-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الشيخ محفوظ نحناح

أدى الامانة.. فمن يكمل الرسالة؟!

صالح عوض
  • 7299
  • 5
أدى الامانة.. فمن يكمل الرسالة؟!

في يوم من أيام القاهرة شديدة الحرارة فيما كنت أتابع نشرة الاخبار على قناة الجزيرة وإذا بالخبر العاجل الفاجع عن وفاة الشيخ محفوظ نحناح.. كنت كمن نزلت به صاعقة أسرعت للاتصال بمن اعرف من اخوة في الجزائر وفرنسا وغيرهما لأتأكد من صدق الخبر..

  • بكيت وشعرت بانكسار عنيف واحسست ان فلسطين فقدت رجلا لا يقبل بمساومة عليها مهما كانت الاغراءات والتحديات.. سيل من الذكريات اجتاحني لا أستطيع ان اقف على محطة حتى تقذفني لاختها وانا اتنقل بين المحطات أرى وجهه البهي وابتسامته التي تتسع للزمان والمكان وكرم روحه الذي يعوضك عما فقدت لا اقوى على ضبط مشاعري حزنا واسى.. لكني لم انس اليوم الاول الذي التقيته فيه في بيته القديم في البليدة بالقرب من مسجد الرحمة في اوائل الثمانينيات.. كان الوقت ليلا زمهريرا باردا والمطر يزخ في الخارج بشدة وهو يتلفع ببرنوس يجلس على كرسي ويجلس الشيخ أبوسليماني على الارض بجوار الشيخ.. اصابتني رهبة من هذا اللقاء وسألني بقوة ما هي اخبار فلسطين..؟ فأخذت في شرح أحوال فلسطين والاستيطان والاحتلال واحوال الناس وتكلمت عن الاقصى وبيت المقدس ولم اتقدم في الكلام الا قليلا واذا بالرجل ذي الهيبة وقوي القسمات يتحول طفلا كأنه فقد أمه يجهش بالبكاء فتوقفت وتمالك نفسه قليلا وقال: تعرف يا أخي لقد تعاهدت والشيخ ابوسليماني عندما يطلق سراحنا ان نذهب ونجاهد في فلسطين ولن نعود الا شهداء..
  • اعتقدت حينها ان هذه مشاعر عفوية كما هي مشاعر المسلمين جميعا ولكني منذ ذلك اليوم لم أره الا تواقا شوقا وعشقا لفلسطين لقد كان مجنونا بفلسطين وقدسها واهلها..
  • تذكرت كل ذلك فكان لابد ان اكتب رثاء في اليوم نفسه وابعث به الى الصحف الفلسطينية فكتبت عن حزن جبال حيفا وعكا وعن مرج ابن عامر.. وكأنني استمع الى ذرى المكبر والكرمل وجبل النار وهي تنادي حبيبا مخلصا لها يذوب شوقا وعشقا حمله وهو مريض يتعالج في عمان ان يطلب من اصدقائه ان يحملوه الى اقرب مكان من فلسطين وعندما يشرف على الارض المباركة يدخل في طقوس عشقه نحيبا وبكاء يبكي كل من كان حوله.. غزة العصية العنيدة اشرأبت برأسها تطل من خلف الحدود الى رجل يحكي ابناؤها عنه روايات الحب المقدس.. كل فلسطين الغالية تململت لأن سيف حقها ثلم ثلمة الله وحده يجبر كسرها.. كتبت اعزي فلسطين في واحد من اخلص رجالها..
  • وفي مساء ذلك اليوم المر وجدت نفسي خارجا من بيت في مصر الجديدة الى مسجد الامام الحسين بوسط القاهرة.. وكانت قنبلة الذكريات التي مزقتني.. فهنا صليت مع الشيخ قبل عامين وهنا عندما خرجنا ليلا نتجول الشيخ وأنا وبعض الاصدقاء في القاهرة الاسلامية وقرأنا العناوين والاسماء، التفت إليّ الشيخ محفوظ وهو يبكي وقال: شوف يا أخ.. ماذا فعل أجدادنا؟؟ لم أفهم في البداية حتى أخذ في الشرح عما فعله الفاطميون الجزائريون الذين بنوا القاهرة والمسجد الازهر والمساجد التي لاتزال تزين القاهرة.. كان جزائريا صميما يشعر بقيمة الجزائر ويناضل من اجل رفعتها وعلو شأنها ولا يقبل لها أقل مما تستحق رائدة وقائدة وعلمها يرفرف في العالي.. كان يتماهي في شرايين الجزائر وكانت الجزائر قصيدته الملهمة يحب أبناءها وأرضها وتاريخها وجيشها ورجالاتها.. وكان يعرف أن الجزائر هي القاعدة الكبيرة المتميزة في نهضة الأمة متى أمسكت بأسباب التقدم وهي قادرة كما انتصرت في ثورة التحرير ان تنتصر في ثورة التعمير.. لقد تنقل بين القرى والمداشر والمدن البحري منها والصحراوي جاب الوطن كله بكل مكوناته وهتف بأبنائه ان توحدوا وتفاءلوا وتقدموا وكونوا جزائريين فقط.. كان خطيبا ومحاضرا وداعيا ومناظرا ومربيا.. ولقد كان الشيخ محفوظ متفتحا على ثقافة عصره وعلى علوم السابقين وامتلك باقتدار ناصية العربية ومفاتيح فهم الرسالة.
  • واليوم وأنا أكتب عن الشيخ محفوظ نحناح الاديب والقائد والداعية والمفكر والسياسي أجد نفسي في فاجعة أكبر، فلقد كانت وصية الشيخ فلسطين والدعوة الاسلامية في الجزائر.. ففلسطين اليوم تحيط بها المؤامرات العنيفة ولقد شهدت بعد وفاته حصار واستيطانا وتهويدا للأقصى وعلو إسرائيلي قل نظيره.. أما الدعوة التي شق بها طريقا صعبا محفوفا بالمخاطر وقدم في سبيلها جهده وروحه واستطاع ان يجنبها الشطط والميوعة وان يحافظ على نقائها ورشد سبيلها فهي للأسف وجدت نفسها تنقسم على فريقين لايمكن القول بحال من الأحوال أنهما يمتلكان نظريتين مختلفتين للعمل فهم من المدرسة نفسها ولعل التاريخ سيكتب يوما أن من يقف على رأس الفريقين سيكون ممن لم يراع وصية الشيخ بل وجه اليه ضربة في صميم مشاعره.
  • المهم أن الشيخ بذل وسعه في تأدية المهمة وأصبحت الفكرة الإسلامية حاضرة في النشاط السياسي والاجتماعي باحترام بالغ وقد جنبها الشيخ الهامشية والإقصاء، كما أنقذها من العنف والنزق.
  • سيكتب تاريخ الجزائر بجوار عظماء هذه البلاد العظيمة إسم الشيخ محفوظ نحناح ولقد أفضى إلى ربه تاركا وصيته في العالمين فهل من مجيب؟.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • omar lamontagne

