الرأي

أزمة رجال!

حسان زهار
  • 2432
  • 8
ح.م

قبل أن تكون أزمتنا هي أزمة “سيستام” ومنظومة حكم فاسد، هي أولا أزمة رجال.

لقد أظهر العدد الكبير من الذين تقدموا لمنصب الرئاسة، من المترشحين للترشح، أن الأزمة بالفعل هي أزمة رجال قبل أن تكون أزمة برامج أو أفكار، ولذلك ما يزال الشارع في عمومه، ينتظر الرجل المخلص، أو المهدي المنتظر، الذي سوف ينقذ الجميع، لكنه لا يريد أن يظهر.

ما زال الرجل المالك لهيبة الدولة، وقوة الكاريزما، وسلطان الفكر والعلم، غير واضح المعالم.. مترددا في الخروج.. وربما لن يخرج أبدا..

فما الذي حصل حتى يحدث كل هذا التصحر “الرجولي”؟

في زمن الاستعمار امتلكت الجزائر رجالا كبار، فكانت لدينا مقاومة عظيمة، قادها رجال عظماء، ويكفي أن نذكر الأمير عبد القادر، الشيخ الحداد، الشيخ المقراني، بوعمامة… وغيرهم كثير حتى ندرك أن الأرض وقتها كانت ولاّدة، وأن الرجال كانوا على صهوة الجياد يتوشحون السيف والبارود.

في زمن المقاومة السياسية التي برزت بعد الحرب العالمية الأولى، كان لنا أيضا رجال عظماء، الأمير خالد، ابن باديس، مصالي الحاج وغيرهم، قبل أن تنفجر الثورة المسلحة، ويتفجر معها نبع الرجولة بآلاف الصناديد من أمثال بن بولعيد، عميروش، بن مهيدي، زيغود يوسف وغيرهم كثير.. كثير جدا..

بعد الاستقلال احتفظنا ببعض الرجولة الثورية، وكان الرئيس بومدين علامة فارقة في هذا الاتجاه، لكن سياسة الاقصاء والإخصاء التي مارستها الدولة الوطنية الوليدة، كانت تقتضي البحث عن جينات الرجولة لمحوها.. بدعوى أنهم معارضون للحكم الجديد، فكان أن شهدنا ازاحة رجال كبار، من أمثال البشير الابراهيمي، مالك بن نبي، مفدي زكريا وغيرهم…

غير أن أكبر نكسة للرجولة في الجزائر، كانت مع توقيف المسار الانتخابي عام 1992، حين بدأت عمليات ذبح الرجولة في الوديان بتهمة الارهاب، في مقابل التمكين للبدائل الخنثوية لجماعات “جزائر حووورة ديمقراطية”، الى أن وصلنا بالنهاية الى الزمن البوتفليقي، الذي كان برنامجه الوحيد اخصاء من تبقى من رجال الوطن، عبر سياسات التربية والتعليم وقانون الأسرة ومستوى التعليم الجامعي، وغلق المجال السياسي، وتربية أنواع هجينة من رؤساء الأحزاب والجمعيات، وتقديم المرأة المنحلة لكي تمثل المرأة الجزائرية الفحلة.

وقتها تم وأد آخر الرجال المحترمين بطريقة بائسة اسمه عبد الحميد مهري، لتحال جبهة التحرير إلى المهرجين والدجالين.

الآن، يبحث الشعب يمينا ويبحث شمالا، فلا يكاد يجد رجلا يملأ العين قيادة وحضورا.. الا من بعض الملامح، ويتفحص بين الوجوه التي ترشحت للرئاسة فيعود خائبا لا يلوي على شيء، ثم يتفحص بين الوجوه التي أحجمت فتكون الخيبة أعظم..

اين تراهم رجال الجزائر وحرائرها؟

لقد اعتقدنا في الماضي أن الإقصاء وراء تغييب الرجال والقادة الحقيقيين، واذ بالمنادي ينادي فينا اليوم بصرخة التحدي.. أخرجوا لنا شجعانكم.. ألا من مبارز؟

فلا يخرج له أحد إلا وقد كان “أحدبا” أو “أجربا” أو مترددا مرتعشا..

يصير الأمر مثيرا للألم، حين يعجز شعب به أكثر من 44 مليون مواطن، على اخراج من يملأ العين، حتى لا نقول من يملأ الكرسي.

لقد شخص بومدين الأزمة من قبل بأنها أزمة رجال، وبحث بوضياف عن عشرة رجال من حوله واعترف أنه لا يجد..

وهو بوضياف نفسه الذي قال كلمته التاريخية غداة الثورة عندما واجهوه بحقيقة قلة الرجال “والله سنفجرها ولو بواسطة قردة الشفا”.

فهل سنفجر خيبتنا اليوم بما تبقى من قردة خراطة؟

باب الترشيحات للرئاسة يكاد يغلق.. اذ نحن في ربع الساعة الأخير.

وعلى من تبقى من رجال حقيقيين، أن يظهروا الآن قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة