-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
روايات متعددة لأبواب مندثرة

أبواب تلمسان.. حصن عاصمة الزيانيين المتين

محمود بن شعبان
  • 1152
  • 0
أبواب تلمسان.. حصن عاصمة الزيانيين المتين
أرشيف

عرفت عاصمة الزيانيين، تلمسان، بأبوابها الكثيرة التي شكلت حصنا منيعا خلال القرون الماضية التي كانت بمثابة مراكز حراسة على شكل أبراج صغيرة لمراقبة الداخلين إلى المدينة والخارجين منها، حيث تميزت بمتانتها وتصميمها المميز الذي يعتمد على الحديد المصفح، لحماية الحصون من الاختراق، غير أن الزائر لمدينة تلمسان قد يتفاجأ بانهيار أغلبها، رغم أن سكانها والباحثين في تراثها يتحدثون عن عدد معتبر منها.
لا يزال سكان مدينة تلمسان يذكرون الأبواب العتيقة التي شكلت هوية وحضارة عاصمة الزيانيين، فكلما سألت أحدا إلا وبدأ في عد تلك الأبواب، سواء القائمة منها أم المندثرة، على غرار باب الجياد، باب العقبة، باب الحلوي، باب قرمدين، باب كشوط، باب الحمام، باب السويقة، باب السجان، باب الحديد، باب وهران، باب الخميس وغيرها.. حيث كشفت الباحثة، الدكتورة الجامعية، فائزة مهتاري، لـ “الشروق”، أن كثرة الأبواب بمدينة تلمسان راجع إلى كونها مدينة محصنة، أي إنها كانت محاطة بسور بشكل كامل، ويحتوي على عدة منافذ أخذ كل منفذ واحدة من التسميات المتداولة، مشيرة إلى أن كل باب كان له حام، سمي على اسمه، كباب سيدي بومدين، الذي سمي على الولي سيدي بومدين.. وذلك، بغرض الحماية المعنوية، تجسيدا لتفكيرهم آنذاك، القائم على “الباب الذي يحرصه الولي، لا يمكن أن يدخله أحد”.. وأشارت الدكتورة مهتاري إلى بعض الأحداث المتداولة منذ قرون التي مفادها: “حين أراد العدو غزو مدينة تلمسان، سألوا، قائلين: من هم حراس الأبواب؟ فأجابوهم بأسماء كل ولي حارس على تلك الأبواب، إلا باب القرمدين، لم يكن لديه حارس، فوقف عبد الله الشوذي، المعروف بالشيخ الحلوي، وقال: أنا حامي باب القرمدين، فتراجع الغازون”.. وعندما قتل الشيخ الحلوي، قطعت رأسه وعلقت عند الباب المعروفة في ما بعد بسيدي الحلوي نسبة إليه.
ويعود تاريخ تشييد أبواب تلمسان إلى الفترة الزيانية، حين أقدم يغمراسن بن زيان على جعل تلمسان مدينة محصنة حتى أصبحت تلقب بمدينة الجدار نسبة إلى الصور المحيط بها، بسبب المخاطر التي كانت تحدق بها، حيث كانت تلك الأبواب تسير وفق إطار يعمل على حماية المدينة وتنظيم حركة الدخول والخروج فيها، إذ كانت تفتح بعد صلاة الفجر وتغلق بعد صلاة المغرب، بالإضافة إلى اتخاذ بعض المعايير في تنظيم عملية الفتح والغلق: فمثلا، غير بعيد عن باب وهران، كانت تمارس مهنة الصباغة والحدادة، فأراد الزيانيون وضعها خارج أسوار المدينة. لذا، كان العمال يتخذون باب وهران مسلكا إليها، كما لعبت تلك الأبواب دورا في الحفاظ على حرمة المدينة، فبعضها قريب من الحمامات والقيصرية.. وبالتالي، كانت النساء يقصدنها تفاديا للالتقاء بالرجال والعمال.