    بارك الله فيك و زاد من امثالك.الشيخ لا يعرف قيمته الا ناس ربانيين و كتاب منصفين.ام الجهلة فنتركهم و حالهم.رحم الله الشيخ محفوظ والشيخ بوسليماني وجميع المسلمين

  • المعلّم

    أستاذنا العزيز صالح عوض،نشكرك جزيل الشكر على مروءتك التي ظهرت في أبهى صورها، كان من أحب أسماء الشيخ الى نفسه صلاح الدين و نور الدين ،و لقد سمى ولدين من أولاده بهذين الاسمين لتبقى فلسطين الحبيبة حاضرة معه في بيته و في قلبه ،يذكرها كلما دعا أحدا من أبنائه ،و أُحب أن أقول للعزيز صالح عوض إن الشيخ مات و في نفسه كثير من الشوق ليطأبقدميه أرضها الطاهرة و تكتحل عيناه برؤية القدس الشريف،و لو أمدّ الله في عمره لكان واحدا من بعثة الشهداء في أسطول الحرية.رحمه الله برحمته الواسعة.

  • الطيب

    لا فض فوك .
    بلا شك ان الشيخ قدم ماعليه و اسس لعمل يكون صدقة جارية له بإذن الله
    و ما حدث من بعده يدخل في سنة التدافع و عمل الشيخ سيكب له الدوام بإذن الله
    لأنه كان مخلصا فيه و قد علمنا الشيخ انه " ما كان لله دام و إتصل و ما كان لغيره إنقطع و إنفصل"
    شكرا لك اخي

  • مصطفى الجزائر

    بارك الله فيك..ورحم الله الشيخ الجليل وجميع الشهداء

  • مصطفى الجزائر

    بارك الله فيك..ورحم الله الشيخ الجليل وجميع الشهداء