-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام أساسه الحقائق لا الأوهام

بقلم: محمّد الغزالي
  • 358
  • 0
الإسلام أساسه الحقائق لا الأوهام

لبعض المتصوفين شطحات تحسب عليهم ويحذر المسلمون منها، قد تكون شطحات فكرية مثل ما روي عن محيي الدين بن عربي من توبة فرعون! فقد زعم أن فرعون رجع إلى الله صادقا ومات طاهرا! ذلك أنه لما أدركه الغرق ((قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين))! قال ابن عربي: قبل الله إيمانه وتوفاه مسلما! وهذا كلام موغل في الخطأ، بل موغل في السخف. وقد أجمع فقهاء الأمة سلفا وخلفا على أن فرعون وأمثاله من أركان جهنم، وأن توبته عند الغرق لا تساوي شيئا.. وفي آيات كثيرة ما يحدد مصيره: ((يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود)).

ابن عربي رجل يصيب ويخطئ، والمخوّف منه ومن غيره أن يفكر بالطريقة التي تحلو له، ثم يلتمس إلى تقوية فكره العليل فيقول جاءني الرسول في الرؤيا، واعتمد مؤلفاتي، وقال لي: انشرها على الناس! ورؤيا ابن عربي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تصوّب له خطأ ولا ترجح له ظنا، ونحن ننقد أقواله دون أي نظر إلى هذه الرؤى.. وأذكر أن مؤذنا بالريف المصري كان يضم كلمة “سيدنا” إلى “أشهد أن محمدا رسول الله”، فلما جُودل في ذلك زعم أن الرسول أقره عليها في المنام! وقلت للرجل: إن دين الله اكتمل في اليقظة جهارا نهارا، وليس بانتظار رجل يثقل في الطعام ثم يهرف في المنام!

المسلم رجل جيد العقل يلتمس الحق من مصادره وحدها، فإذا عرفه التزمه واحترمه واستقام على طريقه حتى يتوفاه الله، وليست للتخامين والأوهام مكانة في فؤاده لأنه -كما أمره الله- لا يقفو ما ليس له به علم. مع لزوم التقوى وإدامة العبادة يتكون من ضمير المؤمن حس ذكي ينفر من الشر والقبح، وينجذب إلى الخير والجمال، ويحب أقواما ويكره آخرين، وينصر قضايا ويهزم أخرى… وهذا الحس يخبو ويصفو مع قوة الإيمان وضعفه، وشدة السير إلى الله أو وهنه. وقد وردت بذلك آيات جعلت الإيمان حياة من موت، وضياء من ظلمة، وفرقانا من لبس، ورحمة من عناء! ((أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)). على أن المؤمن في صباحه ومسائه ما يستغني عن الأدلة الموجهة حسية كانت أو معنوية، إحساسه الخاص لا يقوم بإزاء القرائن الظاهرة والشواهد القاهرة.

ولقد جاء في الأثر أن المؤمن ينظر بنور الله، وكثيرا ما تصدق هذه الفراسة. ولكن هل هذه الفراسة تصل إلى مجالس القضاء وتثبت بها قضايا ويدان بها خصوم؟ كلا، إنها حجة قاصرة، لا، بل هي حديث نفس تخطئ وتصيب، ومهما بلغت قوتها فلن تعدو روع صاحبها.. إنه ارتقاء عظيم أن تتجاوب نفس مع حقائق الكون، وقد شعرت بأقدار المؤمنين العارفين عندما رأيت رب العالمين يقرنهم بذاته وملائكته، ويكشف عن شهودهم لله الواحد، وإذعانهم لعدله المطلق: ((شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)).. هما ابنان لآدم، أحدهما لا يعرف إلا نفسه وهواه ومتقلبه فوق هذا التراب. والآخر طوى الملكوت كله في فؤاده، وعرف نور السماوات والأرض وارتبط به، واستعد للقائه، وادخر الكثير عنده.. ما أبعد الشقة بين الابن العاق والابن البار، ما أبعد الشقة بين المؤمنين والكفار! وبعد الشقة يجيء من الفرق بين رؤية محدودة محجوبة، ورؤية تنظم الآفاق وتخترق الأسوار وتشهد الواقع كما هو لا كما يرسمه الخيال.. لقد عرفوا الصدق بأنه مطابقة الخبر للواقع، ومن ثم فالإيمان الصادق ليس وجهة نظر لصاحبه وإنما هو إدراك الحق بلا مغالاة ولا تفريط، إدراك الحق كما هو. (من كتاب “دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين”).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!