-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أصحاب السبت

أصحاب السبت

وأصحاب السبت.. ما أصحاب السبت! إنهم أبطال قصة تاريخية قديمة متجددة، لا نزال نعيش آثارها إلى اليوم.. فهم الذين ذكرهم القرآن في معرض حديثه عن الأمم والشعوب الخالية، فقدمهم بأعراضهم الجلية، وعلاماتهم السلبية، كي يكونوا عبرة لمن يعتبر، ومثلا سيّئا لمن يتصفون بالتمرد، والخيانة، والكيد والصيد..

  • إنهم الماثلون -اليوم-، أمام أعيننا، في أكثر من وصف، وفي أعظم من شخص، تلتقي بهم في المؤسسات، وتصطدم بوجودهم في شتّى المناسبات، إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تعجب لأقوالهم التي لا تقنع أبيا، ولا تسمع صبيا، ولكنها تخدع غبيا.
    إن أصحاب السبت قديما، هم أولئك الذين تميزوا بالصيد في الماء العكر، للحوت المنهمر، في اليوم غير المنتظر، متمردين على القيم والأوامر، مستهينين بالتعاليم والزواجر، وهم اليوم يسعون بالكيد إلى إفساد الضمائر، ونصب الحبائل للأحرار والحرائر.
    كان‮ ‬السبت‮ -‬عندهم‮- ‬هو‮ ‬اليوم‮ »‬المقدس‮« ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬حركة‮ ‬فيه،‮ ‬ولا‮ ‬بركة،‮ ‬فلا‮ ‬صيد‮ ‬للحيتان،‮ ‬ولا‮ ‬إيقاد‮ ‬للنيران،‮ ‬لكنهم‮ ‬عمدوا‮ ‬بدل‮ ‬ذلك‮ ‬إلى‭ ‬الكيد،‮ ‬وخيانة‮ ‬العهد،‮ ‬وإلى‭ ‬تجاوز‮ ‬الحد،‮ ‬والخلط‮ ‬بن‮ ‬السبت‮ ‬والأحد‮.‬
    كان ذلك هو شأن اليهود -أصحاب السبت- في القديم، ولا يزال ديدنهم -اليوم- في كل الأوطان والأقاليم، يعبدون الأورو والدولار، ويضعون أيديهم على خزائن بنوك كل الشعوب والأمصار، ومن ذلك جاءت فكرة تعطيل البنوك والبورصات يوم السبت، لأنهم المتحكمون في شؤونها.
    وسرت‮ ‬عدواهم‮ ‬في‮ ‬المكر‮ ‬والخديعة‮ ‬إلى‭ ‬بعض‮ ‬الأغرار‮ ‬عندنا،‮ ‬فتحولوا‮ ‬إلى‮ ‬ناطقين‮ ‬باسمهم،‮ ‬متبنين‮ ‬لمنهجهم،‮ ‬داعين‮ ‬الاقتداء‮ ‬بهم‮.‬
    فها هي أصوات، نشاز، داخل صفوفنا تتعالى -هذه الأيام- مطالبة بتغيير عطلة المسلمين الأسبوعية من يومي الخميس والجمعة، كما هو معمول به، إلى يومي الجمعة والسبت، كما هو غير معمول به، وذلك في إطار ما يمكن وصفه بإحداث التحالف »الإسلامي اليهودي« باسم حماية الاقتصاد، وتحقيق ما عجزت السياسة عن إنجازه لحماية حقوق البلاد والعباد، وما ذلك إلا التمهيد لإلغاء الجمعة لاحقا، وتعويضها بيوم الأحد، وكل ذلك -بزعمهم- غيرة على اقتصادنا الوطني المنهار، وربطه بعمل بنوك »الين« الياباني، والأورو الفرنسي الطلياني الإسباني، والدولار الكندي‮ ‬الأمريكاني‮.‬
