-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أردوغان على خطى آل عثمان

محمد بوالروايح
  • 4193
  • 14
أردوغان على خطى آل عثمان

يتمتع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشخصية كاريزمية جلبت له احترام كثيرين في الشرق والغرب، وذلك بعد سنين عجاف عانى فيها الرجل التهميش السياسي، شأنه في ذلك شأن كثير من الإسلاميين الأتراك الذين لم يكن لهم دورٌ في صناعة القرار السياسي في تركيا في ظل الحكم العلماني الذي لم يكن يسمح بالمشاركة السياسية للإسلاميين تكريسا لبنود الدستور التركي الموروث عن الزمن الأتاتوركي.

تغيَّرت الخارطة السياسية في تركيا كثيرا بعد أن تراجعت هيمنة العلمانيين وتراجعت معها الثقة الشعبية، وبدأ العلمانيون يفقدون نفوذهم ومواقعهم تحت زحف التيار الإسلامي بزعامة حزب العدالة والتنمية الذي استطاع كسب ثقة الأتراك بعد الهزات الاجتماعية التي جعلت كثيرا منهم خارج الحسابات الاقتصادية التي لم يفلح واضعوها في إنعاش الاقتصاد التركي المتهالك بعد أن بلغ التضخُّم نِسبا قياسية خطيرة، فوجدت الطبقات الاجتماعية في حزب العدالة والتنمية المخلِّص من حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وبدأت الأمور تأخذ منحنى إيجابيا على العموم بالرغم من حالة الامتعاض والاعتراض التي أبدتها بعض التشكيلات السياسية التركية تجاه حزب العدالة والتنمية التي تتهمه بالعدول عن الدستور العلماني والحنين إلى العودة بتركيا إلى ما قبل الحقبة الأتاتوركية، أي العودة إلى نظام الدولة العثمانية التي انتهت بمشروع التغريب الذي أمضاه مصطفى كمال أتاتورك بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

وبهذا الصدد، يرى بعض المحللين السياسيين أن هذا المشروع التغريبي كان عملا مخططا له ومبرمَجا من قبل الدوائر الغربية الاستعمارية التي استطاعت إقناع مصطفى كمال أتاتورك بقبول الآخر الأوروبي وتطليق الحكم والحياة الإسلامية، وبالفعل قام أتاتورك بتنفيذ هذا المشروع الذي يحمل البصمة الأوروبية فأغلق المدارس الدينية ومنع لبس العمائم والطرابيش والحجاب، وفرض في المقابل لبس القبعة الأوروبية وغيَّر حروف اللغة التركية من العربية إلى اللاتينية واستمر في سياسة إرضاء الغرب.. 

واستطاعت الحنكة والحبكة الأوربية أن تحوِّل تركيا من خصم تاريخي إلى شريك عسكري بقبول عضوية تركيا في الحلف الأطلسي، ولكونها إحدى قواعده المهمة خلال الحرب الباردة، وأن تحوّلها أيضا إلى شريك اقتصادي غير عضوي في الاتحاد الأوروبي بسبب رفض هذا الأخير عضوية تركيا رغم  الإلحاح التركي بمناسبةٍ ومن غير مناسبة.

يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعادة المجد العثماني واستعادة الميراث السياسي الذي خلّفه حكام “آل عثمان” وهو الشيء الذي يرفضه ويتخوف منه الشركاء الأوروبيون، ولكن منطق تغليب المصلحة الأوروبية جعلهم يغضُّون الطرف عن هذا الموضوع بصفةٍ مؤقتة وإرجائه إلى وقتٍ لاحق بسبب محورية الشريك التركي وصعوبة العثور على شريك بديل خاصة في ظل الوضع السياسي المتأزم في منطقة الشرق الأوسط  حيث تؤدي تركيا دورا حيويا في الملف السوري، فكيف سيوفق أردوغان بين تحقيق الحلم العثماني وبين الإبقاء على تحالفاته مع الشريك الأوروبي؟