كتاب وباحثون يؤرخون لتلمسان وأبوابها عبر مؤلفاتهم
وأشارت الباحثة، فائزة مهتاري، في حديثها، إلى دور الكتاب والمؤرخين في كتابة تاريخ مدينة تلمسان وأبوابها، التي نجدها في “بغية الرواد”، ليحيى بن خلدون، حين كتب أن للمدينة: “خمسة أبواب قبلة باب الجياد وشرقًا باب العقبة وشمالًا باب الحلوي وباب القرمدين وغربًا باب كشوط، وهي مؤلفة من مدينتين ضمهما الآن سور واحد، وقال الملك أبو الفداء في مؤلفه إن لتلمسان ثلاثة عشر بابًا، علمًا أنه لم يزر تلمسان وإنما كان يستقي الأخبار عن غيره، وقد جاء ذكره لكل الأبواب، بينما اكتفى يحيى بن خلدون بالأبواب الكبرى، وقبلهما ذكر البكري عن أقادير أن “لها خمسة أبواب ثلاثة منها في القبلة باب الحمام وباب وهب وباب لخوجة وفي الشرق باب العقبة وفي الغرب باب أبي قرة”، كما كتب المستكشف حسن بن الوزان الزياتي، الذي اشتهر بتآليفه الجغرافية، فلقب بليون الإفريقي، فكتب عن تلمسان وأبوابها ودروبها المعروفة بمختلف المهن والحرف، على غرار “درب الصاغة”، “درب الحماسين”، “درب العطارين”، “درب الحجامين التي فصل فيها حسن الوزان بطريقة رائعة، كما كتب عبد العزيز فيلالي عن تاريخ تلمسان وصناعها ودروبها من خلال كتاب “تلمسان في العهد الزياني”، وهو ما يعد توثيقا لتاريخ مدينة تلمسان العريقة بكل تفاصيلها.
تعرف مدينة تلمسان بعدة أبواب رئيسة معروفة، بنيت على جانبي كل واحدة منها مراكز حراسة، على شكل أبراج صغيرة، لمراقبة الحركة عبرها وكذا الأراضي الزراعية القريبة، حيث تتوفر هذه الأبراج على غرف يقيم فيها الموظفون والحراس، وتغلق بعد صلاة العشاء كباب العقبة الذي يقع في شرق مدينة تلمسان، وهو باب قديم بني بأحجار من بقايا المدينة الرومانية بوماريا، حيث اندثر هذا الباب، خلال فترة الاحتلال الفرنسي، بسبب التغييرات العمرانية، التي تعرضت لها المدينة. أما باب سيدي الحلوي، فيقع في الجهة الشمالية لتلمسان، وعرف بعدة أسماء منها: باب الزاوية نسبة إلى زاوية سيدي الحلوي، وباب علي نسبة إلى الحي الذي يوجد فيه، بالإضافة إلى باب القرمادين، الذي سمي نسبة إلى قربه من أفران صناعة الفخار والآجر والقرميد، مثلما كشفت عنه الحفريات التي أجريت بالقرب من هذا الباب، ما يدل على أن المنطقة كانت تعج بالمصانع، حيث يقع في الشمال الغربي لتلمسان، فكان بمثابة الحصن الدفاعي الأساسي لمدخل المدينة. أما باب كشوط، فيقع في الجهة الجنوبية الغربية لتلمسان، وقيل بأن يغمراسن أمر ببنائه وتحصينه بأبراج وأسوار عالية، كما عرف في العهد العثماني بتسمية “باب الأرجوحة”، بسبب عمليات الإعدام شنقا التي كانت تنفذ بالقرب منه.
فيما حدد المؤرخون باب الجياد في الجهة الجنوبية من المدينة، إلا أن آثاره قد اختفت بسبب التوسع العمراني هناك.
وقد أخذ هذا “الباب” اسم “الجياد” لكونه كان ممرّا للجياد العربيـة والإنجليزيـة والأحصنة الأصليّـة، وأيضـا للعابرين من الأشخاص الأسخياء والكرماء، وأصحاب الجود والنّبـل في فترة العثمانيّين، كما تخلل سور مدينة تلمسان سابقا عدة أبواب، على غرار “باب تاقرارت”، و”باب الربـط”، الذي سمي أيضـا بمدخل الشّجاع، وكـذا “باب زير”، الّذي خصص فقـط للمسجد الصّغيـر، و”باب السويقـة”، وكذا “باب الزّاويـة”، والباب الفرنسي “باب البراداي”، الذي شيد في عام 1856م على أنقاض باب أثري آخر، بالإضافة إلى “باب البايلك” (باب قارة سليمان) الذي شيد في العهد العثماني، كما تضم عاصمـة الزّيانيّين أبوابا أخرى، على غرار “باب التّوتية”، الذي يقع غير بعيد عن قصـر المشـور، بالإضافة إلى “باب الحديد”، وكذا باب الخميس، الذي أعيد ترميمه ضمن أشغال تهيئة الولاية في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!