-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أطفالنا وطوفان الفساد (2/2)

سلطان بركاني
  • 613
  • 0
أطفالنا وطوفان الفساد (2/2)

ذكرنا أنّ واجب الاهتمام بواقع أطفالنا أصبح أكثر إلحاحا اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ شياطين الإنس قد ضمّوا جهودهم إلى جهود شياطين الجنّ لإخراج أطفال الجيل الجديد ليس من الأديان فقط، إنّما كذلك من الفطرة المغروزة في داخل كلّ إنسان سويّ.. ولعلّ الخبر الذي تداولته بعض المواقع مؤخّرا عن الأمّ البريطانية التي رفعت دعوى قضائية ضدّ دار حضانة اصطحبت ابنها البالغ 4 سنوات من عمره للمشاركة في حفل للشواذّ من دون أخذ الإذن من والديه، لتفاجأ الأمّ بالمحكمة تقف في صفّ دار الحضانة وترفض دعوى الأمّ؛ لعلّ هذا الخبر يشي بحجم الفساد الذي تساق إليه الطفولة في العالم أجمع!

أصبح فرضا محتما لا يقلّ أهمية عن فرض الصلاة، أن نحمل الهمّ ونقدّم الأسباب للوقوف أمام طوفان الفساد القادم إلى بيوتنا، ليس بتحصين أطفالنا الذين هم أمام أعيننا فقط، إنّما كذلك بتوفير الأسباب الكفيلة بإيجاد جيل محصّن ضدّ الفكر المنتكس الذي يقف خلفه إبليس الذي أقسم بالله قائلا: ((وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه))، لعلّ الله يجعلنا ويجعل أبناءنا ممّن قال الله عنهم: ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ الجديد)).

ينبغي لكلّ امرأة مسلمة، ولكلّ رجل مسلم أن يحمل همّ الذرية الصالحة قبل الزّواج وبعده.. على الفتاة المسلمة، وعلى الشابّ المسلم الذي يرجو الذرية الصالحة، أن يبدأ بوضع الأساس الصّحيح من أوّل خطوة، وأول وأهمّ خطوة هي ألا تقبل الفتاة المؤمنة إلا شابا صالحا يكون أبا صالحا لأبناء صالحين، ويختار الشابّ المسلم امرأة صالحة يتّخذها زوجة وأما لأبنائه..

مؤسف جدا أن يكون اهتمام أكثر شبابنا اليوم متعلّقا بجمال الزّوجة وراتبها؛ يختار امرأة لا مكان للدّين في حياتها ولا همّ تحمله إلا المظاهر الفانية، فلا تجد وقتا لتربية أبنائها، بل تكلهم إلى الحضانة وإلى الشارع والهاتف والتلفاز، فينشؤون على التعلّق باللعب واللهو والعبث، بعيدين عن القرآن وآداب الإسلام وأخلاقه.. الشابّ المسلم الذي يرجو صلاح دينه ودنياه وأخراه، يختار لأبناء المستقبل الأمَّ الصّالحة التي تعرفُ حق ربها، وحق زوجها، وحق ولدها، والأم التي تعرف رسالتها في الحياة وتغار على دينها وتعرف موقعها في المحن التي تمرّ بها الأمّة. الأمّ التي تسأل نفسها: ماذا قدّمت لديني وأمّتي ولا تسأل: ماذا قدّم الإسلام للمرأة؟!

الأمّ التي ترجو صلاح أبنائها، والأب الذي يحمل همّ تحصين أبنائه من طوفان الفساد، لا يغفلان أبدا عن أعظم سبب من أسباب صلاح الذرية: الصّلاة مع الدعاء، ولا ينسيان أبدا قول الله -عزّ وجلّ- عن إسماعيل الذي يضرب به المثل الأعلى في صلاح الذرية: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا))، وقوله -سبحانه- عن دعاء عباده الصّالحين: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.. الوالدان الحريصان على صلاح ذريتهما يقيمان صلاتهما كما أمر الله، ولا يفتران عن الركوع والسجود والدّعاء بالليل ولا بالنّهار أن يصلح الله لهما أبناءهما، يصلّيان ويدعوان في سجودهما وبعد السلام، يتحيّنان ساعات الإجابة ويدعوان لأبنائهما، ويتصدّقان بنية صلاحهم ويدعوان لهم، ويطيلان في صلاتهما وسجودهما ويدعوان لهم ويبكيان لأجلهم، كما كان الإمام سعيد بن المسيّب -رحمه الله- يطيل صلاته ويقول لابنه: “لأزيدنَّ في صلاتي من أجلك، رجاء أن أُحفظ فيك”، ويتلو قول هذه الآية: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.

إنّ من أعظم أسباب تيه أبنائنا أنّنا أضعنا الصّلاة وأخّرناها وما عدنا نهتمّ بأوقاتها إلا من رحم الله منّا.. يقول الله تعالى: ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا))، ووالله لو أنّنا جعلنا هذه الآية نصب أعيننا ما تجرّأ متجرّئ على إضاعة صلاة من الصّلوات.

