-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قصة الهند وباكستان..

التهامي مجوري
  • 9061
  • 1
قصة الهند وباكستان..

في مقالنا “مالك بن نبي وسايكسبيكو 2″، وردت عبارة تقدم الهند وتخلف باكستان، في سياق الكلام عن الدول التي اهتدت إلى سبل التقدم والتي لم تهتد إليها، فعلق أحد الإخوة بقوله ماذا تقصد بـ”تقدمت الهند وتخلفت باكستان؟”.

قبل الكلام عن تقدم الهند وتخلف باكستان، لا بد من الكلام عن أن القاسم المشترك بين أغلب بلدان العالم العربي والإسلامي العالم الثالث عموما هو التخلف..، وعن علاقة باكستان بالهند، البلدان اللذان كانا دولة واحدة إضافة إلى بانغلداش فيما يعرف بشبه القارة الهندية، التي تشمل الهند الحالية وباكستان وبنغلداش، ووجود المسلمين بهذه المنطقة –شبه القارة الهندية-، كان له ثقل كبير؛ بل كانت بها قيادات علمية كبيرة لها وزنها في ثقافة العالم والعالم الإسلامي بصفة خاصة، من أمثال الفيلسوف محمد إقبال، والعالم الرباني ولي الله الدهلوي، والداعية مؤسس جماعة التبليغ الكندهلوي، وآل مباركفوري أهل الحديث، وأبي الحسن علي الحسني الندوي، وأبو الأعلى المودودي وسليمان الندوي ورحمة الله الهندي غيرهم كثير…، كل هؤلاء هنودا أصلاء؛ بل كانت في الهند ممالك إسلامية، وكما هو معلوم أيضا فقد كانت الهند من بين المستعمرات الأنجليزية، وساهم المسلمون في تحريرها بكل ما أوتوا من قوة، حيث كانوا يمثلون 18 بالمائة من مجموعة عدد السكان، وكانت هناك خلافات بين المسلمين والهندوس تصل إلى حد التقاتل، كما هو الحال في الكثير من مناطق العالم المتخلف، المتعدد الأعراق والمذاهب والديانات، فترتب عن هذه الخلافات، الرغبة والسعي من بعض المسلمين الهنود إلى إنشاء دولة إسلامية منفصلة عن الهند، ومن بين هؤلاء بعض القيادات الفكرية والسياسية، أمثال محمد إقبال ومحمد علي جناح رئيس دولة باكستان المستقلة.

كان عدد المسلمين في شبه القارة الهندية سنة 1947 أي سنة الاستقلال حوالي 80 مليونا من بين 440 مليون الذي هو عدد سكان الهنود جميعا، وكان استقلال الهند بعد عمر طويل من النضال والمقاومة، ولكن هذا الاستقلال لم يكن استقلالا كما أراد له أهله، وإنما كان منقوصا عند بعضهم، حيث وُظِّفَت فيه مساعي المسلمين والشوق إلى دولة إسلامية تقتطع من شبه القارة الهندية، فقرر الأنجليز أن يكون استقلال الهند سنة 1947، استقلالا لدولتين وليس لدولة واحدة، أي استقلال مصحوب باقتطاع دولة باكستان من شبه القارة الهندية لتكون دولة للمسلمين الهنود.

وهذا التقسيم لم يرض به بعض المسلمين الهنود، من الذين لم يلتحقوا بباكستان، والذين لم يخفوا تجرعهم تهمة خيانة التقسيم التي لصقت بالمسلمين مذ ذلك الوقت، وهي تهمة لا تزال تطاردهم إلى اليوم، ومن الناحية الاستراتيجية، رأى مالك بن نبي رحمه الله في هذا التقسيم الذي أنتج دولة باكستان، كان خطأ استراتيجيا من مسلمي شبه القارة الهندية، إذ المستفيد منه هو الاستعمار الأنجليزي الذي سيغادر، ويترك –بذلك- خلفه ضمانات له استراتيجية، تحمي مصالحه الاستراتيجية في المنطقة. ومصالحه الاستراتيجية، هي حماية المنطقة من المد الشيوعي، ومن الخطر الإسلامي، فكانت فكرة استقلال الهند اللبيرالية الديمقراطية، لتكون درعا واقيا من الشيوعية، ولكن منفصلة عن الإسلام حتى لا يهددها بقيمه مستقبلا، لا سيما وأن الإسلام في الهند متجذر…، ولم يكتف الأنجليز بذلك، وإنما قسم بعد ذلك باكستان إلى دولتين: دولة باكستان الشرقية –بنغلداش- ودولة باكستان.

