-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طموح المرتزقة

عمار يزلي
  • 1757
  • 0
طموح المرتزقة

تخرج روسيا من فتنة كانت مُعَدَّة سلفا ومبيَّتة مسبقا، وهذا في عز الصراع في أوكرانيا، تخرج بقوة وتماسك أكثر وأقوى من ذي قبل بحسب المتتبعين للشأن الروسي، فعادة ما تلتف أطياف الشعب حول قيادة الدولة والبلد والوطن في أوقات الخطر والفتن الداخلية والحروب الخارجية المفروضة على البلد.

تجربة التعامل مع القوى المرتزقة، غالبا ما كانت تفضي إلى تغوُّل تجّار السلاح والحروب، الذين يستثمرون فيها قوتهم الاقتصادية، ليصبحوا في ما بعد، ليس مجرد أداة وآلة حربية مساعِدة للدولة الحليفة أو الدولة الأم كما هو الشأن في قضية مجموعة “فاغنر” الروسية، بل تصبح قوة منافسة للدولة وقيادتها العسكرية والمدنية. هذا ما حدث مع قائد المجموعة، التي هي عبارة عن شركة عسكرية خاصة. شركة تختلف عن الشركات الغربية والأمريكية ومنها شركة “بلاك ووتر” الأمريكية التي هي في الواقع شركة أمنية، فيما “فاغنر” شركة عسكرية بالمطلق، تملك قوات برية وجوية وعتادها وعدّتها الخاصة وشركات صاحبها التي تموّلها وتجني المال مقابل الحماية والمساعدة في “استعادة الأمن” في بعض دول إفريقيا مثلا، كما ترى ذلك قيادتها.

معروف عن القوى المرتزقة عبر التاريخ أنها لا تدين بدين ولا بملة، حتى ولو أبدت ميولا معنية دينية أو وطنية أو طبقية أو إيديولوجية، فالدافع المحرك لهذه المجاميع، كان دوما هو الدافع التجاري المالي النفعي الخاص.

مع شركة “فاغنر“، ورغم أن بريغوجين عادة ما يتغنى بالروح الوطنية وحب البلد، إلا أن الطموحات الشخصية والغرور قد يوصل إلى حد لا يمكن لأحد أن يوقفه؛ فالرجل أنتج وأنشأ جيشا قويا يضاهي ويتجاوز كثيرا من جيوش دول قائمة في العالم، وهذا لا يكفي بالنسبة لتاجر لا حدود لطموحه ونجاحاته المالية، لهذا عادة ما كانت تجارب الفرق المرتزقة تنتهي بالفتن المختلفة: اغتيالات، انقلابات، تمرُّد، إلخ… فإذا كان لكل دولة جيش، فهؤلاء يرون أنه من حقهم أن تكون لهم دولة، لهذا يبحثون عن السلطة السياسية ليكتمل في نظرهم طرفا المعادلة: السياسية العسكرية. غير أن هؤلاء، لا حدود لطموحاتهم حتى ما بعد الاستيلاء على السلطة، وليس غريبا ولا مستبعدا أن يشن هؤلاء حروبا محلية توسعية تحت أي غطاء إيديولوجي أو سياسي أو ذرائع أو مسوغات ومبررات مختلقَة.

مجاميع المرتزقة، لا يمكن الوثوق بهم وغالبا أيضا ما كان الحكام تاريخيا يتغذون بهم قبل أن يتعشوا بهم.

في الحالة الروسية، كل المؤشرات كان تشير إلى أن شركة “فاغنر”، بعد النجاحات التي حققتها في أوكرانيا لاسيما في “سوليدار” و”باخموت” في إطار ما تسميه روسيا “العملية الخاصة”، كان من المتوقع في أي لحظة أن يستدير الرجل 180 درجة وينقلب على البلد بدعوى رفض القيادة العسكرية في وزارة الدفاع والأركان تموينه بما يكفي من العتاد في معركة باخموت بشكل خاص، إذ أعلن أنه فقد فيها نحو 10 آلاف قتيل، وظل لأشهر يتحدث عن فساد وزارة الدفاع وقيادة الأركان ويتهم القيادتين بالخيانة دون أن يمس رئيس البلد بسوء، محاولا استدراج واستمالة البعض لهدف كان قد بيَّت له بليل. غير أن رغبة الدولة في إدماج الشركة تحت قيادة وزارة الدفاع، كانت القطرة التي أفاضت الكأس، وجعل ذلك مبررا لإعلان العصيان والدعوة إلى التمرد. ولولا حكمة رئيس بيلاروس، الذي يعرف بريغوجين منذ 20 سنة، وحكمة الرئيس بوتين الذي فضَّل حقن الدماء على الانتقام، وإدراك بريغوجين أن كل شيء قد انتهى، لكنَّا أمام أزمة أكثر خطرا على الاستقرار العالمي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!