-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أخـنى‭ ‬الـزمن‭ ‬عـلى‭ ‬اليمـن‭…‬

أخـنى‭ ‬الـزمن‭ ‬عـلى‭ ‬اليمـن‭…‬

نسجت عواصف التغيير، التي تهز أجزاء من وطننا العربي، مشرقا ومغربا، نسجت ضبابية من التعتيم، على جزء من وطننا الغالي الكبير، هو اليمن السعيد. وأُستغل الحكام، في مملكة سبأ، وسد مأرب، الحضارتين القديمتين، استغلوا، تقلب الوجوه نحو تونس، ومصر، وليبيا، ليعيثوا،‭ ‬قتلا‭ ‬وفسادا،‭ ‬بالشعب‭ ‬اليمني‭ ‬الصغير،‭ ‬الأعزل،‭ ‬ولا‭ ‬ذنب‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬المطالبة‭ ‬بالتغيير‭ ‬والرحيل‭.‬

لقد استبد الخوف، والقتل، والحزن، بكامل أجزاء اليمن السعيد بتاريخه، الشقي بحاضره، فحاصرت شبابه الشدائد والمحن، وساد الموت في حضرموت، ولفها الجوع والندرة في القوت. وها هي صنعاء ذات السماء الزرقاء، والطبيعة الخضراء، حولها أبناؤها إلى أيتام، وأرامل، وشهداء، وامتدت حتى إلى عنابر السجناء. أما عدن، فقد تغشت فيها كل مظاهر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وهكذا أخنى الزمن على اليمن، بسبب تشبث الحاكم بالكرسي، ولو على أشلاء الضحايا، من جماهير الوطن، وزرع خضراء الدمن التي تفتن الناظر ولا تراعي حق الإنسان في المحافظة على‭ ‬النفس‭ ‬والبدن‭.‬
‬ويحدث‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬عربي‭ ‬يرفع‭ ‬حكامه‭ ‬شعار‭ ‬الإسلام‭ ‬عقيدة،‭ ‬والعروبة‭ ‬أرومة،‭ ‬والإنسانية‭ ‬قيمة،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬يحرك‭ ‬ساكنا،‭ ‬لأن‭ ‬الصمت‭ ‬هو‭ ‬السائد،‭ ‬فالقوم‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬إعدام‭.‬
وكيف يرعوي حاكم اليمن عن فعل القتل والسجن، وبجانبه حاكم آخر هو “القائد الليبي الملهم”، الذي يعلن بكل تبجح ودون مواربة، أنه هو الذي خلق ليبيا، وأنه هو الذي سيفنيها، وهو القائل أيضا في وسائل الإعلام العالمية بأنه سيطهر ليبيا من “الثوار الأطهار”، بيتا بيتا،‭ ‬وزنقة‭ ‬زنقة،‭ ‬وفردا‭ ‬فردا،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ثمن‭ ‬ذلك‭ ‬التطهير،‭ ‬ولم‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬الكرسي،‭ ‬وهو‭ ‬‮”‬غير‭ ‬الحاكم‮”‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬إدعائه‭.‬
وقد عشنا المحن المماثلة من قبل في تونس، وفي مصر، وفي العراق، وفي البحرين، وحتما سنعيش مآسي أخرى في أجزاء “س” من وطننا العربي.. فالشعوب كبرت، ولكن قامات الحكام صغرت، فعجزت عن تعلم الإصغاء، وعن فقه النداء.. واللهم لا تجعلنا نحب من لا يحبوننا، حتى لا نشقى‭ ‬بالحب‭ ‬وبعواقب‭ ‬الحب‭.‬
حرم الإنسان العربي -إذن- أبسط حقوقه الإنسانية، وفي مقدمتها، الحرية في الحب، والحرية في الكراهية، فهو يحب تحت السيف في اليمن، وتحت القيد في ليبيا، وتحت التهديد في مواطن كثيرة، ولعن الله من أمّ قوما وهم له كارهون.
