الرأي

أشرف مَن في هذا البلد..

محمد سليم قلالة
  • 1518
  • 9

كلما تابعت المعارك الحقيقية أحيانا والوهمية غالبا، السياسية منها وغير السياسية، عبر وسائل الإعلام أو عبر الفايسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، أو في كواليس المكاتب والإدارات هنا وهناك… إلا وتذكرتُ ذلك المواطن الجزائري الذي ليس لديه الوقت لمتابعة كل هذه المسرحيات والألاعيب والصراعات. ذلك المواطن الذي استيقظ قبل الفجر ليخدم أرضه أو يفتح متجره، أو يُشمِّر على ساعديه للشروع في عملية بناء أو حفر أو نقل أو أي عمل حقيقي يقوم به الرجال والنساء. تذكرت خاصة تلك المعلمة أو ذلك المعلم الذي بات يُهيئ نفسه لصباح اليوم الموالي، وكيف سيُقابل تلامذته بوجه طلق وبإرادة حسنة ونية صادقة لتعليمهم وتدريبهم وتكوينهم. تذكرت كل أولئك العُمّال والعاملات الذي خرجوا باكرا من بيوتهم قاصدين عملهم، مُتحمِّلين عناء التنقل عبر مواصلات غير لائقة أو طرق مختنقة بالعربات والمارة… تذكرت ملايين الأطفال الذين ممن لا دخل لهم بالسياسة وقد صحوا من النوم باكرا ليهيئوا أنفسهم ليوم يتعلمون فيه الجديد، كل يحمل حلما لعله يصبح ذات يوم مهندسا أو معلما أو طبيبا.. تذكرت ملايين الأمَّهات الساهرات في بيوتهن على راحة أسرهن مأكلا وملبسا ونظافة لا يخطر في بالهن الاهتمام بقصة هذا أوذاك.. وملايين الآباء الشرفاء الذين لا هَمَّ لهم سوى توفير لقمة العيش الكريم والحلال والستر والصون لأبنائهم وزوجاتهم وأسرهم…
تذكرت جميع هؤلاء، وسألت نفسي: أليست هذه هي الجزائر العميقة والحقيقية التي إليها ننتمي؟ أليسوا هؤلاء هم أشرف من في هذا البلد ومَن ينبغي أن نتابع حياتهم ونَهتم لأمرهم ونَسعى لأن نكون منهم وبينهم لعلَّنا نُقدِّم بعض الإضافة لهذا البلد.
هل الجزائر هي ما يجري في البرلمان، أو ما يدور بين سرايا السلطان، أو ما يلفظه هذا المسؤول أو ذاك من قول أو ما يقوم به من حركة أو فعل؟ هل مصير الجزائر الحقيقي هو بيد هؤلاء أو بيد من يصنعون الثروة الحقيقية في بيوتهم ومدارسهم وحقولهم ومعاملهم؟ ما الذي يجعلنا نتناسى هؤلاء ولا نجعل منهم مقياسا لمستقبل بلدنا وننغمس في النظر إلى هذا المستقبل من خلال فئة قليلة أثبتت أنها ما فتئت تزعم أنها هي البلاد وهي المستقبل والحاضر وهي كل شيء وإلى الأبد؟
إننا لا ننكر ما للحكّام والسياسيين من تأثير على مستقبل دولهم وشعوبهم، ولكن هذا ينبغي ألا يجعلنا ننسى أن بهذا البلد شعبا وأبناء ورجالا ونساء يعملون ليل نهار لكي يتقدم ويزدهر. أبدا ما ينبغي علينا أن نُسارع إلى التبشير بأن الدولة على أبواب التفسخ والانهيار فقط لأن بعض ساستها انهاروا أو فسدوا أو فتحوا النار على بعضهم البعض.. بلدنا لا يصنع مستقبله هؤلاء، وينبغي ألا يصنعوه، وعلينا نحن القيام بذلك.. نحن هم من على هذه الأرض، ونحن هم من يصنع مستقبلها ويعيد الأمل لأهلها.. كفانا تخويفا من صراع بين السرايا لا امتداد له بيننا.

مقالات ذات صلة