-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أسنح فرصة للتغيير نحو الأفضل

سلطان بركاني
  • 528
  • 0
أسنح فرصة للتغيير نحو الأفضل

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه “الفوائد”: “ليس في الشّريعة ولا في الطبيعة توقُّفٌ البتَّة، فإذا شغل العبدُ وقتَه بعبودية، تقدَّم إلى ربِّه، وإن شغله هوى أو راحةٌ أو بطالةٌ، تأخَّر؛ فالعبدُ لا يزال بين تقدُّمٍ وتأخُّر؛ قال الله تعالى: ((لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّر))”.. ما من عبد في هذه الدّنيا إلا وهو خاضع لسنّة التبدّل والتغيّر، فإمّا أن يكون التغيير نحو الأحسن، أو يكون نحو الأسوأ، والعبد الموقن بلقاء خالقه لا يرضى إلا أن يكون في كلّ عام أقرب إلى مولاه.

من عباد الله المسلمين من ينفق أموالا طائلة في دورات تدريب تحمل عناوين برّاقة وشعارات مغرية بالتغيير، لكنّه يخرج منها بخفي حنين وأوهام يصطدم معها بواقع يحتاج إلى همّة وعزم وعمل يراعي الواقع، ويدرك أنّه في حاجة إلى محرّك لا تدلّه عليه تلك الدّورات.. هذا المحرّك هو الرغبة في نيل الكرامة والدّرجة العالية عند الله: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ))، عندما يجعل العبد هذا الموعد نصب عينيه، ويستحضر أنّه إمّا أن يكرم فيه أو يهان، فإنّه لن يرضى عن حال الغفلة والتفريط.

هذا الدّافع يمكن أن يجده العبد في كلّ وقت يجلس فيه مع نفسه جلسة مصارحة ومعاتبة ومحاسبة، لكنّ هناك مواسم يكون فيها هذا الدّافع أقوى ما يكون، من أهمّها شهر رمضان الذي يجد فيه العبد المؤمن داعيا في داخله يناديه ودافعا يدفعه نحو التوبة والتغيير، وهو يستشعر تفريطه في جنب ربّه ومولاه سبحانه، ويتوق إلى بداية جديدة وحياة مختلفة.

حريّ بكلّ عبد مؤمن يعدّ السّاعات لاستقبال رمضان، أن يسأل نفسه: إن كانت علاقته بالله في تحسّن وصعود، أم تراها في فتور ونزول؟ قلبه، هل يزداد لينا وخضوعا، أم تراه يزداد غفلة وقسوة؟ كيف هو مع صلاته؛ هل يزداد محافظة عليها وحرصا على أوقاتها وعلى خشوعها وطمأنينتها أم تراه يزداد كسلا عنها وإضاعة لأوقاتها؟ كيف هي حاله مع المعاصي والذّنوب، هل يزداد قلبه تعلقا بها وجوارحه إقبالا عليها، أم ترى قلبه يزداد رفضا لها وجوارحه تزداد بعدا عنها؟
أول ما ينبغي للعبد المؤمن أن يبدأ به على طريق التغيير، أن يحرّك الشّعور بالنّدم في قلبه على ما ضيّع من سنين عمره في الغفلة والتفريط، وهو يستحضر أنّه إن لم يندم في هذه الدّنيا، فربّما يندم في الآخرة، والنّدم في الدّنيا توبة صالحة يحبّها الله تعالى، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “النّدم توبة”.. أمّا في الآخرة فالنّدم لا ينفع، بل هو زيادة عذاب.

الخطوة الثانية: تجريد النية، بأن تكون غاية العبد المؤمن من تغيير حاله وبدء صفحة جديدة في حياته، هي طلب رضا خالقه ومولاه، ورجاء ما عنده من جزاء وكرامة، وليس رغبة في رضا مخلوق من المخلوقين أو تخلّصا من تأنيب قريب أو صديق.

الخطوة الثالثة: وضع برنامج جديد وجدّي لاستغلال السّاعات، تضبط فيه الأعمال والفرائض والطّاعات حسب أهميتها، وترصد مواطن الخلل التي يرجى إصلاحها، والنقائص التي يُؤمَّل تداركها.. هذا البرنامج لا ينبغي التراخي في إعداده والاهتمام بتطبيقه، لأنّ العبد المؤمن من دونه سيتذبذب في أيام رمضان ويجد نفسه بين الحين والآخر فريسة لفراغ يعود به سريعا إلى ما كان عليه قبل رمضان.

الخطوة الرابعة: تقوية العزيمة في طلب مرضاة الله؛ وأخذ الأمر بجدّ وقوة، ((فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ))، حتّى لا يطمع القرين وتطمع النّفس في فتور سريع يعقب التوبة والسّعي نحو التغيير، وهذه الخطوة من الأهمية بمكان، وإهمالها كثيرا ما يجني العبد ثمرته ثقلا وفتورا ينتاب النفس مع توالي الأيام، حتى ما تكاد العشر الأواخر تدخل، حتّى يجد الصّائم نفسه قد عاد أدراجه إلى ما عليه قبل ذلك!
رمضان، هو أسنح فرصة للتغيير نحو الأفضل، وبدء حياة جديدة، يطلّق فيها العبد المؤمن الخمول والكسل والفراغ والعطالة، ويبدأ مرحلة جديدة يكون هدفه فيها واضحا وماثلا بين عينيه لا يغيب عن ناظريه.. فرصة لا تقدّر بثمن لمن اتّخذ القرار وعزم وحزم، وعلم أنّ الأجل قد يحين في أيّ لحظة، وأنّ الفرصة التي تتاح اليوم قد لا تتاح غدا، وأنّ رمضان قد يعود والعبد من أهل الآخرة، رهين ما قدّم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!