“فربما الماء يروب، ربما الزيت يذوب، ربما يُحمل ماء في ثقوب، ربما الزاني يتوب، ربما شمس الضحى تطلع من صوب الغروب، ربما يبرأ شيطان، فيعفو عنه غفار الذنوب، إنما لا يبرأ الحكام، في كل بلاد العرب، من ذنب الشعوب” (أحمد مطر -الأعمال الكاملة- صفحة 543).
حكام العرب الذين لا علاقة لهم بالفلسفة، وفي معظم الأحيان يعادونها، هو يجسدون أسوأ أنماط الفلسفة السياسية اليونانية في نظامها الاسبرطي الفاشي، فهم كاليونان خلقوا ليتحكموا، وليكونوا سادة، أبدا، وغيرهم خلقوا ليكونوا محكومين وعبيدا أبدا.
‭‬وإلا‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يصوغ‭ ‬لحاكم‭ ‬اليمن‭ ‬أن‭ ‬يجند‭ ‬جنده،‭ ‬ويعد‭ ‬عده،‭ ‬ويهزم‭ ‬إرادة‭ ‬الجماهير‭ ‬وحده؟
وما الذي يجيز لمستبد ليبيا أن يبعث الطائرات والدبابات، والصواريخ والشماريخ، لتصب سوط عذابها على المدنيين العزل؟ وما نقموا منهم إلا أنهم ضاقوا ذرعا بالظلم والاستبداد، فقالوا للحاكم ارحل! كفى استبدادا! كفى طغيانا! كفى ظلما!
‭‬لقد‭ ‬مزق‭ ‬الله‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الآمن‭ ‬المطمئن،‭ ‬الموحد،‭ ‬بأيدي‭ ‬حكامه،‭ ‬والحاشية‭ ‬من‭ ‬ظلامه،‭ ‬فساسوا‭ ‬شعبه‭ ‬كالقطعان‭ ‬من‭ ‬أغنامه‭.‬
ورب ضارة نافعة، فقد تعلمنا حب الحكمة من المجنون، وحب العدل من الظالم، وشحذ الإرادة من بطش المستبد، واستنبطنا بأن جنة الإرادة محفوفة بالمكاره، وأن هذه الجنة الموعودة، لا يمكن الوصول إليها إلا على جثامين الشهداء، فليبشر ثوار ليبيا، وثوار اليمن، كما استبشر من قبلهم ثوار ميدان التحرير، وثوار حي القصبة بتونس، بأنهم أول الداخلين إلى جنة الشعوب، التي أعدها الله، فزخرفت بالصبر والجهاد، والمصابرة، ومن أحق بهذه القيم من شعوب تونس، ومصر، وليبيا؟ ولباقي الشعوب فيهم أسوة حسنة، إنها سنة الله، وسنة التاريخ من سنن الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا. فصبرا آل ليبيا! وصبرا آل اليمن، فإن موعدكم جنة الشعوب في الدنيا، وجنة الله في الآخرة، “وإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، بأن لهم الجنة” (سورة التوبة، الآية 111).
وصدق‭ ‬أمير‭ ‬الشعراء،‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي،‭ ‬في‭ ‬قوله‭:‬
وللحرية‭ ‬الحمراء‭ ‬باب‭                    ‬
                بكل‭ ‬يد‭ ‬مضرجة‭ ‬تدق
مصيبة‭ ‬بعض‭ ‬الحكام‭ ‬العرب،‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقرؤون،‭ ‬وإن‭ ‬قرؤوا‭ ‬لا‭ ‬يفهمون،‭ ‬وإن‭ ‬فهموا‭ ‬لا‭ ‬يعملون‭.‬
فقد تنبأ شيخ الإسلام وعالم الجزائر، محمد البشير الإبراهيمي بما يحدث لليمن اليوم، حين قال في عام 1948، في مقاله الشهير “سجع الكهان”: وسموك السعيدة (أي اليمن) فشقيت بمن ولدت، وما سعدوا ولا سعدت (ج 3 ص 527).