إن ولاء أردوغان لآل عثمان ولاءٌ مشروع ولكن دونه عقبات وعثرات وتنازلات كثيرة، ومن جهة أخرى فإن بعث المشروع العثماني -إذا استبعدنا الرفض الأوروبي وركزنا فقط على الموقف التركي- ليس بالأمر الهيِّن لأن أردوغان حسب المحللين والمهتمين بالشـأن التركي لم ولن يكون بوسعه تطبيق هذا المشروع بحذافيره وسيكتفي بتطبيق بعض جزئياته وبخاصة ما له علاقة بالجانب الاجتماعي دون الجوانب الأخرى، ويمكن تفصيل ذلك بالقول إن الازدواجية التي ينتهجها أردوغان في تمسكه بالمشروع العثماني وحرصه على رفض سياسة العزلة التركية بإقامة التحالفات العسكرية والسياسية مع الغرب له قراءة واحدة وهي أن أردوغان لن يتجاوز في مشروع عثْمَنة تركيا أو إعادة العثْمنة حدودَ الولاء العاطفي والتاريخي وذلك لعدة أسباب، منها أن الحكام العثمانيين كانوا يحكمون إمبراطورية عثمانية مترامية الأطراف كان لها وزنُها على الساحة الدولية آنذاك قبل أن يدبَّ فيها ما يمكن تسميته “السقام السياسي” الذي حوَّلها إلى صورة الرجل المريض الذي هلك بعد مدة واقتسمت الدول الاستعمارية تركته الاقتصادية والحضارية، وأما أردوغان فإنه يحكم تركيا وهي بمنطق المقارنة بحجم دويلة أو مقاطعة في جسم الإمبراطورية العثمانية، بالإضافة إلى أنه لا يملك القوة السياسية والعسكرية التي تؤهِّله للعب الدور العثماني، وخاصة أن تركيا ليست إلا طرفا هامشيا في المعادلة الإستراتيجية الدولية.

“العثْمَنة مشروعٌ مؤجل أو مستحيل لأن أردوغان ليس إلا ممثلا لحزب سياسي، وسياسة تركيا كسائر الدول تتغير ولو نسبيا بتغير السلطة السياسية، فتحقيق المشروع العثماني مرهونٌ ببقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم وهذا غير ممكن لأنه مخالف لقواعد التداول السياسي الذي قد يؤدي إلى خسارة الحزب في الاستحقاقات القادمة.”

ومن ثم فإن العثْمَنة مشروعٌ مؤجل أو مستحيل على الأرجح لأن أردوغان ليس إلا ممثلا لحزب سياسي، وسياسة تركيا كسائر الدول تتغير ولو نسبيا بتغير السلطة السياسية، فتحقيق المشروع العثماني مرهونٌ ببقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم وهذا غير ممكن لأنه مخالف لقواعد التداول السياسي الذي قد يؤدي إلى خسارة الحزب في الاستحقاقات القادمة.

لقد استطاع هذا الحزب ذو الميول الإسلامية أن يعيد بعض مظاهر الحياة العثمانية التي منعها أتاتورك مثل إعادة بعث المدارس الدينية، وهي حقيقة يقر بها  كل المتابعين للشأن التركي فقد عادت المدارس الدينية إلى نشاطها قبل المنع الأتاتوركي، ولكن المحك الحقيقي لأردوغان والحزب الذي ينتمي إليه هو إعادة الحرف العربي إلى اللغة التركية التي لا تزال إلى اليوم تُكتب بالحرف اللاتيني الذي غرَّبها وجعلها أقرب إلى الحضارة الغربية اللاتينية منها إلى الحضارة العثمانية أو الإسلامية بصفة عامة، لم يستطع أردوغان ولن يستطيع فعل أي شيء حيال هذا الموضوع، وكل ما أمكنه ويمكنه فعله هو الإحياء الجزئي للغة العثمانية في صورة مدارس نظامية أو مستقلة أو مراكز بحث وكفى الله المؤمنين القتال.

ما نأمله لاختبار إرادة أردوغان في بعث المشروع العثماني هو دعوته قبل انقضاء عهدته الرئاسية الحالية إلى تنظيم استفتاء شعبي في تركيا من أجل العودة إلى لغة الأجداد العثمانيين التي هي اللغة العثمانية ووقف القطيعة بينها وبين الحرف العربي، نأمل هذا ولكنني لا أعتقد صراحة أنه بإمكان أردوغان أن يستجيب لهذا الطلب لأسباب متعلقة أساسا بما يمثل واحدة من ثوابت المجتمع التركي الحديث وخاصة لدى العلمانيين الرافضين لفكرة تعريب الحرف التركي من أساسها.

