-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انقذوا المدارس العليا للأساتذة

انقذوا المدارس العليا للأساتذة

نشأت المدارس العليا للأساتذة في منتصف الستينيات، وعلى رأسها المدرسة الأم (مدرسة القبة) التي مرّ على إنشائها 60 سنة حيث دشنت سنة 1964. وكان آلاف الخريجين من هذه المدارس قد انتشروا في المؤسسات التعليمية عبر القطر منذ ذلك التاريخ، والتحق المئات منهم بسلك التعليم العالي بعد أن واصلوا دراساتهم العليا في مختلف الجامعات أو في هذه المدارس ذاتها حين أتاحت لها الوزارة فتح باب تأطير الماجستير والدكتوراه، وإنشاء عديد المخابر التي تُعنى بالبحث العلمي فأبلت البلاء الحسن.

وكان يُثنى على المدارس..
هذا ما كان عليه الأمر قبل نحو عقدين. غير أن نظرة الوزارة الوصية إلى هذه المدارس تغيّرت شيئا فشيئا لسبب في نفس يعقوب بعد إدخال نظام “ل م د” في الجامعات، وتجلّت آنذاك تحفظات كثيرة بشأن فتح الدراسات العليا ومخابر البحث فيها. فأُوقف تكوين طلبة الدكتوراه والماجستير – بعد أن كان متاحا- ثم منع فتح الماستر ولم يتم معادلة شهادته بشهادة الليسانس (باك+5) التي تمنح في هذه المدارس. وبهذه الخطة قطعت الوصاية الطريق أمام المورد البشري (طلبة الدراسات العليا) الذي كان يبعث الحياة العلمية والبحثية في المدارس. وكان المبرر الرسمي للوزارة في هذا التوجه هو أن المدارس العليا للأساتذة مؤسسات مهمتها تكوين المكونين لوزارة التربية وليس تكوين باحثين ولا هي مكان للبحث العلمي!
وعندما اشتد الصراخ والتذمّر في المدارس خلال سنوات عديدة وازداد التنديد بهذا الموقف الغريب من الوزارة فُتحت شهادة ماستر بطريقة غير سليمة لذرّ الرماد في العيون، ومنذ سنتين أعيد فتح شهادة الدكتوراه بعد طول انتظار واحباط كبير للأساتذة في مخابر البحث. كما أن الوزارة تقبلت بعد امتناع دام سنوات أن يشارك خريجو المدارس (بعد 5 سنوات من الدراسة) في مسابقات الدكتوراه مثلهم مثل حملة الماستر… وفي تلك القرارات ارتجال ظاهر وباطن.
لقد أضرّ هذا الوضع المتقلب كثيرا بمسيرة المدارس العليا وكَسَر شوكتها وأدى إلى ظهور أجواء احتجاجية وإضرابات لا تنتهي تُعْلن لأتفه الأسباب في هذه المؤسسات من قبل الطلبة منذ نحو عقد من الزمن… حتى أصبح جوّ الاحتجاج والتوقف عن الدروس هو الجوّ الطبيعي. ومن ثم سقط مستوى التحصيل العلمي لدى الطالب سقوطا حرًا حيث أصبحت الشهادات تسلم للطلبة وهم لم يتمكنوا بسبب كثرة التوقفات عن الدراسة من متابعة الجزء الأكبر من البرامج الدراسية. ولا شك أن المفتشين في التعلم الثانوي والمتوسط قد لاحظوا تدهور المستوى في الميدان.
قبل سنوات كان يَروي لنا هؤلاء المفتشون أنهم عندما يتفقدون أستاذا متربصا بغية ترسيمه في منصبه فهم يرسمونه تلقائيا إذا ما علموا أنه من خريج المدارس العليا. أما الآن فلا نعتقد أنهم يعاملون هذه الفئة بتلك المرونة، ويحضرنا هنا ما فاجأنا به قبل سنتين متخرّج من المدرسة العليا للأساتذة (القبة) مارس التدريس 4 سنوات ولم يتم ترسيمه بل يبدو أنه طُرد من التعليم… فقد قدم إلى مدرسة القبة لينضم إلى المضربين من الطلبة آنذاك مبررا ذلك بأن المدرسة التي تخرّج منها يجب عليها أن تدافع عنه لأن عدم ترسيمه يُعدّ إهانة لها!

