أحشموا…!
هناك فئة غريبة عجيبة، كلما كان البلد في “وضعية انتظار”، تسلّلت إلى الواجهة، عبر قنوات تلفزيونية، أو الفايسبوك، تحلّل وتنظـّر وتتفلسف، فهي تفهم في كلّ شيء، في السياسة والاقتصاد والدين والإعلام والثقافة والطب والهندسة والنفايات والتجارة والصناعة والفلاحة وحتى في علم الغبّار!
هذا النوع من المنظّرين والتنظيريين والمناظرين، يثرثرون عن الحراك وعن “التحراك”، عن البوحمرون والكوليرا والطاعون، ويتكلمون عن الانتخابات والديمقراطية وحرية التعبير، وحرية “التعنتير والتشوكير”، ويتكلمون الآن عن كورونا، لكنهم للأسف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، وينطقون بما لا يعلمون، وينصحون بما لا يدركون ولا يؤمنون!
“فلاسفة زمانهم”، يسوّدون كلّ أبيض، ولا يظهرون إلاّ في الليل وجنح الظلام، لأنهم يخرسون في عز النهار ويخافون أشعة الشمس.. ينتقدون ما لا يُنتقد، ويركبون كلّ “دابّة” يعتقدون بمكرهم وأنانيتهم أنها ستوصلهم إلى مبتغاهم، إن آجلا أم عاجلا.. يعتمدون غالبا الإشاعة والأكاذيب والدعاية المغرضة، لتحقيق أهداف مكتومة، بتضليل الرأي العام وتغليطه!
أولئك المرضى بفيروس “العظمة” ووباء الوهم، لا يرون إلاّ النصف الفارغة من الكأس، ويتحاشون النصف المملوءة منه، لا يتوقفون أبدا عند الإيجابيات والمكاسب، ويحاولون السطو على انتصارات الآخرين، و”مسح الموس” في غيرهم عندما يرتكبون الأخطاء والخطايا، والأغرب من ذلك، أنهم لا يطلبون الصفح ولا يعتذرون، لأنهم يكفرون بالتوبة!
“كوفيد 19” فضح هذه المجموعة الصوتية “المتعوّدة دايما” على التغريد خارج السرب، وقد كشفت الجائحة العالمية، “جياحة” هذه الكمشة التي تتغذّى من الأزمات والمحن، ولا تستحي من استغلال المآسي، والاصطياد في المياه العكرة، والأكثر من ذلك، فإنها تذرف دموع التماسيح، وتبكي على الأطلال التي خرّبتها بنفسها، وبعد أن “خلاتها” وقعدت على تلّها!
البلاد والعباد، بحاجة ماسّة في هذه المحنة العصيبة والظرف الاستثنائي، إلى من يمدّ يده لأيادي الخيّرين والوطنيين والمواطنين والمتطوّعين وأصحاب النوايا الحسنة والصادقة، والمضحّين بحياتهم في هذه الحرب الشريفة ضد كورونا التي لم تفرّق بين وزير وغفير، ولذلك، كم هو جميل، لو صمتت تلك “الفئة الضالّة” التي تريد أن تجعل من الوباء والابتلاء “كورسة”، إلاّ أنها لا تعلم بأن “الركبة مايلة” والنتيجة ليست “هايلة”!
أتركوا أهل الاختصاص يتكلمون.. ويا أيها المثرثرون والعالمون والعلماء في كلّ شيء، “أحشموا”، فللطبّ أهله، وللدين علماؤه وشيوخه، وللإعلام محترفوه، فلا تتلوّنوا بألوان الطيف، وتغيّروا “الفيستات” حسب المناسبات والمستجدات، والزموا حدودكم، حتى لا تصيبوا الناس بجهالة، وتصبحوا على ما فعلتم نادمين، وأنتم من المستهترين والمتزمّتين والعاملين على ترويع الآمنين وزرع اليأس والشكّ والبلبلة، وهذا وباء أخطر من إيبولا وكورونا!