عدد سكان الهند اليوم 2016، مليار وثلاثمائة مليون نسمة، ثاني دولة في العالم من حيث عدد السكان، وباكستان حولي 190 مليون نسمة، وبنغلداش حوالي 170 مليون نسمة، وعدد سكان المسلمون الهنود، أي الذين بقوا في الهند ولم يتجاوبوا مع نداء الدولة الجديدة؛ الذي لم يجبرهم على مغادرة بلادهم، حيث كان للمسلمين حرية الاختيار، أن يلتحقوا بالدولة الجديدة أو يبقوا في ظل الدولة الأم، فاختار بعضهم البقاء في الهند، وعددهم اليوم 2016، 156 مليون أي 12 بالمائة من مجموع عدد السكان الهنود.

ونعود إلى الموضوع

فعندما قلت تقدمت الهند وتخلفت باكستان في المقال المشار إليه آنفا، لم أقصد كل هذا التاريخ، وإنما عنيت أن الهند استفادت من الغرب واستغلت معارفه، أما باكستان فقد أستغلها الغرب، هكذا بالمجمل، وهي المحصلة التي لم أكن مضطرا للتفصيل فيها لولا تساؤل الأخ الكريم المذكور في صدر هذا المقال.

وتفصيل بعض هذه المحصلة، أن الهند رغم أنها لا تزال في مصاف الدول العاجزة عن تلبية رغبات سكانها، فإنها مرشحة للصعود مثلها مثل الصين، فقد حققت معدل نمو يصل إلى 8 بالمائة، وهذا المعدل يعد من المعدلات المعتبرة في العالم، ومن آيات تقدمها أيضا، هي في عالم التكنولوجيات الحديثة في مصاف الدول المتفوقة والمنتجة، وهي مرشحة كما يقول الاستراتيجيون إلى الارتقاء في هذا الجو الذي يتخبط فيه الغرب في إثبات فشله في أكثر من حالة، أما باكستان فهي ليست أكثر من ساحة كبرى لتحقيق البرامج الأمريكية في المنطقة.

وإذا اعتبرنا الهند دولة عادية تصارع الفقر كغيرها من دول العالم الثالث، فإن دولة باكستان تأسست لتكون دولة إسلامية تختلف عن الهند، كما روي ذلك عن محمد علي جناح رحمه الله أنه قوله “لا يمكن أن يساكن من يعبد الله عابد البقر”، ومع ذلك لم تحقق باكستان شيئا يميزها عن باقي العالم الإسلامي، فضلا عما يميزها عن الهند..، لقد أنتجت باكستان القنبلة النووية التي سميت “القنبلة الإسلامية”، ولكنها لم تستطع أن تفعل بها شيئا، ولو على سبيل التهديد…، بل عجزت عن حماية من أنتجها، من العلماء والخبراء فقد دخل عبد القدير خان “المتهم بإنتاج القنبلة النووية” في صراع مرير قبل سنوات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والله أعلم بواقعه الآن.. وربما يكون هو الآخر في أقبية سجون ومعتقلات باكستان أو سي آي آي كغيره من علماء الفيزياء النووية في العالم الإسلامي، من الذين أُرْغِموا على العمالة أو سجنوا وقتلوا بسبب ولائهم لبلادهم.

وباكستان التي تأسست لتكون دولة إسلامية، لم تكن متميزة عن غيرها من بلاد المسلمين إلا في النزر اليسير من أمور جزئية كغيرها من البلاد الإسلامية، مصر وسوريا والسعودية…إلخ، ولعل من أبرز ما يستشف من مماثلة باكستان لغيرها من بلاد المسلمين، الصراع بين السلطة والعلماء والدعاة، فقد حكم على المودودي بالإعدام، والصراع بين النخب العلمانية وخصومها كان على أشده، ولعل أبرزها الصراع بين الرئيس ضياء الحق وعلي بوتو، فقد كانت نتيجة الخلاف بينهما إعدام علي بوتو أب بينازير بوتو..، ولعل ما تميزت به باكستان دورها الفعال في الجهاد الأفغاني، وتسهيل عملية التجنيد حيث كانت تمثل القاعدة الخلفية للجهاد الأفغاني، وهو عمل يحسب لها في الانتصار للشعب الأفغاني المظلوم، ولكن من الناحية الاستراتيجية، كان كل ما تقوم به داخل في أبعاد السياسة الأمريكية في المنطقة، سواء في العمل على إسقاط الاتحاد السوفييتي، أو فيما فعلت أمريكا بالأفغانيين بعد ذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حمزة سيدي

    شكرا سيدي الشيخ على المعلومات القيمة التي أفدتنا بها كما أسأل الله أن يفيدك بعلمك في الدنيا والآخرة