أما الآن فحدّث ولا حرج..
ومن الإهمال الصارخ الذي تعاني منه المدارس العليا للأساتذة أننا لم نسمع قط بمناهج دراسية تظل بدون إصلاح خلال ربع قرن إلا في هذه المؤسسات إذ وضعت هذه المناهج في مطلع هذا القرن اعتمادا على برامج التعليم الثانوي التي كانت سارية في التسعينيات. وشتّان بين مستوى الحاصلين على الباك قبل وبعد دخول اصلاح المنظومة التربوية حيز التنفيذ.
ولو كانت الوصاية حريصة على المدارس كما تحرص على الجامعات لألزمت المعنيين بإصلاح محتوى المناهج الدراسية بما يتماشى مع مستوى حملة الباك الجدد. والتسيّب في هذا الموضوع جعل بعضهم يسمحون لأنفسهم بتدريس مقررات سنوية خلال سداسي دون تغيير في الحجم الساعي الأسبوعي. بمعنى أن الطالب يتلقى في أحسن الأحوال نصف المقرر وتمنح له في آخر المطاف الشهادة كما لو كان غطى كل عناصر المقرر. وزادت الطين بلة فترة كورونا إذ كانت الشهادات تمنح بأدنى تحصيل علمي وأثّر ذلك سلبا في تسيير الشؤون البيداغوجية وكأن فترة كورونا صارت هي المرجع من حيث حجم ونوعية التحصيل العلمي.
والآن طلبة المدارس غاضبون ومضربون بسبب ما سيرد -حسب زعمهم- في القوانين الجديدة التي تخص تكوينهم ومهنتهم، وهي قوانين، حسب علمنا، لم تصدر رسميا لحد الساعة. فمن مخرجات هذه القوانين نقطتان غريبتان هما:
أولا: يُذكر أن هذا القانون يفرض مدة أطول في التكوين: 6 سنوات تكوين للتدريس في المرحلة الثانوية و 5 سنوات للمرحلة المتوسطة و 4 سنوات للمرحلة الابتدائية. وهذا يعني إضافة سنة تكوين لكل مرحلة. ويبدو أن الدافع الوحيد لتمديد مدة الدراسة هو تبرير الزيادة في الرواتب!! إنه منطق غريب حقا لا يستحق حتى الخوض فيه لعدم جديته. فالسؤال الذي ينبغي طرحه هو: هل 5 سنوات كافية ليستوعب الطالب مستلزمات ما يتطلبه التدريس في الثانوي أم لا؟ الجواب، بكل تأكيد، نعم… شريطة أن يغلق باب الإضرابات المتواصلة. وفي هذه الحالة علينا أن ننكبّ -بدل العبث بمدة التكوين- على تحليل أسباب الإضرابات المتكررة في المدارس. ثم ألا يعلم هؤلاء أن إضافة سنة دراسية تتطلب من الوصاية مدرّسين وتسطير مناهج وإيجاد قاعات تدريس وإسكان الطلبة وإطعامهم خلال سنة، ويتعيّن على الطالب التضحية بسنة من عمره عبثا. فلِمَ كل هذا الهدر للطاقة والمال والوقت؟ وبطبيعة الحال، فالملاحظة نفسها قائمة فيما يخص إضافة سنة دراسية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.
أما تبرير الزيادة في الرواتب فينبغي أن يبحث عنه المسؤولون في أبواب أخرى وليس بهذه الحلول التي لا يقبلها عاقل.
ثانيا: يردد الطلبة المحتجون التأكيد على أنه ورد أيضا في القانون الجديد والقديم أن شهادة الليسانس باك+5 في المدارس لا تعادل في الوظيف العمومي شهادة الماستر، أي أن تصنيف خرجي الجامعات بالماستر أعلى من تصنيف خريجي المدارس في سلك التوظيف رغم أن طلبة المدارس يزاولون تكوينهم مدة 5 سنوات (مثل حملة الماستر) ويدخلون المدارس بمسابقة بعد الباك. ومن ثم لا نجد أي مبرر سليم المنطق لهذا التصنيف المجحف في حق خرجي المدارس العليا للأساتذة.
فمن حيث عدد سنوات الدراسة يتضح أن الفئتين متكافئتان. وأما من حيث مستوى التكوين فخريجو المدارس يُعدون أفضل من غيرهم لأداء مهنة التدريس بحكم طبيعة المناهج التي اتبعوها خلال دراستهم. والغريب حسب ما يردده المضربون أن هذا الوضع غير العادل من المنتظر أن يظل ساريا حتى بعد أن تضاف سنة لمدة التدريس. ألا يعدّ ذلك أكثر من استفزاز لطلبة المدارس العليا للأساتذة؟
لقد ضيّعنا وقتا ثمينا في المدارس العليا للأساتذة وصار تراكم عدد من المشاكل ظاهرا للعيان يعبر عنه الأساتذة بإحباطهم الجماعي والطلبة بالإضرابات المتواصلة. ولذا لا بد أن تدرك الوزارة الوصية ومختلف السلطات المعنية أن من واجبنا جميعا إنقاذ هذه المؤسسات التي يُعوَّل عليها كثيرا لرفع مستوى التعليم في البلاد، وما نظن توسيع شبكة المدارس العليا للأساتذة التي تسعى إليه الآن وزارة التعليم العالي بمجدٍ في ظل هذا الوضع المحزن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • علي

    هذا النضام يقوم بتدمير المدرسة الجزائرية بطريقة ممنهجة