الرأي

أليس فينا رجل رشيد؟

“كرنفالات” الكلأ والفحم والخرفان والسكاكين، والسواطير وأجهزة الشواء التي بيعت في قلب المدن الجزائرية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أمام مرآى السلطات وبرضا المواطنين، أبانت بأن الذين ظنوا أن الدولة، تلعب لأجل ربح السلم الاجتماعي خاطئون، لأن المواطنين هم من تولّوا الآن تسجيل الأهداف في مرماهم، منذ أن اقتنعوا بأنهم أجهزة هضمية تنتظر جرس الإطعام على طريقة العالم الروسي الشهير بافلوف، فقد تحوّل عيد الأضحى المبارك من عيد للنحر، لا ينال الله منه اللحوم ولا الدماء، ولكن يناله التقوى كما جاء في كتاب الله العزيز، إلى أيام لرعي الماشية في قلب المدن والأكل فقط، وحتى الحكومة المبجّلة لا يبدو أن لها انشغالا غير التعامل مع الأجهزة الهضمية المفتوحة الأمعاء، بدليل أن وزارة التجارة، وحدها من أعلنت الطوارئ، وطالبت الخبازين بأن يبيعوا الخبز للموطنين “لأجل أكل الشواء”، في الوقت الذي صامت عن الكلام بقية الوزارات والمديريات، رغم أن عيد النحر هو عيد للتواصل والتسامح عبر مختلف الوسائل التكنولوجية، وعيد لتذكر المحتاجين واليتامى والعجزة في مختلف الدور، وفي شوارع الجزائر العميقة.

وإذا كان للنظام يد في تحويل الشعائر الدينية جميعها من دون استثناء، إلى مهرجانات للطعام أو دعونا نسمّيها مهرجانات للتبذير الذي هو من أفعال إخوان الشياطين، فإن لكل شرائح المجتمع بمن فيها رجال الدين يد في هذا الاستخفاف بدين الله، فالقرآن الكريم ذكر عيد الأضحى من خلال قصة خليل البشرية وابنه، ومن خلال أمر الصلاة والنحر، ولم يذكر اللحوم وكيفية طهيها، ولا كيفية الرعي بالماشية في قلب المدن والقرى، وذكر الصوم والتقوى ولم يذكر أنواع وأشكال الأطعمة التي حوّلت شهر الصيام إلى شهر للإسراف والتخمة.

 أن يتحدث الأطباء في يوم عيد الأضحى المبارك عن خطر الكيس المائي فقط، والأئمة عن طريقة ذبح الأضحية بالسكين فقط، ورئيس البلدية عن أماكن بيع الخرفان فقط، ووزير التجارة، عن الخبز والحليب فقط، فمعنى ذلك أن عيد الأضحى المبارك هو عيد لأكل اللحم وليس لشيء آخر.

 

قرأنا سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسيرة صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ وسيرة رجالات الإسلام، وصولا إلى ابن باديس والبشير الإبراهيمي، فما استوقفتنا مثل هذه المظاهر التي جعلت الأكل هو غايتنا الأولى، ليس دنيويا وإنما أيضا دينيا، وعندما يصبح الإنسان يأكل في دنياه كأنه سيعيش أبدا، ويأكل لآخرته كأنه سيموت غدا، فإنه يكون قد انفلت من الرسالة التي خلق لأجلها، وحقق ما تريده السلطة منه، وهو أن يكون من القوم الذين يأكلون وهم جياع، وإذا شبعوا أكملوا الأكل.

لقد سأل الفلاسفة منذ زمن طويل، إن كان الإنسان يعيش ليأكل أم يأكل ليعيش؟.. ونخشى أن نكون من خلال هذه الممارسات التي تظهر في الأعياد، وشهر الصيام وحتى رأس السنة الميلادية، قد حسمنا الإجابة بالعيش لأجل الأكل؟

مقالات ذات صلة