أحرِقوا كتبَ البخاري وابن تيمية!
منذ أشهر قليلة، دعا السيسي علماءَ الأزهر إلى “تخليص الإسلام من النصوص التي اتخذت طابع القداسة وأصبحت تكبّل العقل وتمنعه من التطوّر” وكذا وضع “فقهٍ جديد يساير حقائق العصر”…
وبناءً على هذه الدعوة المُريبة، انطلق النقاش بين علماء الأزهر حول مختلف الكتب التراثية، وما يكتنف بعضَها من أخطاء تُحسب على الإسلام، لكن النقاش لم يقتصر على الأزهريين، ودخل العلمانيون على الخط، وبدؤوا يطعنون في كتب البخاري ومسلم ويشكّكون في صحة الكثير من الأحاديث النبوية المروية عنهما، ثم تطوّر الموقف وأقدمت وزارة التربية المصرية على إلغاء سِيَر صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع وكلمة “الجهاد” من المقررات الدراسية بذريعة أنها “تحث على العنف والإرهاب“، ثم حصلت الطامة الكبرى حينما أشرفت مسؤولة بالوزارة على حرق 82 كتاباً إسلامياً بالذريعة نفسها، في حين صرخ إعلاميٌ “تنويري” كما يصف نفسه، في برنامج تلفزيوني قائلا: “أحرِقوا كتب البخاري ومسلم وابن تيمية“، واتهم البخاري بـ“الكذب” ووصف ابن تيمية بـ“السّفاح“، والأئمةَ الأربعة بـ“النصّابين الأربعة“، ودعا إعلاميٌ آخر إلى “مليونية” لخلع الحجاب بمصر يوم 1 ماي القادم بزعمِ أن “الإخوان المسلمين” هم الذين فرضوه منذ عقود، وليس الله تعالى منذ 14 قرناً.
قد تحمل بعض كتب العلماء الأوائل أخطاء كأيّ عمل بشري، فهي ليست معصومة كالقرآن الكريم الذي تكفّل الله تعالى بحفظه من التحريف والخطأ، وقد تحمل بعض فتاوى السلف بعض الشطط، ولكن مهمّة التدقيق في كتب التراث من كتب أحاديث وتفاسير وفقه وفتاوى وغيرها، ومراجعتها… ينبغي أن تُسند للعلماء والفقهاء بالدرجة الأولى، وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي وليس للأزهر وحده، أما العلمانيون فينبغي أن يُستبعَدوا عن هذه المهمّة لأنهم غير مؤهّلين لها أصلاً بطبيعة “تكوينهم الفكري“؛ فمن غير المعقول أن نسند مثلاً مهمّة “التدقيق” في كتب الأئمة الأربعة، إذا كانت فعلاً بحاجة إلى تدقيق وتمحيص، لعلمانيةٍ تغريبية كنوال السعدواي، أو ندعو شخصاً مثل سيّد القمني الذي طالب يوماً ببناء “كعبة للمسلمين في سيناء” إلى وضع “فقهٍ جديد” لهم، إلا إذا أردنا وضع “فقه” على مقاس أمريكا والغرب والصهاينة وحدهم.
إن حرق 82 كتاباً إسلامياً والدعوة إلى حرق كتب فطاحل العلماء الأوائل وتجريم الحجاب… هي مقدّماتٌ لفتنة كبرى جديدة وخطيرة ستعصف بالأمة كلها وليس بمصر فقط، إن لم يتمّ الإسراعُ إلى غلق الباب أمام العلمانيين الحاقدين على الإسلام، والاقتصار على تنظيم ملتقيات وندوات ومؤتمرات للفقهاء والعلماء المسلمين المختصين القادرين على الاجتهاد خارج النصوص الثابتة القطعية.
ينبغي أن يفهم نظامُ السيسي وأزلامُه العلمانيون أن محاربة “التطرف والإرهاب والعنف“، لا يتمّ بالطعن في أمّهات كتب الحديث وشتم مؤلفيها المجتهدين، ولا بالافتراء على أحكام الخالق، وغيرها من الطرق المنحرِفة الخطيرة التي تستفزّ الناس وتثير مخاوفهم على دينهم، ولا تخدم في النهاية سوى التنظيمات المتشدّدة. إن معالجة مسائل شائكة مثل هذه بالحرق والحذف والتطاول على العلماء الأوائل وكيل السِّباب لهم، هو لعبٌ خطير بالنار وستحرق أولاً من أشعلها قبل أن تحرق الآخرين.