    كبرت‮ ‬كذبة‮ ‬تخرج‮ ‬من‮ ‬أفواههم،‮ ‬فمتى‮ ‬كانت‮ ‬غيرتهم‮ ‬على‭ ‬الاقتصاد‮ ‬الوطني،‮ ‬إلى‭ ‬حد‮ ‬التضحية‮ ‬براحة‮ ‬البلاد‮ ‬والعباد؟‮ ‬ومن‮ ‬قال‮ ‬بأن‮ ‬إفلاس‮ ‬اقتصادنا،‮ ‬وتدهور‮ ‬دينارنا‮ ‬سببه‮ ‬الخميس‮ ‬أو‮ ‬السبت؟‮ ‬
    لا‮ ‬يا‮ ‬قوم‮! ‬إن‮ ‬أسباب‮ ‬التدهور‮ ‬الاقتصادي‮ -‬في‮ ‬بلادنا‮- ‬أعمق‮ ‬من‮ ‬عاملي‮ ‬الزمان‮ ‬والمكان،‮ ‬إنه‮ ‬يتجاوز‮ ‬ذلك‮ ‬إلى‮ ‬فساد‮ ‬طبيعة‮ ‬الإنسان،‮ ‬وهشاشة‮ ‬الهيكلة‮ ‬التحتية‮ ‬للبنيان،‮ ‬وحجتنا‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬ظاهرة‮ ‬للعيان‮ ‬وللعميان‮.‬
    ففي‮ ‬عصر‮ ‬الاتصالات‮ ‬المتطورة،‮ ‬بجميع‮ ‬أشكالها،‮ ‬يفقد‮ ‬سير‮ ‬الزمان‮ ‬دلالته،‮ ‬ليعوض‮ ‬بفعالية‮ ‬الكومبيوتر،‮ ‬والفاكس،‮ ‬والـ‮ ‬DHL،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬الإنسان‮.‬
    ثم‮ ‬إن‮ ‬الزمن‮ ‬يختلف‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬الليل‮ ‬النهار‮ ‬في‮ ‬معناه،‮ ‬باختلاف‮ ‬المكان،‮ ‬فليلنا‮ ‬هو‮ ‬نهار‮ ‬غيرنا،‮ ‬وليلهم‮ ‬هو‮ ‬نهارنا،‮ ‬فمن‮ ‬أين‮ ‬يأتي‮ ‬الإشكال‮ ‬عندنا‮ ‬أو‮ ‬عندهم،‮ ‬ونحن‮ ‬لا‮ ‬نلتقي‮ ‬معهم‮ ‬أبدا‮ ‬في‮ ‬ساعات‮ ‬العمل؟
    ثم لماذا لا نحاول تقليدهم فيما هو أهم عندهم من القيم، مثل نجاعة العمل، والقضاء على عراقيل البيرواقراطية المتفشية عندنا، ووضعهم الحدود لأنواع الاختلاسات التي عصفت ولا تزال تعصف بأسس اقتصادنا؟ وهل تناسينا سلسلة الفضائح، وآخرها فضيحة الخليفة، وما صحبها من نتانة‮ ‬تجاوزت‮ ‬حدود‮ ‬كل‮ ‬الفئات،‮ ‬والهيئات،‮ ‬والمستويات،‮ ‬والطبقات؟‮ ‬فهل‮ ‬السبب‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬كله‮ ‬هو‮ ‬عطلة‮ ‬الجمعة‮ ‬أو‮ ‬السبت؟
    فيا قومنا! إن أزمة الاقتصاد الجزائري، ووقوعه في التبعية والتخلف، ليس وليد مجرد يوم عطلة، لتكن الإثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء أو الجمعة أو السبت، فما ذلك -والله- بالذي يتحكم في تخلفنا، أو تدهور اقتصادنا.