إن المشروع العثماني هو في كل الأحوال مشروعٌ إسلامي وليس مشروعاً تركياً، وتحقيقه يحتاج إلى اجتماع الدول الإسلامية المعاصرة في كيان إسلامي واحد وموحد على شاكلة الكيان العثماني القديم، وهذا غير ممكن بسبب التقسيمات الحديثة التي أدت إلى استبدال الكيان الواحد الموحد بكيانات مستقلة ممثلة في الدول القُطرية والإقليمية.

ينتقد بعض المناوئين لأردوغان مشروع عثْمَنة تركيا بقولهم إن تركيا أردوغان قد أقحمت نفسها في كثير من المشاكل الإقليمية وبخاصة ما يتعلق بالملف السوري التي تُضاف إلى مشاكلها الداخلية المتمثلة أساسا في موقفها من المعارضة بصفة عامة والمعارضة التركية بصفة خاصة وإعادة الخارجين عن القانون إلى الصف الوطني والإسهام في البناء الوطني والحضاري والتخلي عن العمل المسلح الذي أضر بتركيا كثيرا، صحيح أن تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية قد سعت جاهدة لحل المشكل الكردي ولكنها لم تفلح في احتواء المعارضة الكردية بسبب اختلاف مواقف الطرفين وعدم الاتفاق على أرضية مشتركة للحوار السياسي، وأختم بالقول إن أردوغان لن يكون خليفة لآل عثمان إلا أن تتحقق مقولة “التاريخ يعيد نفسه” التي لا أْؤمن بأنها ممكنة، لأننا نحن من نصنع التاريخ وليس التاريخ من يصنعنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • ياسر العثماني

    مشروع اردوغان هو مشروع اسلامي وليس تركي لانه يريد اعادة الحضارة العربية الإسلامية التي جعلت من الامة الاسلامية قاطرة الامم وجعلها على راس الهرم العالمي الذي كان يخضع تحت امرها ابان الحكم الإسلامي انذاك، ولكن هذا الهدف يتحقق باتحاد العالم الاسلامي كله حتى يكون قويا في جميع المجالات ويكون مستقلاً بداته عن التبعية الغربية.

  • بدون اسم

    لماذا لم تستقيم الدول العربية بالدين هي فى تناحر دائم مع بعضها. الاستقامة يجب فهم الدين الصحيح و التحلى بالاخلاق و التربية و الصدق وليس الذهاب الى المسجد ثم التكفير والقتل والخداع....

  • SALIM

    أخطأت٠ أغلب العرب من ليبيا، سوريا، العراق، الجزائر و مصر ونجد وقفوا مع الأتراك ضد الإنجليز. خلال الحرب العالمية الأولى كان ثلث الجيش العثماني من العرب المتطوعين في أغلبهم. كان عددهم ثلاثمائة ألف. بينما لم يتعد الذين وقفوا مع الشريف حسين في الحجاز ضد الأتراك خمسة آلاف أثرت فيهم غواية الإنجليز

  • ardogane

    الله يرحم دالك الفم رؤيا صائبة

  • عمر

    كلما قوي الاتراك او الفرس الا و أذاقوا العرب الويلات هذه هي الحقيقة التاريخية ......

  • hocheimalhachemih

    الأسلام بقيادة الأمة العربية،من سيقود العالم الأسلامي بمشيئة الله ، وذلك بما حباهم الله بحمل الرسالة الخاتمة للأنبياء والرسل وبما سخر الله لهم ورزقهم من خيرات متنوعة لامثيل لها عند الغير، وبدينهم الحنيف الذي أنزل رحمة للعالمين، المهيمن على كل ماأنزل من كتب سابقة، والأمم لا تستقيم الا بالدين، الصحيح الصادق المصدوق، اعدلوا هو أقرب للتقوى، وأقسطوا ان الله يحب المقسطين، قرآنا عربيا لعلكم تعقلون،أعظم لغة،علما أنالغرب وأذنابه لايقبلون هذا،لكن بالتقارب والأتحاد ونبذ الأنانية،ستستقيم الأمور ان شاء الله

  • said70

    مادام سرطان الامة الاسلامية موجود والمتمثل في نظام ال سلول في السعودية ونظام بنو قينقاع في الامارات ونظام ال فرعون في مصر لن تنعم هده الامة بالخير فيجب اولا العمل على استئصال هدا الورم الخبيث من كيان هده الامة المتمثل في هده الانظمة وبعد دلك نعمل على بعث المشروع لان ظهورنا سوف تكون محمية .

