-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأسف لا يكفي يا ماكرون!

الأسف لا يكفي يا ماكرون!

لا يمكن لتلك العبارات الفضفاضة الصّادرة عن الرّئاسة الفرنسية أن ترمّم العلاقات الجزائرية الفرنسية، خاصّة أن خلفية التّصريحات الجديدة واضحة وتتعلّق برغبة باريس في حضور الجزائر مؤتمرا دوليا حول ليبيا بالعاصمة الفرنسية باريس، وهي الدّعوة الصّريحة التي جاءت على لسان مستشار للرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي أكَّد فيها أنّ الجزائر لاعبٌ رئيسي في المنطقة، وأنّ ماكرون يأمل في مشاركة الرّئيس عبد المجيد تبون في مؤتمر باريس حول ليبيا، وقال إنّ الرئيس ماكرون يكنُّ احترامًا كبيرًا للأمّة الجزائرية ولتاريخها ولسيادة الجزائر.

لكن؛ يبدو أنّ هذا الأسف الفرنسي ليس بسبب التّصريحات المستفزّة التي أطلقها ماكرون قبل شهر والتي أساء فيها إلى الجزائر وتاريخها بنفي وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، ولكن الأسف هو أنّ هذه التّصريحات أسيء فهمُها من قِبل الجزائر، ما يكشف أن أسلوب المكابرة لا زال يميّز الذّهنية الفرنسية، فحتى الاعتذار لم يأتِ على لسان الرّئيس الفرنسي الذي كان أطلق التصريحات المسيئة بنفسه، كما أن هذا الاعتذار لم يكن صريحا وإنما فيه الكثير من المراوغة بالادّعاء أنّ الطّرف الجزائري أساء فهم تصريحات ماكرون.

وعلى الرّغم من ذلك؛ فإنّ تصريحات الرّئاسة الفرنسية تكشف نوعا من النّدم على ما قاله الرّئيس ماكرون من جهة، كما تكشف حالة التخبُّط الدّاخلي التي سبَّبتها القرارات المتّخذة من قبل الجزائر عقب تصريحات ماكرون، حين أغلقت الأجواءَ الجزائرية في وجه الطيران العسكري الفرنسي، واستدعت السّفير الجزائري للتشاور، فضلا عن سلسلة من التّصريحات القوية الصّادرة عن المسؤولين الجزائريين بشأن العلاقات مع فرنسا، إضافة إلى توجّهات جديدة في السّياسة الخارجية الجزائرية عبر مد جسور التعاون مع دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وألمانيا وتركيا، ما شكّل رسالة واضحة إلى فرنسا فحواها أنّ الجزائر قادرة على التخلي عن علاقاتها الاقتصادية مع فرنسا.

إنّ الملفّات التي تفخّخ العلاقات بين الجزائر وفرنسا أكثر من مجرّد تصريحات مستفزة، والتّحول الذي يحدث في الجزائر بعيدا عن النّفوذ الفرنسي لا يمكن أن يوقفه شبه اعتذار، لأنّ الأمر يتعلق بجيل جديد نشأ على القيم الوطنية، وبدأ يتخلص من بقايا الماضي الاستعماري، وأنّ النّفوذ الفرنسي في الجزائر يتقلّص باستمرار حتّى وإن كانت العملية بطيئة، وأهمّ أوجُهِ هذا التّحول هو التّخلي التّدريجي عن اللّغة الفرنسية من قبل الأجيال الجديدة التي تعلَّمت بالعربية وانفتحت على اللغات الأجنبية وعلى رأسها الانجليزية.

لا يكفي “الأسف” لتجاوز التّصريحات التي أطلقها الرّئيس الفرنسي، لأنّه عبّر عن مبدأ طالما اعتنقته الدّوائر الرسمية الفرنسية، وهو المبدأ الذي كان عماد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وما قاله ماكرون هو صدى لما كان يُقال على مدار 132 سنة، بل إنّ بعض الجزائريين الذين تأثّروا بالأطروحة الاستعمارية قد ردّدوا الفكرة ذاتها في مرحلة تاريخية معينة، لكن سرعان ما تخلوا عنها بعد أن انتفض الجزائريون في أعظم ثورة في التاريخ المعاصر، ولقنوا الاستعمار درسا لن ينساه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!