورات أو إنتاج معرفيّ، وهو ما جعله فضاءً منسيّا وسط النخب والباحثين ضمن رحلتهم حول مراكز التفكير، لأنه لا يوفّر أيَّ وثيقة مرجعية يمكن أن تكون مفيدة لهم، ولا يمكن تبرير ذلك بالطابع السرّي لأبحاثه الموجهة لأجهزة الدولة.

حالة المعهد المذكور هي صورة واضحة لواقع التفكير في الجزائر ومدى مشاركة البحث في توجيه السياسات العامة وتحليلها، وتوفير المعلومات لها في اتخاذ القرارات المناسبة، واستشراف مساراتها المستقبلية، إذ أن السلطة في بلادنا كانت تُمارس بمزاجيّة وفق آليات إقصائية للعقل والرأي الآخر، لأن الحاكم عبقري متجاوز للقدرات البشريّة، وفي غنى عن كلّ مشورة أو نصح.

لقد تجاوز العالم المتقدِّم التأسيس للمؤسَّسات البحثية والاعتماد عليها في صناعة السياسات إلى طور آخر من الرصد ومتابعة مدى تأثيرها فعليا في صناع القرار على المستويات المحلية والإقليمية والدوليّة، إذ انطلق معهد لودر لجامعة بنسلفانيا الأميركية منذ سنة 2006 في إعداد تصنيف سنوي لمراكز التفكير (Think Tanks)، (وهو أحد أهمّ المؤشرّات العلمية وأكثرها صرامةً)، بهدف تحديد أفضلها عالميّا من حيث الإنتاج المعرفيّ، وكذلك ترتيبها وفق مساهمتها في تخصصات محدَّدة، مثل الأمن القومي والاقتصاد والتعليم والطاقة والسياسة الخارجية والتكنولوجيا وغيرها.

من البديهي أن تظل الجزائر بواقعها المتردّي خارج مؤشر معهد بنسلفانيا، في وقت يتربع “مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية” على المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثلاث مرات متتالية، بينما يتصدّر إفريقيا “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، بالمغرب.

من المؤسف أن الجزائر التي تبقى بعيدة تماما عن مراكز التفكير، هي واقعيّا في أمسِّ الحاجة إلى العناية الخاصة بها وبتشجيعها، كونها تعيش منذ عقود مرحلة انتقال سياسي واقتصادي وثقافي ومجتمعي، ضمن رهانات إقليمية معقدة، وكذلك بالنظر لحيازتها إمكانات هيكليّة وموارد بشرية هائلة، تستند إلى أكثر من 100 مؤسسة جامعية و2 مليون طالب جامعي وعشرات الآلاف من أساتذة التعليم العالي بمختلف مستوياتهم وتخصُّصاتهم.

صحيحٌ أن الاهتمام بمراكز التفكير الستراتيجي يرتبط عضويا بامتلاك السلطة السياسية لمشروع وطني حضاري وسياسي إقليمي، يدفعها إلى التخطيط وفق منهجيات علمية دقيقة ويحرِّكها في اتجاه توظيف أدوات القوة الناعمة في اختراق المنطقة المستهدَفة، لكن ذلك لا يسوّغ غيابها تماما في كافة المستويات، بما فيها المجتمعيّة.

لقد انتقلت عدوى تهميش العقل والفكر والمعرفة في تحليل التحوُّلات ورصد التغيرات وصياغة التصوُّرات والأهداف والبرامج من السلطات العمومية إلى النخب السياسية والماليّة، إذ نفتقد في الجزائر إلى مراكز تفكير مستقلة من تمويل أحزاب كبرى، أو تيارات فكرية، أو رجال أعمال وشركات اقتصادية ومؤسسات إعلاميّة، مثلما هو معمولٌ به في كل دول العالم، وهذا ما يؤكد علاقة التنافر مع الفكر وطغيان الحسابات الماديّة، لأنّ المال كعصب للحياة ليس العائق الوحيد في هذه القضيَّة الذهنية الثقافية بالأساس.

من البديهي أن التوجُّه نحو تفعيل الفكر والرَّصد العلمي والاستشراف يظل مرهونا بتوفّر مناخ الحريات العامّة والأكاديمية وفتح آفاق التغيير والانتقال نحو طور جديد من الآمال الوطنية، لكن الأمر كذلك على الصعيد المجتمعي السياسي والإعلامي بحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات والحاجيات والنظر نحو المستقبل بعقلانيّة، لأن الاستثمار في المعرفة هو السبيل لإنتاج القوة الفعلية الأكثر قدرة على التأثير مهما كانت العوائق الخارجية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Nacereddine Boukra

    السلام عليكم صحيح هذا هو الحل واجب عل الدولة أن تعطى الفرصة لكل من له فكرة أو حلول للنهوض بالإقتصاد بمشاركة الخواص وخاصة لا ننسى الدعاء

  • المتمرس

    العزف على العود والناس رقود