-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“ماركيز” يوم 17 أكتوبر 61

عمار يزلي
  • 379
  • 0
“ماركيز” يوم 17 أكتوبر 61
ح.م

17 أكتوبر 1961، التاريخ الذي كثيرا ما تناسيناه سياسيا ولأسباب سياسية شخصية مدةً تناهز عشرين سنة بعد الاستقلال، يعود هذه المرة بنكهة الذاكرة واستعادة الجماجم والتفكير في تاريخنا الوطني ككل لا كجزء من تاريخ المجموعات السياسية المتخاصمة بعد الاستقلال.

الفدرالية الجزائرية بفرنسا لجبهة التحرير، بقيت على الهامش، ومسكوتا عنها وعن التاريخ السياسي في قلب العاصمة الفرنسية، لا لشيء إلا لأن الفدرالية لم تكن موالية لا لبن بلة ولا لبومدين اللذين كانا يمثِّلان نفس التوجُّه، خلافا للتوجه الاشتراكي اليساري للفدرالية، والتي كانت تنحو اتجاها يساريا لطبيعة تاريخ نضال العمال الجزائريين ضمن الحزب الشيوعي الفرنسي أو الجزائري وعملهم ضمن النقابات العمالية خاصة “سي جي تي” التي كانت يسارية شيوعية بالأساس.

تاريخ الثورة الذي بدأنا اليوم فقط في كتابته بعد أن رحل عنَّا صانعوه وفاعلوه المباشرون، أو كادوا، هي لحظة للعودة إلى التاريخ الوطني الموضوعي بعيدا عن الشخصنة التي عهدناها منذ الاستقلال في التعاطي مع الثورة التحريرية.

17 أكتوبر 1961، يضاف إلى مجموعة المحطات التاريخية التي يجب أن ننعش ذاكرتنا بذكراها، وتناولها من جانب تاريخي موضوعي لا من جانبها الحدثي، هو جزءٌ من ذاكرة جماعية للوطن تؤكد جرائم الاستعمار التي لا تُمحى بالأقدمية وتفعل العمل السياسي والعلمي من أجل كشف زيف فرنسا ونيّتها الدائمة في إبقاء “البئر بغطائه” إلى الأبد..

الجريمة الاستعمارية الفرنسية في هذه المناسبة راح ضحيتها نحو 200 قتيل، رُمي بكثير منهم في نهر السين وأكثر من 1500 معتقل، حُشدوا كلهم في محتشدات جماعية أشبه ما تكون بمراكز تعذيب واستنطاق، وأفضى ذلك فيما بعد إلى ترحيل المئات من القيادات.. قيادة المظاهرات السلمية في هذا اليوم إلى “دوّارهم” حسب تعبير السياسيين وقتها.. فيما كانت الحقيقة أنهم سُلّموا إلى جلاديهم من الجيش الفرنسي هنا في الجزائر لمزاولة بقية الاستنطاق والتصفية على أرض بعيدة عن الأعين والألسن وأضواء باريس التي لطخ دم الجزائريين مياهها وترابها ووهجها.. جزائريون خرجوا عن بكرة أبيهم بعد أكثر من 3 سنوات من التضييق ومنع التجوال والاعتقال الليلي، خوفا من جبهة التحرير التي كانت تتحوَّل إلى شوكة في حلق الاستعمار العاقر في عاصمة عقر داره.. خرجوا كلهم ينادون بالحرية وينددون بالعنصرية والظلم والتمييز..

في هذا اليوم التاريخي من التاريخ الإجرامي، كانت العائلات تخرج بطريقة سلمية، حرصت جبهة التحرير السرية على تنظيمها سلميا ومنعت حمل أي سلاح أبيض أو ما شابه، مع حمل وثائق العمل التي تؤكد أن المتظاهرين عمال يتظاهرون سلميا.. مع ذلك وقعت الواقعة وتم التنكيل بكل الحاضرين في “الشانزيلي” و”الايطوال”.. في هذا اليوم الماطر..

من بين الحاضرين في هذا اليوم، الذي دخل العالمية، كانت الشرطة تعتقل رجلا ذا سحنة مغاربية، اشتبِه فيه على أنه جزائري، مع أنه كان يتحدث بالاسبانية.. اعتقلوه بعد ما أخذ نصيبه من الضرب والإهانة، وبقي في عنبر الشرطة إلى غاية الصباح. عندما دخل أحدُ الأعوان صباحا إلى المخفر، وكان يعرف الاسبانية.. أصيب الشرطي بالذهول: لماذا جئتهم بهذا الرجل؟ إنه ليس جزائريا، إنه لا يعرف إلا الاسبانية.. ولغته الاسبانية هي لهجة أمريكا اللاتينية.

هذا الرجل، لم يكن سوى الكولمبي، صاحب جائزة نوبل للآداب لسنة 82، الروائي غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب رواية “مائة عام من العزلة” و”الحب في زمن الكوليرا…”

مع الاستعمار الفرنسي، الكل أخذ نصيبه.. وزيادة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!