رائحة “الشربة” تقرًبنا وغياب الآذان يغرّبنا!
تعتبر المناسبات الدينية من أكثر الأوقات التي تُشعر المرأة بمرارة الغربة وقساوة البعد عن الأهل، ذلك لأن هذه المناسبات هي التي تجمع شتات المشاعر على قلب واحد، خاصة عندما يتعلق الأمر برمضان.
ولأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية تضطر الكثير من الجزائريات إلى إمضاء الشهر الفضيل في ديار الغربة، فإنهن يحاولن ضبط حياتهن على الأجواء الرمضانية في الجزائر من خلال إحياء التقاليد، وإعداد الأطباق التي تتناسب مع هذا الشهر.
هذا ما تحاول أن تفعله أحلام، التي مضى على استقرارها بفرنسا 24 سنة، حيث تقول حول الاستعدادات الأولية لشهر رمضان، إنها بحكم أنها ولدت وكبرت في الجزائر، فإنها مازالت تحافظ على التقاليد تماما كما كانت تفعل في الوطن، حيث تعمل قبل قدوم رمضان بأسابيع قليلة على اقتناء شيء جديد للمائدة، وترتيب المطبخ وتحضير الأواني الجديدة غير التي كانت تستعملها في الأيام العادية.
ومثل كل الجزائريات، تقوم أحلام، أو أم محمد الأمين، بشراء التوابل من الجزائر إذا صادف تواجدها فيها، أما إذا كانت في فرنسا، فإنها لن تتعب في العثور عليها لأنها أصبحت متوفرة بمختلف الأنواع، لدرجة أن أقاربها صاروا يطلبونها منها أثناء قدومها إلى الجزائر.
وباتت أحلام اليوم، لا تشعر بأي فرق بين رمضان في الغربة ورمضان في الجزائر، حيث تقول إنه أصبح مطابقا للبلدان العربية، فيما يتعلق باجتماع الأهل والأصدقاء، وتحضير الأطباق الرمضانية، مثل “الشربة” التي تملأ رائحتها الشوارع الفرنسية التي يسكنها الجزائريون والعرب، على عكس ما كان في التسعينات، الفترة التي انتقلت فيهل للعيش في فرنسا، حيث كانت تشعر بالوحدة مع أمها وإخوتها الصغار، خاصة في رمضان والأعياد، إذ لم تكن الانترنت متوفرة ولا فيسبوك ولا قنوات جزائرية أو عربية، حتى الاتصال بالأهل عبر الهاتف كان مكلفا وفوق طاقة الأسرة، ولكن الآن أصبح كل شيء متاحا لتمضية رمضان دون الإحساس بالغربة.
وحتى الأطباق التي تحضرها الجزائريات في فرنسا، لا تختلف عن الأطباق التي تحضرها المرأة في الجزائر، حيث تعتمد كل واحدة على الكيفيات الرائجة في منطقتها، في حين تعمل كل واحدة على تعلم أطباق جديدة من المغتربات المغربيات والتونسيات.
أما أم عامر، الجزائرية المغتربة في فرنسا، فتقول إنها لا تجد الطعم الحقيقي لرمضان في الغربة كما تشعر به في الجزائر، فالناس الذين يأكلون في الأماكن العمومية يفسدون على الصائمين “بنة” الشهر، وأكثر ما تفتقده محدثتنا مع بقية المغتربين هو آذان المغرب، بحيث يضطرون للإفطار على الساعة.
وتحاول السيدة شهرزاد، المقيمة بألمانيا، أن تقضي على الإحساس بالغربة وغياب الأهل، بالذهاب إلى مدينة ميلهوز الفرنسية التي تقع على الحدود، وهناك تستشعر بنة رمضان من خلال ما يعرض للبيع من سمك وفلفل ورائحة الشامية التي تعبق الجو.
وتجد هذه الجزائرية، صعوبة في الحفاظ على الأكلات التقليدية في شهر رمضان على اعتبار أن زوجها مشرقي، ولا يستهويه الأكل الجزائري، لذلك تقوم بإعداد شوربة عدس أحمر، وفطائر وكباب هندي ومحشي البطاطا.
وتقول شهرزاد، إنها تخلصت من الإحساس الذي كان يلازمها بالغربة في الأعوام الأولى لانتقالها للعيش في ألمانيا، إذ استطاعت أن تنسجم مع الأوضاع الجديدة، وقررت أن تشارك جيرانها حتى من الأجانب الفرنسيين أطباقها في رمضان والأعياد والحفلات، لذلك أصبحوا يحبون الأعياد والمناسبات الدينية.
وأحسن ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي، أنها قربت بين المغتربات وجمعت شتاتهن، حيث كوًن مجموعة على فيسبوك أطلقن عليها “نحن نساء”وتضم عائلات جزائرية هاجرت إلى فرنسا بدون وثائق، وتحاول عضوات المجموعة أن تقدم لهن يد المساعدة، وقبل أسبوع نظمن نزهة أطلقن عليها “بنات تولوز” تعارفن من خلالها، وتسعى المجموعة إلى تحضير إفطار جماعي لهؤلاء القادمين من الجزائر.
من الواضح أن الأجواء الرمضانية في الغربة، لم تعد بعيدة عن الأجواء في الوطن، وذلك بفضل التواصل بين المغتربات، وإصرارهن على الحفاظ على التقاليد الجماعية التي تزيد من تماسك المغتربين وتخفف عنهم وطأة البعد والاشتياق.