  • ami_salah

    الغريق لاينقذ غريق

  • الغرب يبني

    بكل اختصار اردغان يرقص على جثث الاسود
    كما فعل الاتراك في الماضي مستغلين التعاطف الديني
    لكن العثمانيون بصفة عامة هم اتراك كان عددهم كبير بالنسبة للاخرين
    فاستغلوا كثرتهم و حولوها الى جيوش تركية و سموها دولة عثمانية
    وتعلموا من العقلية البدوية كيف يستثمروا حروبهم بغزوات و غنائم و اختصاب النساء
    هذا كل ما في الامر نظام اجرامي بحت
    فماذا تريد ان تقول بالنموذج العثماني هل تقدس الاتراك ام انك متعطش للدماء
    لولا وجود جيوش قوية في العالم تنظم الدول و تسيطر عليها
    لارئيت حقيقة الاتراك و العرب بالدموية كيف هي

  • الطيب ـ 2 ـ

    فكانت النتيجة هي تخلف تركيا و انهار اقتصادها و عملتها لأن دستور أتاتورك الموالي للغرب صنع فجوة كبيرة بين الشعب التركي المسلم و حكّامه ، لكن مجيء أردوغان و التفاف شعبه حوله غيّر تركيا و صنع منها قوة على الأقل اقتصادية في العالم .
    لست من مريدي أردوغان و لكن الحق يُقال .

  • الطيب ـ 1 ـ

    ربما أردوغان يبحث عن دولة عثمانية جديدة شبيهة بدولة أجداده التي حكمت مساحة شاسعة من الأرض لقرون و هذا حقه على الأقل كحلم و أمل ...و لكن عزة و كرامة الأمة المسلمة المسلوبة هي معقودة في رقاب أكثر من مليار و نصف مسلم و ليس في رقبة المسلم التركي فقط .
    الذي يلفت الانتباه و يتعامى عنه الكثير خاصة من الذين هم من جهة " مسلمون " و من جهة " تغريبيون علمانيون " !! أنّ الدستور الأتاتوركي العلماني منع المشاركة الإسلامية في صناعة القرار السياسي في تركيا لعقود طويلة ...

  • عمار

    لا كرزما و لا احترام و لا ذكاء ما هو الا دمية بين ايدي الناتو الغرب اسرائيل و قطر و تارة معزة امام الروس فهو ثاني رئيس بعد ترامب المكروه عبر العالم فما نتيجة مواقفه ياترى سوى انه شارك بقوة في ما يسمى بالخراب العربي و مى يحدث في ليبيا و سوريا من ابادة المسلمين و من عرب و اكراد

  • أيمن

    مجرد أحلام...أردوغان واجهة إسلامية وقلب دونمي .
    اسطنبول تحولت إلى قسطنطينية جديدة ، أي إسلام وكل الفساد الأخلاقي يأتينا عبر المسلسلات والأفلام التركية ، أي إسلام والسياحة الجنسية تضرب بأطنابها في تركيا ، أي إسلام والتحالف مع الناتو وإستضافة 3 قواعد أمريكية ، والتآمر على العراق وسوريا ، أن تكون في حلف الناتو فقط يعد أكبر جريمة في حق دولنا الإسلامية التي كلها عانت منه بما فيها الجزائر .

  • الدزاير الأصيلة

    لن ينجح أردوغان في استعادة أمجاد الخلافة العثمانية و إذا أصر سيجد العالم متحدا عليه من أجل إفشال مشروعه و أول من يقف في وجهه العرب مثلما فعلوا في السابق عندما تحالفوا مع الإنجليز و قضوا على الخلافة العثمانية قضاءا مبرما ...