-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“جمعية العلماء المسلمين” … كما يريدها الجزائريون!

“جمعية العلماء المسلمين” … كما يريدها الجزائريون!

فرغت “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين”، قبل 3 أيام، من أشغال جمعيتها العامة الانتخابية، بتزكية الشيخ عبد الحليم قابة رئيسًا جديدا لها، وسط تفاؤل كبير بتمكّنه ومساعديه في القيادة التنفيذية من إعطاء دفع إضافي لها، وإضفاء لمسات تجديدية على أعمالها تكون في مستوى رهانات الزمان والمكان.
ولعلها مناسبة مواتية لإثارة جملة رسائل مهمة، لأهل الجمعية ونخب الجزائر وسلطاتها العمومية على السواء، لأنّ أمرها يعني الجميع، فهي أم الجمعيات في بلادنا وخيرها على الإطلاق.
إن ما يريده الجزائريون، في ظل التحديات الدينية والفكرية والثقافية والتربوية التي تواجه مجتمعهم في صميم هويته وانتمائه الحضاري وأصالته واستقراره، هو أن يكون للجمعية النصيب الكامل من اسمها الساطع وشعارها اللامع.
ومثلما كانت فضاء لحركة علماء البلد بكل مشاربهم، خلال عهد الاستدمار الغاشم، فينبغي أن تظل اليوم سقفًا حاويًا لكل أعلام الجزائر المستقلّة، من دون تمييز ولا تعصب ولا إقصاء ولا تكتلات تنظيمية أيديولوجية ضيقة، بل إن الواجب في حق كل منتسب للجمعية أن يتجرد من كل لون آخر إلا الانتماء الأصيل لها، بمنهجها المعروف وأدبيّاتها المتوارثة وخطابها الجامع وسمْت رجالها الأوائل في أخلاقهم الإيمانيّة والاجتماعيّة والوطنية.
لقد اختار الإمام ابن باديس وإخوانه الأماجد، رحمة الله على كل الأموات، جمْع العلماء في جمعية لخدمة الجزائر، وطنًا ودينًا ولغةً، ليتميزوا وقتها عن الأحزاب السياسية في أدوارهم، وفق ما تقتضيه مسؤولياتهم الشرعيّة ومؤهلاتهم العلميّة، لذلك يبقى المطلوب اليوم أن تسعى القيادة الجديدة لاستقطاب خيرة أعلام البلاد، بتكريس روح التواصل والانفتاح وتغليب المصلحة العامة على مواقع الأفراد.
إذا كان هناك عزوف كبير من فئة النخبة العليا على الأحزاب والعمل الجمعوي، لأسباب كثيرة ليس مقام الخوض فيها الآن، فإنّه لا ينبغي أن ينسحب هذا الحال على التطوع المتجرّد من كل المطامع والمغانم في خدمة الإسلام والعربية والجزائر.
وهنا لا يقع اللوم فقط على مؤسسات الجمعية التنفيذيّة، مركزيًّا ومحليًّا، في احتواء تلك الكفاءات العُلمائية، بل إن هذه الأخيرة مطالبة، شرعًا وعقلا، بأن تجمع بين العلم والعمل، بين التنظير والتطبيق، لتكون من أعلام الجهاد العلمي والميداني في خدمة الأمة، وإذا لم يكن الأمر مُتاحًا للجميع، فلا أقلّ من أنْ ينبري له جزء فاعل منهم، بما يحقق أداء فرض الكفاية.
إنّ الوضع الطبيعي في الجمعية هو أن يتصدر مؤسساتها، في كل المستويات الوطنية والجهوية والمحليّة، أعلى علماء البلاد منزلةً، لتكون اسمًا على مُسمّى، عوض أن يطغى على تركيبتها التنظيمية الأشخاص الحركيّون، مع ما لهؤلاء من دور مشهود وقيمة أساسيّة في تفعيل مناشطها العامّة.
أما ما يخص السلطات العليا من واجبات تجاه “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” فهو كثير أيضا، وفاء لرمزيتها التاريخية ضمن الحركة الوطنية في الحفاظ على كيان الأمة الجزائرية من مخططات الاستيطان الفرنسي وإحيائها من تحت ركام الجهل والأمّية، وبالنظر كذلك إلى أدوارها الخطيرة حاليًّا ضد أمواج التفسخ الأخلاقي والإلحاد والعولمة والغزو الثقافي والتطرف الفكري.
إنّ مسعى تكريس المرجعية الوطنيّة في بُعدها الديني والهويّاتي لا يمكن أن يكون مقتصرًا على المؤسسات الرسميّة، بل إنه مسؤولية مشتركة مع كل الفواعل ذات الصلة بالحقل الديني والتربوي والتعليمي، لذلك وجب مراعاة دور الجمعية في هذا الاتجاه وتقدير أدوارها التاريخيّة والآنيّة في صيانة عقيدة الأمة وروحها الوطنية، من خلال تقديم كل أشكال الدعم الحكومي، بما يمكّنها من استكمال رسالتها الحضاريّة.
وبهذا الصدد، نودّ لفت نظر السلطات العمومية إلى أن الجمعية لا تزال تناشدها منذ سنوات طويلة لأجل منحها مقرّا لائقًا بمزاولة أعمالها المركزية.
هل يُعقل أنه بعد 94 عامًا من بعثها، و84 سنة من رحيل مؤسسها إمام الجزائر، و63 حولاً من استرجاع السيادة الوطنية، تظلّ “جمعية العلماء” من دون مقرّ محترم، يرقى إلى سمعتها التاريخية ودورها الحضاري، ويلبّي حاجتها المستجدة في استيعاب نشاطاتها المختلفة؟
إنّ الجمعية إذ تطلب توفير مَرافق لأعمالها الوطنية التطوعيّة، لا تتسوّل أحدا في واقع الحال، بل الواجب القانوني والأخلاقي يقتضي تمكينها من مدارسها ومساجدها ونواديها التي تستغلها الدولة وبعض الأفراد منذ 1962، فهي أولى وأحقّ بها، كما قال يومًا الشيخ محمد الهادي الحسني.
إنّ الأمل معقودٌ اليوم على رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إكرامًا لروح والده الفاضل، الحاج أحمد، عليه شآبيبُ الرحمة والرضوان، مؤسس شعبة العلماء المسلمين في مدينة المشرية عام 1939، أن يمنح الجمعية مقرّا ساميًا يُفرح أهلها ويستجيب لطموحها، وقد كبرت مسؤولياتُها وهمومها تجاه الأمة، إذ تجاوز حضورها البارز حدود القطر إلى أرض المسلمين في كل مكان، لترفع راية الجزائر خفاقة في غزة والصومال والصحراء الغربية وميانمار وسواها.
بل نضيف إلى ذلك، المطلب الآخر المشروع، وهو أن تتمتع الجمعية بـ”صبغة المنفعة العمومية”، بموجب مرسوم رئاسي، ليسهل عليها فتح القنوات مع كل السلطات وتحصيل الدعم المادي رسميًّا، علما أنها لا تأخذ فلسًا واحدًا من ميزانية الجهات الحكوميّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!