-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عوّار و”الأعور”!

عوّار و”الأعور”!
ح.م
حسام عوار

تجادل الجزائريون بكثير من التركيز والاهتمام عبر مواقع التواصل الاجتماعي في قضية لاعب كرة يدعى حسام عوار، وصل حالة مخاض فكري عسير جدا، قبل أن يلد قرارا يعني مستقبله في عالم الكرة بحمل القميص الفرنسي، فتجادل المتجادلون يسارا بين اختيار منتخب فرنسا، حيث رضع حليب اللعبة الشعبية، ويمينا على أمل اختيار منتخب الجزائر الذي ينتمي إليه دما عائليا، من بني صاف بولاية عين تموشنت في غرب الجزائر.

الجدل لم يتوقف عند المسائل الفنية فقط، إن كان هذا اللاعب يستحق مكانة مع الديكة أو مع الأفناك، وما الفائدة التكتيكية التي يضيفها لكتيبة ديشان أو بلماضي، بل حرّر الكثيرون وثيقة الغفران لهذا اللاعب إن هو اختار المنتخب الجزائري، فأينما دخل بعدها فهو آمن ومغفور الذنب مهما اقترف من آثام، كما هو حال الكثير من الذين حتى لو داسوا لهم على طرف معنوي ما لاموهم، مثل محرز ومبولحي وفيغولي وغيرهم، وحرّر آخرون وثيقة خيانة عظمى وستتبعه اللعنة مدى الحياة، كما هو حال بعض لاعبي الكرة الذين تقمصوا ألوان منتخب فرنسا وأسماءهم عربية جزائرية، مثل كريم وسمير ونبيل قبل أن يلحق بهم حسام.

لا أفهم لماذا يربط بعض الجزائريين الوطنية بالكرة، ولا يربطونها بشؤون أخرى أكثر أهمية مثل العلم والاقتصاد والثقافة، فتراهم يجلدون هذا بأبشع الأوصاف، لأنه اختار منتخب فرنسا، ولا يجلدون آلاف الأطباء الجزائريين المغتربين في فرنسا الذين يعالجون مرضى فرنسا ولا يعالجون أبناء الجزائر، وينثرون الورود على لاعب كرة اختار تمثيل الجزائر، ولا ينثرونها على العشرات من الكوادر التي رفضت الهجرة وعروض العمل في الخارج، وقررت أن تبني ما هو محطم من اقتصاد ومن معنويات في الجزائر.

في الحقبة البومدينية كان ينشط مع نادي بوردو الفرنسي لاعب يدعى عمر سحنون من أصول جزائرية، اختار اللعب لمتخب فرنسا طمعا في المشاركة في مونديال الأرجنتين سنة 1978، فثار النظام الجزائري عليه، ووصف ما اقترفه بالخيانة العظمى وحرم حتى عائلته من دخول الجزائر، وعندما توفي بنوبة قلبية في ربيع 1980، كتبت الصحف الجزائرية العمومية، خبر رحيلة بطريقة أشبه بالشماتة. وفي الحقبة البوتفليقية كان ينشط أيضا في بوردو الفرنسي لاعب يدعى زين الدين زيدان من أصول جزائرية اختار اللعب لمنتخب فرنسا أيضا، طمعا في المشاركة في مونديال فرنسا 1998، فلم يثر أحد، وساهم في صنع انتصارات فرنسا في لعبة كرة القدم، وعندما نوى زيارة الجزائر للسياحة، وجد دولة وشعبا وإعلاما في استقباله وكأنه من أبرار البلد الطيبين، فكانت عشرون سنة من عمر الجزائر المستقلة كافية لأن تضع عمر لاعب بوردو والديكة في جهنم، وتضع زين الدين لاعب بوردو والديكة في الفردوس.

