الرأي

أقزامٌ يتطاولون على ابن باديس!

رشيد ولد بوسيافة
  • 2470
  • 24

ما إنْ تعود ذكرى وفاة رائد الإصلاح في الجزائر الشّيخ عبد الحميد بن باديس إلاّ وتعلو أصواتٌ نشاز تردّد أسطوانة طالما قيلت على لسان خصوم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فيُتّهم تارة بالاندماج وتارة بالعمالة لفرنسا، وتارة بمعاداة شعار الاستقلال والتصدي للتّوجُّه الثّوري!

وللتأثير على محدودي المستوى في مواقع التّواصل الاجتماعي يتم اقتطاعُ فقراتٍ من مقالات كتبها الشّيخ ابن باديس أو أحد قادة الجمعية، ونشرتها صحفُ الجمعية، وهي نصوصٌ لها سياقها التّاريخي ومبرّراتها القوية، وعلى رأسها رغبة قادة الجمعية في دفع شرّ الإدارة الاستعمارية التي كانت تبادر كل مرة إلى توقيف الصحف التي يطلقها ابن باديس.

لا العمل الذي كان يقوم به ابن باديس ورفاقُه في تعليم الشعب الجزائري وترميم هويته العربية الإسلامية، ولا الأفكار الإصلاحية التي كان يعتنقها ويدافع عنها، تنسجم مع محتوى هذه المقالات التي كانت بمثابة تمويهٍ ودفعٍ للبلاء حتى تستطيع الجمعية تنفيذ مشروعها في المجتمع الجزائري.

وغالبا ما تكون هذه المقالات في الصّفحة الأولى، ومثالٌ على ذلك ما جاء في الصفحة الأولى لصحيفة “المنتقد” في أول عددٍ لها وهو العددُ الصادر في 2 جويلية 1925: “إنّ الأمة الجزائرية أمة ضعيفة ومتأخِّرة، فترى من ضرورتها الحيوية أن تكون في كنف أمَّة قوية عادلة متمدنة لترقيها في سلم المدنية والعمران وترى هذا في فرنسا التي ربطتها بها روابط المصلحة والوداد”. أو ما جاء في العدد 32 من جريدة الشّهاب: “لقد تأسست هذه الصحيفة على أن تخدم الأمة الجزائرية بمساعدة فرنسا الديمقراطية في جميع مواقفها، ترمي نفسها في سبيل الأمة حيث تسلم، وكانت في جميع مواقفها متشبِّثة بالجمهورية الفرنسية مستصرخة عدلها وإنسانيتها، مستعينة بها على من يخرج عن مبدأ الحرية والأخوَّة والمساواة”.

بمثل هذه العبارات المجتزأة يقوم عددٌ محدود من دخلاء العلم بالإساءة إلى الشّيخ ابن باديس ورجال جمعية العلماء، والتشويش على الأجيال الجديدة التي نشأت على مبادئ ابن باديس الإصلاحية، من خلال ضرب هذه الرمزية الكبيرة التي يمثلها، بينما يسكتون عن كل إنجازات الجمعية التي أحيت الشعب الجزائري من جديد وأعادته إلى هويته ومبادئه الوطنية، ولولا الجمعية ومشروعها الحضاري لكان الشعب الجزائري مثل الكثير من الشعوب التي تخلت عن هويتها واندمجت بشكل كلي في ثقافة ولغة وحتى دين المستعمِر.

لكن هؤلاء الذين يسيئون إلى الشّيخ ابن باديس لا ينتمون إلى المجتمع العلمي حتى وإن وصفوا أنفسهم بـ”الباحثين”، لأن الباحث الحقيقي لا يمكن أن يتجاوز السّياق التّاريخي لنص أو تصريح معين، كما لا يمكن أن يحاكم شخصية كانت تنشط خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي وفق منطلقات وقناعات معاصرة.

مقالات ذات صلة