انتخابات القتل ببشاعة أقل
“طوفان الأقصى”، تحوّل بالفعل إلى طوفان سياسي عارم، لن يكون العالم بأسره بعده كما كان قبله: تاريخ مفصلي لحقبة زمنية قادمة، لا أحد يمكن أن يتنبأ بعواقبها.
استمرار الإبادة في غزة بعد مرور أكثر من سنة، فيما تستمر المقاومة الشرسة من تحت الرماد والردم، توسُّع رقعة الحرب والاعتداء الإجرامي إلى لبنان، وقد تمتد إلى دول أخرى بالمنطقة، وقد تفجر حربا إقليمية، إن لم تُشلّ يد الإجرام الصهيوني المطلوقة، المحمية من الإدارة الأمريكية والغرب بشكل عامّ: إجرام لم يسبق له مثيل في العالم، ينفَّذ منذ 13 شهرا أمام تلفزيونات العالم، ولا أحد يتحرَّك، وكـأن القانون الدولي لم يعد موجودا، والعالم أصبح بلا ضمير وبلا أخلاق وقد عدنا إلى الوحشية الأولى، وإلى قانون الغاب.
في هذه الأثناء، تنطلق الانتخابات الأمريكية، في أجواء مشحونة تهدّد بفوضى أخرى بعد النتائج، وبخطاب غير تقليدي في حملة انتخابية دعائية أقل ما يقال عنها “عدائية” لا “تنافسية”، بين مرشحي حزبين لا يختلف أحدهما عن الآخر إلا في القشور السياسية الداخلية، فيما يتفقان حد النخاع في ضرورة تحييد المقاومة بجرائم أقلّ بشاعة، لضمان “أمن الكيان” وهيمنته على المنطقة. كيان، يبدو كحيوان بري ينزف، يدوس ويخرِّب في طريقه كل شيء يتحرك، بلا بوصلة ولا هدف، من غير الانتقام وحب سفك الدم رغبة في البقاء ولو وحيدا فوق ركام الأشلاء: هذا الكيان الذي يعيش أياما أخرى في عزِّ الحرب والعدوان الغاشم والوحشي على كل الجبهات، يعيش حالة فضيحة مدوِّية لم يعرف لها مثيلا منذ أن غُرس كجسم غريب في نسيج الجغرافيا العربية، فضيحة التسريبات التي قد تهز أركان الكيان القائم من الداخل.
هذا الداخل، المنقسم على نفسه، هو الذي يدفع بمجرم الحرب والإبادة، إلى المضيّ قدُما في الإجرام والإبادة الشاملة إلى النهاية، والتي قد تجلب له نهايته الحتمية عما قريب: هروب إلى الأمام، من المحاكمات بتهم الفساد والجرائم، كمن يهرب من النار إلى الرمضاء. هروب، قد لا يعمِّر طويلا، مهما كان شكل ونوع ولون ساكن البيت الأبيض: فترة انتقالية إلى غاية نهاية جانفي 2025، قد يستغلها للمضيّ قدُما في العدوان، وقد يلجأ إلى خيار تصعيدي لخلط الأوراق قبل أن ينتهي أجله.
التحقيقات الداخلية، والتي حاربها بدعوى الحرب، رئيس وزراء الكيان، يبدو أنه لن يجد مخرجا منها بعد فضيحة تسريب وتزوير الوثائق السرية التي سرقها معاونوه من الأجهزة السرية، بطلها مكتب كبيرهم. التحقيقات معه حين يأتي يومها، قد تُثبت بأنه كان وراءها: تسريبا وسرقة وتزويرا، بغرض “تضليل الرأي العامّ الداخلي” والضغط على عائلات الأسرى ومنعهم حتى من التظاهر في “عزِّ الحرب”. مضمون الوثائق التي زوِّرت ثم سرِّبت إلى مجلة “بيلد” الألمانية، مفادها أن الشهيد السنوار كان “يتخفى في الملاجئ مستعملا الأسرى دروعا بشرية”، وهذا لتبرير الإخفاق في تحرير هؤلاء الأسرى، ثم أن كذبة أنّ “السنوار كان ينوي تهريب الأسرى إلى إيران”. هذه المزاعم المسرَّبة من طرف كبير العصابة نتنياهو، بلا شك كانت تهدف إلى تبرير احتلال رفح ومحور صلاح الدين لمنع تهريب الأسرى، اتّضح أنها كانت كلها تلفيقات وتضليلا وأكاذيب، بطلها مكتب كبيرهم الذي علّمهم السحر. أما الآن فاعتقالات من حوله من عملاء ومساعدين خاصين به، لتورّطهم في الفضيحة، فقد توصل التحقيقات إليه شرارة النار التي ستطالهم جميعا عما قريب سواء من المقاومة أو من الداخل. وبئس المصير.