أحصى الاتحاد العام للمهاجرين الجزائريين في الخارج قرابة ربع مليون جزائري جميعهم من الكفاءات العلمية، تحصلوا على جنسيات أجنبية، منهم من يبني أبراجا في لندن للإنجليز، ومنهم من يداوي مرضى السرطان في جنيف، ومنهم من يصنع نجاحات البورصة في طوكيو، ولا أحد اهتم بإعادتهم أو حتى محاولة إعادتهم إلى أرض الوطن وبقي الاهتمام بالأقدام دون العقول، بين تخوين وتكريم، بنظرة أعور، تنظر للاشيء، وتترك الأشياء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • haron

    كلامك منطقي ويدل على تفتحك اخي العزيز أنا إبني ولد في يلجيكا من أم بلجيكية عمره الأن 14سنة وهو موهوب جدا في كرة القادم بل أصبح قائد أواسط نادي اندرلخت وعاهدنا نفسنا أن وأمه ألا نتدخل في مستقبله وهو حر بين إختيار بلجيكا أو الجزائر أو المغرب بصفتي من أم جزائرية والسلام

  • فداء الجزاءىر

    شكرا على المقال،اعتقد ان شغف الكرة هو الذي يجعل من المرء يحدد من خلالها من هو وطني او غير ذلك جاء في مقالك وفي الحقبة البوتفليقية كان ينشط أيضا في بوردو الفرنسي لاعب يدعى زين الدين زيدان من أصول جزائرية اختار اللعب لمنتخب فرنسا أيضا، طمعا في المشاركة في مونديال فرنسا 1998،ما اعرفه ان زيدان سبق حقبة بوتفليقة فزيدان لعب مونديال 1998 وبو تفليقة جاء سنة 1999.

  • abdou

    salem,
    في المستوى شكرا

  • جلدة منفوخة ضيعت شعب 20سنة

    عبد الناصر بن عيسى
    بارك الله فيك على هذا المقال والله كاني انا من كتبته
    منذ ايام علقت هنا على موضوع اخفاق زطشي في اصطياد لاعب كرة قدم في الخارج
    وقلت " اتمنى لو تصطادوا العلماء والدكاترة والاطباء و

  • ahmedbeddou@hotmail.fr

    ملاحظة صغيرة ؛ اللاعب عمر سحنون كان تألق و برز في فريق نانت الفرنسي و ليس بوردو.
    مقالا رائعا جدا بأسلوب راقي. بارك الله فيك الأخ عبد الناصر و مزيدا من النجاحات و التألقات و شكرا.

  • أحمد بدو

    ملاحظة صغيرة: الاعب ذو الأصول الجزائرية "عمر سحنون" لعب و اشتهر في فريق نانت Fc Nantes و ليس في فريق بوردو.
    مقال رائع جدا نشكرك الأخ عبد الناصر على هذا التحليل المميز و الراقي للجزائريين ذوي الجنسية المزدوجة و الذين يصنعون أفراح و أمجاد دول أجنبية . بارك الله فيك على أسلوبك الراقي و مزيدا من النجاحات و التألقات. شكرا

  • مسعود البسكري

    مجرد تساؤل:
    ماذا ربحت الجزائر من الكرة!!؟؟
    ما ربحته الجزائر من الكرة سوى الفتنة والعداوة بين دول وشعوب شقيقة. وفتنة وعداوة إلى حد الإقتتال وسقوط الأرواح بين المناصرين المحليين.
    قرأت يوما، أن أحد الشباب قتل صديقه بسبب مبارة في الدوري الإسباني.
    مرة سألت شابا ضيَّع مستقبله العلمي بسبب كرة القدم فقلت له:
    ماذا تستفيد الجزائر وأنت لو حصلت الجزائر على كل كؤوس العالم منذ تأسيسها !!!؟؟؟
    قال قادة بن عمار: " الكرة أيضا وباءٌ في الجزائر! ".
    قال عبد الكريم مدوار : “إننا لن نخسر شيئا إذا لم نلعب كرة القدم”.
    وأختم بتساؤل أخر:
    ماذا لو وزعنا ميزانية وزارة الشباب والرياضة على وزارتي الصحة والتعليم؟؟؟

  • BAKHTI RACHID

    كلام في الصميم

  • شيخ قلوح

    كلام في منتهى المنطق الله يبارك شكرا.

  • رشيد

    مقال في المستوى شكرا

  • توفيق

    كلامك منطقتي شكرا على هذا المقال ، الاجدر الاهتمام بالمهندسين و الاطباء . لانهم ركيزة التطور في أي بلاد.