-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أبشر بحياة جديدة تتلاشى فيها همومك وأحزانك

سلطان بركاني
  • 928
  • 0
أبشر بحياة جديدة تتلاشى فيها همومك وأحزانك

التوبة فرض لازم، لا يختصّ بشهر أو موسم أو مرحلة من مراحل العمر.. وقد دأب كثير من المسلمين على اعتبار شهر رمضان فرصة سانحة للعودة إلى الله، وهذا الاعتبار لا يصحّ إن ظنّ صاحبه أنّ التوبة لا تقبل في غير هذا الشّهر وأدمن تأخير التوبة من المعاصي والذّنوب حتّى يحلّ رمضان، أو جعل من الشّهر الفضيل محطّة عابرة يعود بعدها إلى ما كان عليه قبلها.. لكنّ العبد المؤمن إذا كانت نيته الاستعانة بالمحفّزات التي تأتي مع الشّهر الفضيل لبدء حياة جديدة تستمرّ بعد رمضان إلى أن يلقى الله، فلا بأس بذلك.

 ككلّ عام، في مثل هذه الأيام المباركة من الشّهر الفضيل، ها هي المساجد تعمر، والمصاحف تقلّب بين الأيدي، والصّدقات تبذل، والدّعوات ترفع.. ها هي صفوف الصّلوات ترصّ بالشّباب التائبين، بعد أشهر مرّت على المساجد وهي تشكو حالها إلى الله من قلّة روادها وضيوفها من الشّباب.

على رواد بيوت الله أن يحمدوا الله على كثرة التائبين والعائدين في هذا الشّهر ويفرحوا ويرحّبوا بهم في بيوت الله، وماذا يساوي فرحهم أمام فرح الله سبحانه بتوبة التائبين؟ نعم المولى الغفور الرّحيم يفرح بتوبة عباده ويُقبل عليهم بعفوه ومغفرته ورحمته، ويباهي بهم ملائكته، وربّما يكتب لهم رضوانه ويعتق رقابهم من النّار.. فيا أخي المؤمن، يا من عدت إلى الله في بداية هذا الشّهر، وتتمنّى من خالص قلبك أن يوفّقك الله لحياة جديدة لا تعود بعدها أبدا إلى ما كنت عليه قبل رمضان.. أبشر أخي بأفضل يوم في حياتك وبخير يوم مرّ عليك مذ ولدت، ذلك اليوم الذي أعلنت فيه التوبة إلى الله وفي نيتك أن تبدأ طريقا جديدة وحياة جديدة تحافظ فيها على صلاتك وعلى تلاوة كلام ربّك، وتهجر فيها المعاصي وتقطع أسبابها وتقاطع مواطنها.. أبشر أخي الشابّ وأبشر أخي المؤمن، واسمع نداء مولاك الرّحيم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وقوله سبحانه: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾.. أبشر أخي التائب بحياة تتلاشى فيها همومك وأحزانك، وتتبدّد فيها مخاوفك، وتجد فيها الراحة والطمأنينة، مهما كان النقص من حولك في دنياك، فستجد بإذن الله أنسا في قلبك وانشراحا في صدرك، لأنّك ستحسّ بأنّك في كنف ورعاية ربّك الغفور الرّحيم الذي لن يضيّعك، وسيجعل لك من كلّ همّ فرجا ومن كلّ ضيق مخرجا وسيرزقك من حيث لا تحتسب.. في الحديث القدسيّ يقول الله تعالى: “وعزّتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أكره، فينتقل عنه إلى ما أحب، إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب”.. أبشر أخي المؤمن بما يسرّك وينفعك.. ربّما تُبتلى بضيق هنا وعسر هناك، ولكنّه ضيق عابر وعسر مؤقّت، ومعهما سعادة في القلب وانشراح في الصّدر لن تجد لهما مثيلا في طريق الغفلة والمعصية.

أخي التّائب.. اصدق النية مع الله بأنّ توبتك ليست في رمضان فقط، فرمضان سيرحل قريبا لكنّ ربّك الذي تبت إليه حيّ لا يموت.. اعقد العزم بأنّك ستَثبت على توبتك في رمضان وبعد رمضان بعون الله، ولن تعود أبدا إلى ما كنت عليه قبل رمضان.. ادعُ الله عند فطرك وبعد سحورك كلّ يوم بأن يتقبّل توبتك ويثبّت قلبك وقدمك على طاعته حتى تلقاه.. حافظ على صلواتك الخمس في بيت الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا، واجتهد في إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام.. حافظ على ورد يوميّ من القرآن الكريم لا يقلّ عن حزبين، وحاول أن تقرأهما بترتيل واطمئنان وتدبّر.. رتّب دعواتك وتذكّر حاجاتك لتطلبها من مولاك عند الإفطار وفي وقت السّحر.. صلّ ولو ركعتين في وقت السّحر وادع الله بعدهما بقلب خاشع.. غضّ بصرك في نهار رمضان وفي ليله عن النّظر إلى الحرام في الشّوارع وعلى الهاتف.. احذر هاتفك أن يسرق منك ساعات رمضان الغالية.. تذكّر أنّ ساعات اللّيل في رمضان غالية، فلا تضيّعها في جلسات طويلة في المقاهي ولا أمام شاشة الهاتف.. اشغلها بالتراويح والقيام وتلاوة القرآن والتراويح.. اجتنب السهر في ليل رمضان حتّى لا يضيع منك نهاره في النّوم وحتّى لا تأكل الحرام في مكان عملك.. خفّف من الطّعام عند الإفطار حتّى لا يثقل عليك القيام.. اجتهد في أن تبكّر لصلاة التراويح وتصلي في الصفوف الأولى فذلك أدعى للخشوع.. لا تنصرف من التراويح حتى يسلم الإمام آخر تسليمة.. حافظ على التراويح، لكن كن أشدّ محافظة على الفرائض.. لا تصلّ التراويح ثمّ تضيّع صلاة الصّبح أو تصلّي التراويح ثمّ تنام عن صلاة العصر.. فالله جلّ وعلا لا يقبل النّوافل ممّن يضيّع الفرائض.

أخي التائب ها قد تبت من إضاعة الصّلاة ومن هجر المسجد وهجر القرآن، وصرت تصلّي التراويح.. توبتك هذه مباركة ومقبولة بإذن الله.. لكنّها ستكون أكثر بركة لو أنّك تبت من المعاصي والمخالفات.. حاول واجتهد واستعن بالله على التوبة من التدخين.. تب من أكل الحرام.. ردّ الحقوق والمظالم إلى أهلها.. واطلب الصّفح ممّن ظلمتهم.. وتخلّص من كلّ متاع حرام يمكن أن يذهب أجر صيامك ويفسد توبتك.. والله أسأل لي ولك ولجميع إخواننا المسلمين أن يتوب علينا ويتقبّل توبتنا ويثبّتنا على دينه وطاعته حتّى نلقاه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!