الحسابات الجيوسياسية تهدد صادرات الغاز الجزائري نحو أوروبا
بعد نحو ثلاثة عقود من سيطرة الغاز الجزائري على حاجيات اسبانيا، حدث تطور مفاجئ ولافت، قفزت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة، باحتلالها المرتبه الأولى من حيث صادرات الغاز إلى هذه الدولة التي تعتبر أول زبون للجزائر منذ عقود.
آخر التطورات في هذا المجال تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تحتل المرتبة الأولى من حيث صادرات الغاز إلى اسبانيا مزيحه الجزائر من المرتبة الأولى، حيث كشفت شركه “كريس” الاسبانية المعنية بتسيير احتياطيات المحروقات، أن صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إلى اسبانيا من الغاز أصبحت تعادل 27 بالمائة في فبراير 2020 ما يعني أن الجزائر أصبحت في الرتبة الثانية من حيث صادرات الغاز إلى هذا البلد، وقد قدرها المصدر ذاته بواقع 22.6 بالمائة من حاجيات اسبانيا من الغاز .
وظلت الجزائر على مدار ثلاثة عقود الممول الرئيسي لإسبانيا بالغاز وهي المعادلة التي تغيرت منذ تحول الولايات المتحدة الأمريكية من مستهلك للغاز إلى مصدر له، وذلك بفعل الطفرة التي يشهدها هذا البلد على صعيد إنتاج الغاز والزيت الصخريين.
وتوعز الشركة الإسبانية المكلفة بتسيير احتياطيات المحروقات هذا التطور إلى السياسة التي باشرتها الحكومه الجديدة منذ وصولها إلى الحكم في عام 2018، حيث قامت بتنويع صادراتها من الغاز والنفط، حيث اشترت كميه معتبره من النفط الأمريكي والفنزويلي وذلك في سياق تنويع مصادر الطاقة، على حد ما ذكرته شركه كريس التي أكدت أن اسبانيا استوردت في سنه واحدة ما يعادل 1.82 مليون طن من النفط الفنزويلي، فيما زادت نسبة شرائها من النفط الأمريكي ما نسبته 58 بالمائة اي 1,4 مليون طن في السنة.
ولم تكن هذه السياسة خاصة بإسبانيا وحدها، بل تعتبر توجها باشره الاتحاد الاوروبي لالتقاء مصلحته مع اسبانيا التي تسعى إلى جعل شبه الجزيرة الإيبيريه مضيقا لنقل المحروقات بنوعيها من مختلف مصادرها ونقلها إلى باقي الدول الأوروبية، أملا في تحصيل امتيازات، وهي الرغبة التي أبانت عنها مدريد من خلال استقطابها للنفط والغاز الأمريكيين وكذا النفط الفنزويلي.
ويرجع المراقبون هذا التوجه إلى تقاطع المصلحة بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، مدفوعين بالرغبة في الحد من التبعيه للغاز الروسي القادم من الشرق، والذي يعتبره الإستراتيجيون في بروكسل ورقه ضغط في يد موسكو من اجل فرض أجندات معينه على الدول الأوروبية.
ومعلوم ان اسبانيا يصلها انبوبان من الغاز الجزائري، الأول هو ميدغاز ويربط البر الجزائري بالإسباني مباشرة، من ميناء بني صاف باتجاه الميريا وتسيطر شركة سوناطراك على غالبية أسهمه، والثاني يربط الجزائر باسبانيا عبر البر المغربي، وهو اقل اهمية، ويقال بأن الجزائر قد تقدم على وقف استغلاله قريبا.
وكانت الصحف الأمريكية قد تحدثت عن وعد قطعه رئيس اللجنة الأوروبية، جون كلود يونكر، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاده وجود رغبه لدى الاتحاد الأوروبي في رفع نسبه واردات الدول الأوروبية من الغاز الأمريكي المميع إلى مستوى يجعلهم مستوردين كبار من الغاز الأمريكي، وهو الجديد الذي لم ينظر اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعين الرضي، ما دفعه إلى التهديد برفع ورقة الأسعار في وجه الغاز الأمريكي.