    فتشوا -إذن- عن الخلل، في هذه البيروقراطية الضاربة أطنابها في عقولنا، المنعكسة سلبا على معاملاتنا! واكشفوا عن حجم الرشاوى، والعمولات، والتحويلات المزيفة، والأرصدة المزورة، وستنجلي لكم أسباب ما يعانيه اقتصادنا، وإلا فإننا سيظل حالنا كمن يكتب على الماء، أو كمن‮ ‬يحرث‮ ‬في‮ ‬البحر‮.‬
    فهلا فكرتم في فرض المزيد من الفعالية والنجاعة، على العمال والموظفين من حيث كم الساعات، وكيفية إنقاصها؟ ولماذا لا تفكروا -يا أرباب المؤسسات المتباكين على نجاعة اقتصادنا- في تمديد ساعات العمل، وتبني منهج العمل بفريقين، امتصاصا للبطالة، وتنظيما لفوضى العمل السائدة،‮ ‬واقتداء‮ ‬بالأمم‮ ‬والشعوب‮ ‬الرائدة؟
    أما عطلة الخميس أو السبت، فإنها -والله- لمن نوع الانسلاب الإيديولوجي والتبعية السياسية، والخيانة للشخصية الوطنية. ذلك أن لكل أمة ثقافتها، ولكل ثقافة شخصيتها، وما كانت العطلة الأسبوعية بالعامل المحدد للتقدم والتخلف، فيكفي أن نعمل بجد، في كل أيام الأسبوع، ونتخلص من أنواع الإعاقة النفسية، والفيروسات الذهنية التي تستبد بنيتنا التحتية والفوقية، لنلتحق بركب الأمم المتقدمة، وسيان بعد ذلك أن نعمل بالليل أو بالنهار، وفي يوم الخميس أو يوم السبت.. وإلا كيف نفسر اقتصاد بعض البلدان الإسلامية التي تتمتع باقتصاد مزدهر، ولا‮ ‬تزال‮ ‬عطلتها‮ ‬الخميس‮ ‬والجمعة؟
    مشكلتنا‮ -‬أيها‮ ‬القوم‮- ‬أن‮ ‬كل‮ ‬أيامنا‮ ‬عطل،‮ ‬وبطالتنا‮ ‬حتى‮ ‬أثناء‭ ‬العمل،‮ ‬وأخشى‮ ‬أن‮ ‬ينطبق‮ ‬علينا‮ ‬قول‮ ‬الشاعر‮ ‬العراقي‮ ‬معروف‮ ‬الرصافي‮ ‬في‮ ‬قصيدته‮ ‬النقدية‮ ‬الرائعة‮ »‬نحن‮ ‬في‮ ‬بغداد‮« ‬والتي‮ ‬يقول‮ ‬فيها‮:‬
  • أيا‮ ‬سائلا‮ ‬عنا‮ ‬ببغداد‮ ‬إننا
               علت‮ ‬أمة‮ ‬الغرب‮ ‬السماء‮ ‬وأشرفتْ
  • فنحن‮ ‬أناس‮ ‬لم‮ ‬نزل‮ ‬في‮ ‬بطالة
            خضعنا‮ ‬لحكام‮ ‬تجور‮ ‬وقد‮ ‬حلا
  • بهائم‮ ‬في‮ ‬بغداد‮ ‬أعوزها‮ ‬النبْتُ
              علينا،‮ ‬فصرنا‮ ‬ننظر‮ ‬القوم‮ ‬من‮ ‬تحتُ
  • كأنا‮ ‬يهود،‮ ‬كل‮ ‬أيامنا‮ ‬سبتُ
            بأفواهها،‮ ‬من‮ ‬مالِنا‮ ‬مأكل‮ ‬سُحتُ
  •  فلم‮ ‬المطالبة‮ -‬إذن‮- ‬بيوم‮ ‬السبت‮ ‬وكل‮ ‬أيامنا‮ ‬سبت؟
    وماذا‮ ‬بقي‮ ‬من‮ ‬المطالبة،‮ ‬بالعطلة‮ ‬العالمية،‮ ‬وقد‮ ‬قضت‮ ‬الأزمة‮ ‬الاقتصادية‮ ‬الدولية‮ ‬وتبعاتها‮ ‬على‭ ‬نظرية‮ ‬السبت‮ ‬ونظرية‮ ‬الأحد‮ ‬معا؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!