-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

آخر مرحلة قبل الحسم

عابد شارف
  • 3411
  • 0
آخر مرحلة قبل الحسم

تدخل الجزائر، هذا الأسبوع، آخر مرحلة قبل موعد سياسي حاسم، سيحدد ملامح سياسة البلاد، بل وجودها ومكانتها بين الأمم. وسيشكل موعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد سنة منعرجا يؤدي بالجزائر إلى اختيار يكاد يكون نهائيا، بسبب ثقله ونتائجه التي ستتواصل لعشرات السنين.وبعد عشر سنوات من رئاسة السيد عبد العزيز بوتفليقة، تظهر الحصيلة واضحة سواء بالنسبة لأنصاره أو لمعارضيه. ويقول أنصاره، الذين يشبهون الأتباع أكثر مما يشبهون أهل السياسة، إنه حقق السلم وأعاد الجزائر إلى مكانتها الدولية وعمل من أجل دفع الاستثمار والنمو الاقتصادي، وهي الحجة التي تقترب من الخيال والخرافة. وبالمقابل، فإن الجمود السياسي، والانهيار المؤسساتي، والعجز الاقتصادي، والتراجع الأخلاقي، ظواهر واضحة وكافية للتأكيد أن الفشل لا يقتصر على سياسة الحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بل يشمل كل النظام السياسي الذي يشكل خطرا على البلاد.وإن كانت تحاليل ومواقف مختلف الأطراف معروفة، رغم أن الضجيج الذي يثيره أنصار رئيس الجمهورية يمنع في أغلب الأحيان أن نسمع مواقف الأطراف الأخرى، إلا أنه يمكن أن نقول إن الجزائر توجد اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات أساسية: إما تكريس الوضع القائم، إما تأجيل الحسم إلى موعد آخر وإما اختيار منهج جديد لتسيير شئون البلاد.أما السيناريو الأول، فإنه يتمثل في تغيير الدستور لإنشاء منصب رئيس للجمهورية، أو البقاء على الدستور الحالي وفرض رئيس جديد من أروقة النظام، سواء كان من جبهة التحرير أو الأرندي أو شخصية أخرى يتم اكتشافها فجأة وفرضها على الجزائريين. فإذا تم إنشاء منصب نائب رئيس جمهورية، وهذا مستبعد لأن الرئيس بوتفليقة لا يريد أن يكون »ثلاثة أرباع رئيس«، حسب تصريحاته، فذلك سيعني أن السلطة الجزائرية اختارت من سيخلف الرئيس بوتفليقة، واختارت كذلك أن تتم الخلافة بانتظام حيث سيقضي الرئيس الحالي عهدة ثالثة ويكون نائبه المرشح الطبيعي للنظام بعد ذلك. ويمكن أن تتم العملية بطريقة أسرع لتعيين خليفة الرئيس بوتفليقة، عن طريق اختيار رئيس جديد من البلاط، يضمن بقاء النظام الحالي بهياكله وطرق تسييره، لكن في كلتا الحالتين، فإن ذلك يعني أن الجزائر ستختار تكريس الوضع القائم، مع كل ما سيؤدي إليه ذلك من فشل اقتصادي وانتشار المظاهر التي ترمز إلى الفشل في تسيير البلاد، مثل الرشوة والحراقة والعنف وتبذير المال العام وتوسيع دائرة الفوارق.أما السيناريو الثاني، فإنه يتمثل في إعادة تعيين الرئيس بوتفليقة لعهدة ثالثة دون إنشاء منصب نائب الرئيس. ويعني هذا السيناريو أنه لم يتم الحسم لا في الشخص الذي سيخلف الرئيس بوتفليقة، وتلك قضية ثانوية، لا في الخيارات السياسية الكبرى التي ستنتهجها البلاد. ونتيجة لمثل هذا السيناريو، فإن البلاد ستضيع خمس سنوات إضافية، وهي الفترة التي من الممكن أن تؤدي إلى انزلاقات كثيرة تهدد كيانها.أما السيناريو الثالث، فإنه يتمثل في اختيار طريق آخر لتسيير شئون البلاد. إنه الطريق الذي اختارته بلدان أخرى نجحت في التحول من أنظمة بالية مستبدة متأخرة تسودها الحقرة إلى بلدان عصرية تعرف ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا بفضل مؤسسات جديدة تضمن مستوى عاليا من التحكيم الراشد. ويمكن أن نذكر كل بلدان أوربا الشرقية السابقة التي طلعت إلى أعلى لما كانت الجزائر تنزل إلى أسفل. ويمكن أن نذكر بالخصوص بلدا مثل سلوفانيا التي انطلقت من العدم لترأس الاتحاد الأوربي اليوم بفضل القواعد السياسية والاقتصادية الجديدة.ويجب الاعتراف مرة أخرى أن هذا الطريق هو الأقل احتمالا، حسب المعطيات المتوفرة اليوم، لأننا لا نجد ما يشير إلى أن القوى الفاعلة في البلاد قد تختار هذا المسعى. إضافة إلى ذلك، فإن هذا المسلك يتطلب التفاوض والإقناع والمشاركة الجماعية، والبناء المشترك، وهي المصطلحات التي كادت الجزائر أن تنساها.لكن مهما يكن، فإن القرار الذي سيتم اتخاذه السنة المقبلة سيصنع كطبيعة الجزائر التي ستبقى للأجيال القادمة. إما أن تبنى مؤسسات تسمح للبلاد أن تدخل العالم العصري وتضمن لنفسها مكانا في العالم الذي يتغيّر بسرعة فائقة، وإما أن تعيدنا إلى خرافات تسمى الوطنية المتسلطة والدكتاتور العادة والخلافة الإسلامية، هذا إن لم تؤد إلى تفكيك الكيان الوطني.   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!