العبد المؤمن الذي يرجو أن يرزقه الله ذرية صالحة، يهتمّ بالأسباب الشرعية من أول يوم يضع فيه أساس أسرته؛ فيبدأ أول ليلة في زواجه بطاعة الله ويجتنب معصيته، وإذا أوى إلى أهله بدأ بالصّلاة وبذكر الله، فإذا جاءه الولد أذن في أذنه لتكون الصّلاة أغلى وأهمّ شغل في حياته، وتصدّقَ عنه حتّى لا تكون الدّنيا أكبر همّه، وذبح عنه العقيقة إن تيسّر له ذلك، حتّى يذبح الولد هواه في طاعة الله.

العبد المؤمن الذي يرجو أن يرزقه الله ذرية صالحة، يجتهد في أن يكون قدوة صالحة لأبنائه، يسير أمامهم على طريق الصّلاح والهداية ليقتفوا أثره ويسيروا بسيره، يراه أبناؤه وهو يصلّي النّوافل في البيت ويقيم ركوعه وسجوده، وهو يتلو كلام الله، وهو يهتمّ بمتابعة القنوات والصفحات والمواقع الهادفة، وهو يخصّص من راتبه أو أرباح تجارته مبلغا شهريا للصّدقات.. يسمعونه كلّما دخل البيت يبدأ بذكر الله وبالسّلام.. يرونه يتحرّى الحلال ويحذر أشدّ الحذر من المال الحرام.. يتحرّى الصّدق مع النّاس ويجتنب الكذب. يحفظ العهود والمواعيد.. يرونه وهو يحسن إلى أمّهم ويعينها على طاعة الله.. يسمعونه وهو يأمرهم بالصلاة وتلاوة كلام الله، ويحثّهم على صلة أرحامهم والإحسان إلى جيرانهم… وهكذا. الأب الذي يرجو صلاح أبنائه، لا يأمر أبناءه بأمر وهو يخالفه ولا ينهاهم عن قبيح وهو يقارفه. شأنه مع أبنائه كما قال العبد الصّالح شعيب -عليه السّلام- لقومه: ((وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب)).

الأب الذي يرجو صلاح ذريته يربّي أبناءه منذ نعومة أظفارهم على محبّة الله ومحبّة دينه. يذكّرهم بنعم الله عليهم: يلفت انتباههم إلى نعم الطّعام والشّراب واللّباس والصحّة والعافية والأمن والأمان، ويحثّهم على شكر الله وحمده وحسن الثّناء عليه، ويعلّمهم أنّ النّعم تدوم بالشّكر وتزول بالكفر: ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)).. الأب الذي يرجو صلاح أبنائه يعلّمهم أنّ الأب وسيلة للرّزق وأنّ الرزّاق هو الله، فإذا ما غاب الأب أو مات فإنّ الله الرزّاق حي لا يموت.. والطّبيب سبب للشّفاء والشّافي هو الله.. ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)).

الأب الذي يرجو صلاح ذريته يعلّم أبناءه منذ الصّغر أن يستشعروا مراقبة الله ونظره إليهم واطّلاعه على أعمالهم.. الأب اللّبيب لا يخوّف أبناءه من مراقبته لهم، إنّما يخوّفهم من مراقبة الله ويذكّرهم بأنّ الله يراهم في كلّ مكان وفي كلّ وقت، في الخلوة والجلوة، يسمع ما يقولون ويرى ما يفعلون.. يراهم وهم مع أصدقائهم، ويراهم وهم مختلون في غرفهم، ويرى ما ينظرون إليه على هواتفهم، ويرى من يكلّمون وماذا يقولون وماذا يكتبون. ((أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى))، ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)).

الأب المسلم الذي يرجو صلاح أبنائه يعلّمهم الحلال والحرام ويجلّي لهم حدود الله حتى لا يتعدّوها، ويعلّمهم أنّ الله العليم الحكيم ما حرّم شيئا إلا لحكمة، قد نعلمها وقد تخفى علينا، وأنّ الحرام قليل جدا مقارنة بالحلال، ولكنّ الشيطان هو من يجعلنا ننظر إلى الحرام القليل وننسى الحلال الكثير، وأنّه ليس هناك شيء محرّم في ديننا إلا وهناك بديل له في الحلال طيّب طاهر نقيّ.

الأب المسلم الذي يرجو هداية أبنائه، والأمّ المسلمة التي ترجو الهداية والصلاح والفلاح لأبنائها، يتعلّقان دائما وأبدا بفضل الله وهدايته وتوفيقه وحفظه، فالله وحده هو من يهدي، والوالدان إمّا أن يكونا سببا في الهداية أو يكونا سببا في الضياع.. فلا ينبغي للوالدين أن يغترا بأنفسهما وبحرصهما، إنّما ينبغي أن تتعلّق قلوبهما بهداية الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!