-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خطيئة إقصاء الموالاة وتجاهل الحَراك

حبيب راشدين
  • 1166
  • 1
خطيئة إقصاء الموالاة وتجاهل الحَراك
ح.م

لا شك في أن الموقف الجديد لجانبٍ من المعارضة في لقاء السبت الماضي يُحسب لها كتطورٍ إيجابي، وتجاوبٍ عقلاني مع مآلات الحَراك، ومع خارطة الطريق التي التزمت بها السلطة، أهمّ ما ميزه التحاق المعارضة التقليدية بمسار التسوية تحت سقف الدستور، حتى وإن كانت قد احتفظت باشتراطاتها التقليدية، برفض التحاور مع الرئاسة، والإصرار على ترحيل حكومة بدوي، وأخطر من ذلك ما ظهر من غلوٍّ عند بعضهم حِيَالَ إقصاء أحزاب الموالاة من الحوار.

غير أن ما ميّز لقاء السبت الماضي هو الفرز الحاصل اليوم بين من استسلم لمنطق الانتقال تحت سقف الدستور، والقلة القليلة من الكيانات الحزبية العلمانية الراديكالية، المتمسكة بما تصفه بـ”الانتقال الديموقراطي” خارج الدستور، بأدواتٍ غير ديموقراطية تعتدي على السلطة التأسيسية للناخب، وهو فرزٌ إيجابي جدا سوف يُفقِد الطرفَ “المُغامِر” فرصة تجيير قوى المعارضة التقليدية لتمرير خيارات أقليةٍ موصوفة.

المعارضة البرلمانية التقليدية تكون قد أحسنت هذه المرة قراءة ما في موقف السلطة الفعلية من إصرارٍ على رفض مرافقة أيِّ مسار يُخرِج البلد من الغطاء الدستوري، فتقدَّمت بخطوةٍ محمودة نحو منتصف الطريق، حتى إنَّ ما بقي لها من اعتراضات تحتمل استجابة السلطة لها بيسر، بما في ذلك إعادة فتح باب المشاركة في الحكومة للمعارضة أو لشخصيات تحظى بالقبول، كما أن السلطة قد تركت في خطاب السيد بن صالح الحبل على الغارب لأطراف الحوار القادم، لتحصين الاستحقاق الرئاسي من تهمة التزوير، بمراجعة قانون الانتخابات وتشكيل الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، التي تعدُّ أهمَّ مكسبٍ يحققه الحراكُ الشعبي بعد إسقاط العهدة الخامسة، وتحرير السلطة القضائية بشكلٍ غير مسبوق لمحاربة الفساد.

بقي على السلطة أن تبني سريعا على هذا الموقف الإيجابي للمعارضة، وتسارع إلى فتح قنوات اتصال معها لاستكشاف قائمة الشخصيات الوطنية المقبولة كطرفٍ محايد لإدارة الحوار، والتوافق بشكلٍ لا لبس فيه حول حدود جدول أعمال الحوار الوطني، مع تقديم بعض التطمينات حيَال عقدة الحكومة التي قد يتجاوزها الجميع متى ما أعطيت ضماناتٌ كافية لتفرُّد الهيئة المستقلة بإدارة الانتخابات كما جاء في كلمة السيد بن صالح.

ومن جانبها، يُفترض من المعارضة أن تعيد النظر في موقفها من مشاركة أحزاب الموالاة، التي لا يمكن إقصاؤها بجرَّة قلم من الحوار، في سابقةٍ خطيرة قد تفتح على البلد مرة أخرى باب الإقصاء والاجتثاث الأحمق الذي فشل في مسارات شبيهة في العراق، ومصر، وحتى في تونس، وقد رأينا في التجربة التونسية كيف عاد الحزبُ الحاكم المُحلّ في توليفة بديلة، أعادت بسط اليد على أهمِّ مواقع السلطة في تونس.

من الحماقة افتراض تصفية الحساب مع التجمّع الوطني الديموقراطي ومع جبهة التحرير بهذه السهولة، خاصة أنّ المعارضة ليست مهيّأة لاستقطاب شريحة واسعة من قواعد حزبي السلطة، التي قد تراهن على مرحلة انتظارٍ وتربص بدكة المعارضة، تعيد خلالها بناء عذرية جديدة، واستعادة الشرعية عبر التنافس الشريف في الاستحقاقات القادمة، حتى لو اقتضى الأمر صرف النظر عن التنافس على موقع الرئاسة في الاستحقاق القادم، الذي يعلم الجميع أنه سوف يخضع لموازين القوة القائمة، وربما لتوافقات تُدبَّر تحت الطاولة.

بقي على الجميع، سلطة ومعارضة، عدم القفز على الحَراك، الذي لم يوفق حتى الآن في إفراز قيادات تسمح له بالمشاركة في الاستحقاق القادم، وفي ورشات إعادة تأهيل مؤسسات البلاد، بأن يخصص جانب من عضوية الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات لتوليفةٍ مختارة من شباب الحَراك من ولايات البلاد، تكون بمثابة عربون يثمِّن دور الحَراك في ما يشهده البلد من تغييرات حميدة، ويطمئن الشباب حيال فرص انخراطه مستقبلا في الحياة السياسية، ويؤكد مقدار استعداد السلطة والطبقة السياسية لنقل المشعل بسلاسةٍ إلى الجيل الجديد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    لانريد بناء قصرا من رمل .... أي بناء لابد أن يجعل على أسس صلبة في أرض طاهرة قوية ..وليس في مستنقع أو رمال متحركة.