ويقول‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭: ‬أيها‭ ‬اليمنيون،‭ ‬أطعتم‭ ‬الكبراء‭ ‬فأضلوكم،‭ ‬وخضعتم‭ ‬للأمراء‭ ‬فأذلوكم،‭ ‬حتى‭ ‬لنتم‭ ‬للعاجم،‭ ‬وذبتم‭ ‬للأعاجم‭.. ‬‮(‬ص422‮)‬
‬ويقول‭ ‬عن‭ ‬ليبيا،‭ ‬وكأنه‭ ‬يكتب‭ ‬عنها‭ ‬اليوم‭: ‬‮”‬ويح‭ ‬قزان،‭ ‬هل‭ ‬أتاها‭ ‬نبا‭ ‬وزان؟‭ ‬فمال‭ ‬بها‭ ‬الميزان،‭ ‬فهي‭ ‬رهينة‭ ‬أحزان‭. ‬وويح‭ ‬برقة‭ ‬البوارق‭ ‬من‭ ‬الدخيل‭ ‬الطارق،‭ ‬ومن‭ ‬الأصيل‭ ‬المارق،‭ ‬ومن‭ ‬اللص‭ ‬السارق‭..‬
وإن التاريخ يعيد نفسه في الوطن العربي وحده، لأن الحادثة التاريخية لا تتكرر.. ويأتي حاكم اليمن، وطاغية ليبيا، إلا أن يثبتوا عكس كل قاعدة علمية.. فيمعنوا قتلا وسلبا، وسبا، في شعوبهم، وما لها حق في التعبير، ولا حتى الحصول على حق الحمير، وهو الشعير كما يقول المرحوم‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭.‬
إننا نبرأ إلى الله مما يفعله حكام العرب بشعوبهم، ونعلن بأن كل قطرة دم تراق، وكل روح تزهق بعد اليوم، ستكون في ذمة هؤلاء الحكام. ذلك أن التمادي في حكم شعب، أي شعب دون إرادته، هي جريمة شنعاء، فكيف إذا أضيفت إلى هذه الجريمة جناية الحكم بالحديد والنار؟
‭‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ليبيا،‭ ‬واليمن‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬إنها‭ ‬يتحمل‭ ‬وزرها‭ ‬حكام‭ ‬البلدين‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ومعهم‭ ‬حكام‭ ‬باقي‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬والغربية‭ ‬بوجه‭ ‬أخص‭.‬
‭فما‭ ‬كان‭ ‬لأي‭ ‬حاكم‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬أو‭ ‬اليمن،‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يمعن‭ ‬في‭ ‬الغي‭ ‬والبغي،‭ ‬وفي‭ ‬الاستبداد‭ ‬والفساد،‭ ‬لولا‭ ‬تواطؤ‭ ‬بالصمت،‭ ‬أو‭ ‬بالصيت‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬الحكام‭..‬
فقد زورت الإرادات، وقلنا هو الإجماع، وزيفت الانتخابات، فقالوا هي حرية الاقتراع، فكذب الحكام العرب على شعوبهم، وعلى العالم، وكانوا أول المصدقين لكذبهم، ألا ساء ما يحكمون. فلا تلوموا القائد القدافي اليوم، ولا الرئيس علي عبد الله صالح، ولكن لوموا أنفسكم، فقوتهم من ضعفنا، وطغيانهم من خورنا، وعنجيتهم من استكانتنا، فلما تحركت الشعوب اليوم، فأرغدت وزمجرت، واشتبكت دموع في خدود، تبين من بكى ممن تباكى، وانكشفت عورات الحكام العرب، فأبانوا عن عدم صلاحيتهم للقيادة، وانطبقت على كل واحد منهم حكمة الشاعر البغدادي في قوله‭:‬
أوتيت‭ ‬ملكا‭ ‬فلم‭ ‬تحسن‭ ‬سياسته‭    ‬
                       وكل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يسوس‭ ‬الملك‭ ‬يخلصه‭.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • مولاي أحمد

    بمثلك تعتز البلاد وتزخر