-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أرِحنا منها يا إمام!

سلطان بركاني
  • 457
  • 0
أرِحنا منها يا إمام!

مع أوّل يوم من رمضان، يبدأ الحديث في أوساط كثير من الصّائمين حول أنسب المساجد لصلاة التّراويح، وفي الوقت الذي تهتمّ قلّة منهم بالبحث عن أحسن الأئمّة صوتا وأخشعهم تلاوة، يصرّ كثير منهم على البحث والتّنقيب عن أسرعهم قراءة، ويسألون عن المسجد الذي ينصرف مرتادوه قبل المساجد الأخرى؛ لا يهمّهم أن تكون قراءة الإمام حسنة، بل ربّما لا يهمّهم أن تكون واضحة مفهومة، المهمّ بالنّسبة إليهم أن تكون سريعة، وإن زاد الإمام على ذلك واكتفى بقراءة حزب واحد كلّ ليلة، فسيكون الاختيار المفضّل لدى كثير من المصلّين، وربّما يمتلئ مسجده عن آخره ويصلّي النّاس في السّاحات والطّرقات!

لو كان هؤلاء الذين يبحثون عن هذا الصّنف من الأئمّة ممّن لهم أعمال ومشاغل تنتظرهم، أو من كبار السنّ وأصحاب الأعذار الذين يشقّ عليهم طول القيام، لربّما هان الأمر، لكنّهم في الغالب شباب وكهول في كامل الصحّة والعافية، ولا يشغلهم شاغل سوى التفرّغ لسهرات المقاهي التي تأخذ منهم السّاعات الطّوال من ليالٍ هي أغلى الليالي وأنفعها.

في رمضان من كلّ عام يتكرّر هذا المشهد؛ ترى عجائز انحنت ظهورهنّ، وشيوخا طاعنين في السنّ، يسابقون إلى الصّفوف الأولى في صلاة التراويح، ويصلّي الواحد منهم قائما مع الإمام، لا يتخلّف عنه في التّكبير، ولا ينصرف من الصّلاة حتى ينصرف الإمام، لا يتأوّه ولا يتأفّف ولا يشكو ثقل قراءةٍ ولا طول قيام.. بينما ترى شبابا وكهولا يُمتّعون بالصحّة والعافية، لا يكتفون بالبحث عن أسرع الأئمّة قراءة، بل تراهم يختارون الصّلاة في الصّفوف الأخيرة، ليجلسوا بين كلّ ركعتين يتسامرون حتى إذا كبّر الإمام للرّكوع سارعوا إلى الدّخول معه في الصّلاة، بل ربّما يصلّي الواحد منهم الرّكعتين والأربع، ويولّي هاربا!.

لقد أصبح لزاما علينا ونحن نرى هذه المظاهر تتكرّر كلّ عام، أن نتساءل: إلى متى يا ترى ونحن على هذه الحال؟ إلى متى ونحن نتعذّب بالصّلاة وننظر إليها على أنّها دين ينبغي أن نؤديه مكرهين؟ إلى متى ونحن نسعى للتخلّص منها؟ نبيّ الهدى -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كان إذا أهمّه أمر فزع إلى الصّلاة، وكان يقول: “أرحنا بها يا بلال”، ونحن في هذا الزّمان أصبح لسان حال كثير منّا: “أرحنا منها يا إمام”!.. لا نعرف من قيام اللّيل على مدى 11 شهرا سوى ركعتي الشّفع وركعة الوتر، نصلّيها بعد العشاء مباشرة على عجل، ثمّ إذا جاء رمضان، لنعوّض تقصيرنا في القيام، إذْ بنا نتثاقل ونتحايل ونرضخ لأهواء نفوسنا التي تأبى إلا أن تضيّع علينا فرصة من أهمّ الفرص التي تُغفر بها ذنوب العمُر، نسمع الحديث عنها كلّ عام، لكنّ نفوسنا الأمّارة بالسّوء تحول بيننا وبين الظّفر بها.. عن فرصة “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه” أتحدّث.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!